رئيس هندوراس متهم بسرقة أموال من خزائن الحكومة، وتلقي رشاوى من مهربي المخدرات، بينما يشتهر رئيس غواتيمالا بإسناد العقود الحكومية لأصدقاء العائلة.
أما رئيس السلفادور، فقام بإغلاق وكالة مكافحة الفساد الممولة دولياً في البلاد، وتوسيع نطاق حصانة السياسيين لحمايتهم من الملاحقة القضائية.
مهمة شائكة
وبحسب إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، فإن "استئصال جذور" الفساد في أمريكا الوسطى يعد مفتاح استعادة الأمل والفرص في المنطقة، وإقناع مواطنيها بالبقاء في أوطانهم.
ومع ذلك، حتى تتمكن من تغيير الأمور فعلياً، فإن الولايات المتحدة بحاجة لمواجهة الأنظمة السياسية والاقتصادية التي تجبر مئات الآلاف على مغادرة أوطانهم، وليس معالجة آثار الفساد وحسب.
تعني هذه المهمة الشائكة مواجهة شركاء الولايات المتحدة الظاهريين، أي حكومات المنطقة، الذين يمثلون مشكلة، أكثر من كونهم حلاً.
خسائر فادحة
وفي هذا السياق، يتغلغل الفساد في أعماق أمريكا الوسطى، والذي يتراوح من الرشاوى الصغيرة الدائمة إلى عمليات الاحتيال العام الضخمة.
وعليه، لم تدخل أي دولة من دول المثلث الشمالي مثل السلفادور أو غواتيمالا أو هندوراس قائمة أفضل 100 دولة في مؤشر مدركات الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية.
يتسبب الفساد في هذه الدول في خسائر اقتصادية هائلة، حيث تخسر المنطقة 13 مليار دولار، أو أكثر من 5% من الناتج المحلي الإجمالي، كل عام.
التهرب الضريبي
وشأنها شأن زعمائها، لا تتحلى النخب الاقتصادية في أمريكا الوسطى بالحرص على إصلاح الأوضاع.
لقد ساهم تفضيل الحكومة، في إثراء الكثيرين، وأصبح عبء الضرائب منخفضاً، ويمكن التهرب منه بسهولة، وانخفصت الإيرادات الضريبية في جميع دول المثلث الشمالي الثلاثة عن متوسط عام 2019، البالغ 22.9% من الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
وفقاً لهذا المقياس، تحظى غواتيمالا بأقل عائدات ضريبية في المنطقة، بنسبة ضئيلة تبلغ 13.1%. وبدلاً من الضرائب، تتكفل التحويلات المالية التي تغذيها الهجرة، والتي تصل إلى حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي في السلفادور وهندوراس، بالعديد من الاحتياجات الأساسية.
دور الولايات المتحدة
إذن ما الذي يمكن أن تفعله حكومة الولايات المتحدة؟ كبداية، يمكنها التأكد من أن مساعداتها الخارجية لن تقع في أيدي الفاسدين.
ونحن نعلم الإجراءات الناجحة، فقد أظهر مزيج واسع من التنمية الاقتصادية ومنع العنف والبرامج التي تركز على الشباب نتائج واعدة في تغيير وقائع الحياة اليومية على الأرض وحسابات المهاجرين المحتملين.
لكن الأموال يجب أن تذهب إلى الأشخاص والمجتمعات المعرضة للخطر، وليس الحسابات المصرفية الخاصة بالمسؤولين السياسيين.
وبقدر الإمكان، يجب أن تذهب الأموال الأمريكية، مباشرة إلى المنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، وبعض مؤسسات القطاع الخاص التي ستستخدمها بشفافية.
تفكيك الأنظمة الفاسدة
ثانياً، تحتاج الولايات المتحدة إلى تكثيف الجهود لتفكيك الأنظمة الفاسدة نفسها. وهذا يعني تمويل هيئات التحقيق الدولية لمكافحة الفساد التي تتمتع بسجلٍ حافل في إحداث تغييرات حقيقية، والتي سعت حكومات المثلث الشمالي إلى تقويضها مراراً وتكراراً.
كما يجب أن تساعد الولايات المتحدة في إنشاء الهيئات الرقابية التي تشتد الحاجة إليها، بحيث تلزم الحكومات أو المنظمات، على سبيل المثال، بتعيين مستشارين فنيين، وتمكين المفتشين العامين في الوزارات التي تتلقى أموالاً من الولايات المتحدة.
التضييق على الفاسدين
للقانون الأمريكي اليد الطولى في هذ الصدد. وقد حان الوقت لاستخدامها في أمريكا الوسطى، والاستفادة من الأدوات القانونية المحلية والمحاكم لضمان تحقيق العدالة، حيث تتدفق الكثير من المكاسب غير المشروعة لأمريكا الوسطى من خلال النظام المالي الأمريكي أو يتم الاستمتاع بها على الأراضي الأمريكية حيث يأخذ الجناة إجازات، أو يشترون منازل أو يعلمون أطفالهم.
يجب ألا يجدوا مثل هذا المأوى في الولايات المتحدة، كما يجب إلغاء تأشيراتهم ومعاقبتهم.
إن إصدار قوائم مسؤولي المثلث الشمالي المشتبه في فسادهم- ما يسمى بـ "قوائم إنجل"، تيمناً براعيها التشريعي، عضو الكونجرس السابق، "إليوت إنجل"- يجب تصعيده والاستفادة منه للضغط الدبلوماسي.
وينبغي لـ "شبكة إنفاذ الجرائم المالية" التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية، أن توجه خبرتها في التعقب لرصد الشبكات غير المشروعة في أمريكا الوسطى.
وعلى وزارة العدل استغلال ولايتها القضائية من خلال قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، ومبادرة استرداد الأصول من "الكليبتوقراطية"، والأدوات الأخرى لإقامة الدعاوى ومقاضاة مرتكبي جرائم الفساد.
التدخل بقوة
من المؤكد أن التدخلات الأمريكية السابقة في أمريكا الوسطى كان لها جانب مظلم. وقد تساءل البعض في الكونجرس عما إذا كانت خطط هذه الإدارة لن تنتهي بإهدار المزيد من أموال دافعي الضرائب. لكن هذه الإجراءات التصعيدية لن تكون لصالح الحكومات القمعية والنخب الفاسدة.
وبدلاً من ذلك، ستكون لها القدرة على تسخير القوة الاقتصادية والقانونية للولايات المتحدة لدعم ملايين المواطنين الذين يريدون لأوطانهم أن تكون أكثر حرية وعدالة وازدهاراً.
إن رغبة هؤلاء المواطنين في التغيير قوية لدرجة جعلت عشرات الآلاف يخرجون إلى الشوارع مراراً وتكراراً، على الرغم من المخاطر التي يمكن أن تنتج عن التحدث علانية.
ومن ثم، تحتاج الولايات المتحدة إلى التدخل بقوة لتكون على الجانب الصائب من التاريخ.
ما الفائدة المضافة؟ سيشعر عدد أقل من سكان دول أمريكا الوسطى بأنهم مضطرون للقيام برحلة محفوفة بالمخاطر باتجاه الشمال.