انتعاش حقبة "البقاء في المنزل" قد يستمر بعد كورونا

time reading iconدقائق القراءة - 11
لوحة إعلانية تحض على البقاء في المنزل تفادياً للإصابة بكوفيد-19. شارع \"كينغ ستريت\". مانشستر. المملكة المتحدة - المصدر: بلومبرغ
لوحة إعلانية تحض على البقاء في المنزل تفادياً للإصابة بكوفيد-19. شارع "كينغ ستريت". مانشستر. المملكة المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

اعتبرت شركة أديسون لي (Addison Lee) لخدمات التاكسي أنَّ "يوم الحرية" في المملكة المتحدة كان حدثاً فاشلاً مخيباً للآمال. يصعب الاختلاف مع هذا الرأي؛ فبالرغم من انخفاض عدد الوفيات، ومن يحتاجون رعاية بالمستشفيات؛ مازالت حركة النقل والتنقل على حالها دون تأثُّر، وأقل من مستواها قبل جائحة كورونا في بعض المناطق.

يمارس البريطانيون حريتهم في الاختلاط بشكل انتقائي. وما زلنا أبعد كثيراً عن الاحتفالات الصاخبة والماجنة التي سجَّلها المؤرخون بعد نهاية الطاعون. وستكون الجوانب الاقتصادية عاملاً مهماً في محاولات جميع الحكومات لوضع خططها للمجتمع بعد كوفيد.

إنَّ ما يدعو إلى الدهشة والتعجب هو هذا التفاوت في معدل حركة البريطانيين بعد انتهاء القيود التي فرضها كوفيد، وليس مستوى الحركة بوجه عام. بحسب البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء القومي؛ سجَّل معدل استخدام المواصلات العامة 84% فقط برغم عودة حركة المرور على الطرق إلى طبيعتها كاملة. وبلغت زيارة محال التجزئة 75% فقط من مستواها العادي، وربما كانت تعاني من الافتقاد إلى جولات عمَّال المكاتب وقت الغداء. ومازال الإنفاق باستخدام بطاقات الائتمان والخصم أقل من مستوى فبراير 2020 بنسبة 8%، ومازال المستهلكون يدَّخرون أموالهم، كما بلغ معدل الادخار 20%، أي تقريباً ثلاثة أضعاف معدل ما قبل الجائحة.

كما ستؤرق مشكلة كيفية التخلُّص من هذه العادة الجديدة في الاقتصاد، وضغط الإنفاق ليالي المسؤولين عن الاقتصاد والمالية مستقبلاً.

إنَّ غياب ما يثير الاهتمام ويشعل الحماس هنا، يؤدي فعلاً إلى إثارة الشكوك حول استعادة "العشرينيات الصاخبة" في المملكة المتحدة وما وراء ذلك، فالمؤشرات الاقتصادية الأخيرة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مخيِّبة للآمال. وتكشف المرحلة الأخيرة من رفع قيود الجائحة أنَّها الأصعب للاستفادة منها.

كما أنَّ بعض جوانب النشاط الضعيف قد تنتعش مع الوقت. وإذا كانت المشكلة في سيكولوجية الإنسان، وترتبط بالمخاوف العالقة، ينبغي أن يتحسَّن مستوى الثقة في النهاية مع الإدارة الجيدة للجائحة، واستمرار نجاح جهود التلقيح. ينطبق الشيء نفسه على الارتباك الناشئ عن العزل الذاتي بعد اختبار الاتصال –الخاص بالمخالطين– الذي ينبغي أن ينخفض ويتراجع مع الوقت.

غير أنَّه ينبغي التعامل بجدية مع فكرة أنَّ أمراً جوهرياً قد تغيّر في الاقتصاد، وذلك لأنَّ عمليات الإغلاق أصبحت صانعة للعادات –خاصة في الدورتين الثانية والثالثة من الإغلاق الاقتصادي في المملكة المتحدة وأوروبا- التي كشفت عن زيادة قدرة الشركات والمستهلكين على التأقلم مع التباعد الاجتماعي بمساعدة الهواتف الذكية، وعقد اللقاءات عبر الفيديو، واستخدام التجارة الإلكترونية. بالنسبة لكثير من الناس، كانت عملية التأقلم ممتعة لدرجة أنَّهم قرروا التخلي عن كل شيء للعيش في مكان آخر.

وتيرة العودة فاترة

إنَّ الآثار الاقتصادية لمجتمع أقل حركة وانتقالاً قد تكون هائلة. وسيستمر التعافي غير المتكافئ بين المراكز الحضرية والمواقع الريفية، الذي مازال واضحاً من تأخُّر لندن بالنسبة للمملكة المتحدة. كما أنَّ الوتيرة الفاترة والضعيفة لعملية العودة إلى العمل تجعل تجنُّب الآثار السلبية الدائمة على الاقتصاد أمراً عسيراً. (حوالي خمس العاملين مازالوا يعملون من منازلهم، ولم يعد إلا 65% فقط من العاملين إلى مواقعهم الطبيعية).

تكشف أرقام مكتب الإحصاء القومي في أوائل شهر يوليو أنَّ ثلث الشركات في المملكة المتحدة عانت انخفاضاً في حجم أعمالها تزيد نسبته عن 20% مقارنة بالمعدلات الطبيعية في هذا الوقت من السنة، ومنها 5% تعاني من انخفاض في حجم الأعمال يزيد على 50%. إذ ليست جميع الشركات قادرة على البقاء وتجاوز الأزمة.

في الوقت نفسه؛ فإنَّ استمرار النجاح الذي تحقِّقه الشركات التي تعتمد على التكنولوجيا، والوسائط الرقمية، والعمال ذوي المهارات التكنولوجية العالية سيساهم في تعزيز ما وصفه بن برودبنت، نائب محافظ بتك انجلترا، بـ"التفاوت" الاقتصادي. كما أنَّ إعادة تخصيص الوظائف والاستثمارات باتجاه الأنشطة الاقتصادية التي تنتعش في المجتمعات التي تطبِّق التباعد الاجتماعي سيستغرق وقتاً، ويستنزف أموالاً، وقد يؤدي إلى تفاقم مشكلة "عدم المساواة". وقال برودبنت محذِّراً:

لا نستطيع كلنا أن نصبح خبراء في التكنولوجيا بين ليلة وضحاها

لدى صنَّاع القرار الأدوات اللازمة لتخفيف هذا التفاوت. وإذا استطاعت مراكز المدن وأماكن العمل أن تبرهن باستمرار على القدرة على إدارة مشكلة كوفيد، يمكن أن تكون أكثر جاذبية للحركة بتقديم تذاكر مدعومة في السكك الحديدية، على غرار مبادرة وزير المالية ريشي سوناك: "استخدم المطاعم لنخرج من الأزمة"، تشجيعاً لحركة السياحة. وإذا كنَّا بانتظار عملية تدمير خلَّاق طويلة الأجل؛ فإنَّنا نحتاج إلى التركيز على إعادة تدريب قوة العمل، وإعادة تقوية مهاراتها للحدِّ من المعاناة. ينبغي أن يكون هذا الأمر ضمن الأولويات. وقد قدَّر اتحاد الصناعات في بريطانيا أنَّ البلاد تحتاج إلى 130 مليار جنيه بريطاني (تعادل 181 مليار دولار) خلال العقد القادم لرفع مهارة العمال البالغين وإعادة تدريبهم.

إنَّ الرؤى المأساوية حول الجائحة عن مدن تتحوَّل إلى خراب لم تعد مطروحة. لكنَّنا مازلنا بعيدين جداً عن تحقيق رخاء ما بعد كوفيد. اقتصاد المملكة المتحدة الآن أصغر بنسبة 3.4% عن مستوى ما قبل الجائحة، وفقاً لتقديرات الخبير الاقتصادي لدى بنك "نومورا" جورج باكلي. كما أنَّ إغلاق هذه الفجوة قد يكون أصعب في تحقيقه مما كنَّا نتوقَّع. وقد يتضح أنَّ رفع القيود في النهاية سيكون المرحلة الأسهل.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان