AFP
تسعى باريس عبر مؤتمر دولي تنظمه الأربعاء، تزامناً مع الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، إلى جمع مساعدات إنسانية عاجلة بقيمة 350 مليون دولار من أجل الاستجابة لحاجات شعب لبنان، الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية.
وهذا المؤتمر هو الثالث الذي تنظمه فرنسا والأمم المتحدة لتقديم مساعدات إنسانية منذ انفجار المرفأ المروّع، الذي أودى في الرابع من أغسطس 2020 بحياة أكثر من مئتي شخص، ودمّر أجزاء كاملة من العاصمة، وفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والانقسام السياسي الحاد في البلاد. وجمع المؤتمر الأول في التاسع من أغسطس، بعد أيام من انفجار المرفأ مساعدات بقيمة 280 مليون يورو.
وقالت الرئاسة الفرنسية الاثنين "يتعلّق الأمر بتقديم المساعدة مجدداً الى شعب لبنان"، الذي صنّف البنك الدولي أزمته الاقتصاديةالمتسارعة من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
وأضافت "مع تدهور الوضع، تقدّر الأمم المتحدة بأكثر من 350 مليون دولار الحاجات الجديدة التي يتيعن الاستجابة لها في مجالات عدة، تحديداً الغذاء والتعليم والصحة وتنقية المياه"، في وقت تتراجع قدرة المرافق العامة تدريجاً على تقديم الخدمات الأساسية للسكان.
ويُنظم المؤتمر عبر تقنية الفيديو، برعاية الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش. ويحضره إلى جانب الرئيس اللبناني، ميشال عون، ممثلون عن قرابة أربعين دولة ومنظمة دولية، أبرزهم الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي يلقي كلمة عبر الفيديو، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن، عبدالله الثاني.
كذلك، تشارك في المؤتمر المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، ورئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، ورئيسا حكومتي اليونان والعراق، إضافة الى وزير خارجية كل من ألمانيا والنمسا وايطاليا وإسبانيا وبريطانيا وهولندا وبلجيكا وكرواتيا وفنلندا. ويحضر الاجتماع أيضاً ممثلين عن السعودية وقطر والإمارات.
الضغوط الدولية على الطبقة السياسية
منذ انفجار المرفأ، لم تنجح الضغوط الدولية على الطبقة السياسية، التي مارستها فرنسا خصوصاً، في تسريع ولادة حكومة، يشترط المجتمع الدولي أن تضم اختصاصيين، وتقبل على إصلاحات جذرية في مقابل تقديم الدعم المالي.
في الانتظار، يكتفي المجتمع الدولي بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة، من دون المرور بالمؤسسات الرسمية، رغم تكرار السلطات مناشدتها الجهات المانحة عدم ربط دعمها للبنان بتشكيل حكومة.
وكلّف عون في 26 يوليو، رجل الأعمال الثري، رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، تشكيل الحكومة، بعدما فشلت محاولتان لتأليف مجلس وزراء منذ استقالة حكومة حسان دياب، إثر الانفجار. ولا تزال حكومة دياب تقوم بمهام تصريف الأعمال.
ورغم الضغوط وعمل الاتحاد الأوروبي على إرساء عقوبات تستهدف معرقلي التأليف، قال ميقاتي الاثنين إنّه لن يتمكن من تشكيل حكومة قبل ذكرى الانفجار كما كان يأمل، فيما تحول نقاط خلافية بين القوى السياسية دون اتمام مهمته الصعبة، في بلد يقوم نظامه السياسي على المحاصصة وتقاسم الحصص بين الطوائف.
ويقع على عاتق الحكومة المقبلة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي كخطوة أولى لإخراج لبنان من الأزمة الاقتصادية المتسارعة، بينما بات أكثر من نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر، وفقدت العملة المحلية أكثر من تسعين في المئة من قيمتها أمام الدولار.
رسالة سياسية
شدّدت الرئاسة الفرنسية الاثنين على أنّ المؤتمر سيشكل "مناسبة" جديدة "لتوجيه رسالة سياسية واضحة للغاية: رغم التزام مختلف القادة السياسيين اللبنانيين، ما زال لبنان بلا حكومة".
وأوضحت أنّ المشاركين "سيؤكدون على ضرورة تشكيل حكومة بشكل سريع قادرة على تنفيذ اصلاحات هيكلية ينتظرها اللبنانيون والمجتمع الدولي، وتسمح بتقديم دعم"، لا يقتصر فحسب على الاستجابة للحاجات الطارئة.
ودعت فرنسا، التي زار رئيسها لبنان مرتين إثر الانفجار، مراراً إلى الإسراع بتشكيل الحكومة. وأعربت باريس قبل أيام عن استعدادها لزيادة "الضغط مع شركائها الأوروبيين والدوليين على المسؤولين السياسيين اللبنانيين لتحقيق ذلك".
وفرضت باريس في أبريل قيوداً على دخول شخصيات لبنانية، تعتبرها مسؤولة عن المراوحة السياسية والفساد، إلى أراضيها، من دون أن تفصح عن هوياتهم أو ماهية القيود، ولوّحت مراراً بالعقوبات.
وأكدت الرئاسة الفرنسية الاثنين "سنواصل الضغط، وسننتقل مع شركائنا الأوروبيين، إذا استمر التعطيل السياسي، إلى إجراءات أكثر أهمية".
وكان الاتحاد الأوروبي أعلن الجمعة، أنّه أرسى الإطار القانوني لفرض عقوبات على قادة مسؤولين عن التعطيل السياسي، في مسعى لتسريع تشكيل الحكومة ووضع إصلاحات بنيوية على سكّة التنفيذ لإخراج البلد من مأزقه.
ويستعد اللبنانيون الأربعاء، وسط نقمة شعبية، لإحياء الذكرى السنوية الأولى لانفجار بيروت المروع، في وقت لم يعلن القضاء اللبناني عن تحقيق أي تقدّم في التحقيق منذ عام، ورفضت السلطات الاستجابة لمطلب تحقيق دولي.
وقالت منظمة العفو الدولية في بيان الاثنين، إن "السلطات اللبنانية أمضت السنة المنصرمة وهي تعرقل بوقاحة بحث الضحايا عن الحقيقة والعدالة في أعقاب الانفجار الكارثي".
وبنبرة حازمة، قالت الرئاسة الفرنسية "هذا يكفي، نحتاج إلى نتائج سريعاً"، مؤكدة في الوقت ذاته أنه ليس بمقدور فرنسا تزويد المحققين اللبنانيين، بناء على طلبهم، بصور أقمار اصطناعية، تظهر لحظة الانفجار، لأنه لم يكن لديها أي أقمار موجهة نحو المرفأ عند وقوع الانفجار.