
بلومبرغ
زيارة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز للقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ، من شأنها أن توفر فرصة لتبادل الآراء حول مشكلة مشتركة، وهي كيفية الرد على الولايات المتحدة التي لم تعد شريكاً يمكن الوثوق به كما في السابق.
سانشيز، الذي من المقرر أن يصل إلى بكين يوم الجمعة، سيكون أول زعيم أوروبي يزور الصين منذ أن فرض الرئيس دونالد ترمب الرسوم الجمركية على معظم دول العالم.
مع توقيع اتفاقيات مرتقبة في مجالات تشمل الأدوية والمنتجات الزراعية والطبية، يمكن لسانشيز أن يعتبر أن إسبانيا هي الشريك الأمثل للصين في أوروبا في ظل تزايد حالة عدم اليقين الاقتصادي. من جانبه، من غير المرجح أن يتجاهل شي تقديم حجج حول أن بكين هي حليف أكثر موثوقية لأوروبا من واشنطن في الوقت الحالي.
الصين تقدم نفسها كبديل موثوق لأوروبا
أصبحت هناك فرصة مناسبة لكل من الصين وإسبانيا للترويج لتعميق العلاقات بينهما في وقت تتعرض فيه علاقاتهما مع الولايات المتحدة لضغوط شديدة.
في إحاطة للصحفيين قبل وصوله إلى هانوي، قال سانشيز إن "الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى تغيير موقفه تجاه الصين، وموقف الصين تجاه أوروبا"، مشيراً إلى أن إسبانيا يمكنها أن تلعب دوراً في بناء تحالفات أكثر توازناً بين الجانبين. وأضاف أن الوضع مع الولايات المتحدة تحت قيادة ترمب يتطلب من الجميع التكيف والنظر في كيفية موازنة العلاقات التجارية.
قال سانشيز في فيتنام يوم الأربعاء: "حرب التجارة ليست في مصلحة أي طرف. لا أحد يفوز في حرب تجارية، وكل الدول تخسر، وخاصة العمال والفئة الوسطى".
في العام الماضي، انتقد سانشيز الرسوم الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على السيارات الكهربائية الصينية، ومنذ ذلك الحين، نجح في تأمين استثمارات بمليارات اليورو في إنتاج البطاريات والطاقة المتجددة ومصنع للسيارات الكهربائية. تبشر زيارته المرتقبة بفرص جديدة أو زيادة في الاستثمارات الصينية في نفس المجالات.
قال أحد الأشخاص المطلعين على الأوضاع في مدريد: "يَعتبر كل من الاتحاد الأوروبي وإسبانيا الصين شريكاً ومنافساً وخصماً في نفس الوقت. ومع ذلك، تركز إسبانيا بشكل أكبر على الصين كشريك"، وفقاً للشخص الذي طلب عدم ذكر اسمه نظراً لحساسية المسائل الدبلوماسية.
زيارة إسبانية في توقيت حساس
قالت كريستينا غالاش، نائبة سابقة لوزير الخارجية الإسباني ووكيلة الأمين العام للأمم المتحدة: "إحدى أفضل الطرق لمواجهة تهديد الرسوم الجمركية هي تعزيز جميع أنواع العلاقات، وفي التجارة، يمكن للصين أن تلعب دوراً كبيراً". وأضافت أن زيارة سانشيز للصين "تأتي في الوقت المناسب تماماً، وتُعد خطوة ذكية".
الزيارة ستكون الثالثة من نوعها التي يقوم بها سانشيز إلى الصين في عامين، ومن وجهة نظر الحكومة الإسبانية، فإن لقاء سانشيز ثلاث مرات مع شي دليل على أن بكين تعتبر إسبانيا شريكاً مهماً.
ما هي أهداف زيارة سانشيز إلى الصين؟
لكن وراء زيارة سانشيز للصين أهدافاً أكبر من مجرد توقيع اتفاقيات اقتصادية. إذ تتضمن استراتيجية دفع أوروبا لصياغة علاقة مع الصين تكون مستقلة عن علاقاتها مع الولايات المتحدة، وفقاً لشخص ثاني طلب أيضاً عدم ذكر اسمه للتحدث بحرية. وهذا يعني عدم الانصياع ببساطة لمطالب واشنطن بعزل الصين. كما أن نقطة مشابهة يبرزها مسؤولون صينيون، الذين يرون أي انتقادات أوروبية ضد بلادهم أنها نتيجة لضغوط أو توجيه من الولايات المتحدة.
في مقال رأي نشرته صحيفة "غلوبال تايمز" المدعومة من الدولة في 31 مارس، وصف تشاو جونجيه، الباحث البارز في معهد الدراسات الأوروبية لدى الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، زيارة سانشيز بأنها جزء من تغيير "عقلية" الاتحاد الأوروبي، يجب تشجيعه بعيداً عن إدارة ترمب والاتجاه نحو الصين.
أشار تشاو إلى أن "الفجوات المتزايدة مع الولايات المتحدة وتصاعد الصراعات التجارية وتراجع الثقة السياسية المتبادلة، كلها عوامل أحدثت قلقاً كبيراً بين صانعي القرار في الاتحاد الأوروبي"، وأضاف: "نتيجةً لذلك، أصبح الحفاظ على علاقات اقتصادية وثيقة مع الصين خياراً استراتيجياً للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، في ظل تدهور العلاقات عبر الأطلسي".
تحديات أمام سانشيز في صياغة سياسة أوروبية
من غير الواضح إلى أي مدى سيتمكن سانشيز، الإسباني البالغ من العمر 53 عاماً، من تشكيل سياسة الاتحاد الأوروبي. فقد أصبحت الآراء تُجاه الصين أكثر صرامة في معظم العواصم منذ جائحة كورونا، مع رفض شي إدانة الزعيم الروسي فلاديمير بوتين بسبب حرب موسكو على أوكرانيا، مما ألحق المزيد من الأضرار. انسحبت إيطاليا من مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها شي في أواخر 2023 بعد إخفاق المكاسب الاقتصادية المأمولة.
في حين يسعى سانشيز إلى تعزيز العلاقات التجارية مع الصين، حذر المستشار الألماني المقبل فريدريش ميرتس الشركات المحلية من زيادة استثماراتها في الصين.
سانشيز في كل الأحوال يُعتبر استثناءً في أوروبا. فهو واحد من قلة من قادة يسار الوسط في الاتحاد الأوروبي، وهي فئة تتضاءل بشكل متزايد وستصبح أصغر بمجرد أن يتنحى أولاف شولتس في ألمانيا. ويختلف سانشيز عن قادة معظم دول الاتحاد في أكثر من مجرد توجهاته السياسية.
تباين في السياسات حول الهجرة والدفاع
سانشيز مؤيد بشدة للهجرة في وقت يقوم فيه نظراؤه بتشديد الإجراءات على الحدود. كما أنه متأخر في الإنفاق الدفاعي، حيث لا يُعتبر تعزيز القوة العسكرية عامل جذب انتخابي في إسبانيا، مما يجعله يمتلك أصغر ميزانية دفاعية في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالنسبة لحجم الاقتصاد.
قالت كريستينا مونجي، أستاذة العلوم السياسية في جامعة كومبلوتنسي في مدريد، إن سانشيز "يسعى ليكون قائداً للديمقراطية الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين، مدافعاً عن دور الدولة كمحرك للاقتصاد، ومدافعاً عن المساواة والسياسات البيئية والتعددية".
ومع ذلك، قد يُنظر إلى تركيزه على التحول الأخضر في حين تعمل إدارة ترمب على تقويض الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ، كأنه يسبح عكس التيار السياسي. ومع ذلك، فإن هذا يُعد سبباً آخر يجعل الحكومة تعمل على تعزيز علاقتها مع الصين وتسعى لجذب المزيد من الاستثمارات، حسبما قال الشخص الأول.
استثمارات صينية حديثة في الطاقة والسيارات بإسبانيا
لقد أصبح هذا المجال بالفعل محورياً بالنسبة لإسبانيا، ففي ديسمبر فقط، افتتحت شركة "شيري" (Chery) الصينية لصناعة السيارات مصنعاً للسيارات الكهربائية بالقرب من برشلونة بالتعاون مع شركة محلية، وأعلنت شركة "تشاينا ثري جورجيس" (China Three Gorges) عن شرائها إحدى أكبر مزارع الطاقة الشمسية في إسبانيا، وقالت "كاتل"(CATL) أكبر شركة لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في العالم، إنها ستتعاون مع شركة "ستيلانتيس" (Stellantis) لبناء مصنع بقيمة 4.1 مليار يورو.
ترتكز سياسات سانشيز على الطاقة والتقنيات النظيفة، وهو ما يعادل تعزيز الأمن، وبالتالي فإن "زيارة الصين تتماشى مع مفهوم الاتحاد الأوروبي للاستقلال الاستراتيجي"، كما قالت مونجي.
على الرغم من قيادته لسلسلة من الائتلافات التي أصبحت أكثر هشاشة على مدى ما يقرب من سبع سنوات في السلطة، فقد حقق أسرع نمو اقتصادي بين جميع الاقتصادات الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، بفضل قوة الهجرة.
الصين وسيلة لتعزيز نفوذ إسبانيا في أفريقيا وأميركا اللاتينية
ترى مدريد أيضاً أن بناء العلاقات مع الصين وسيلة لزيادة نفوذها في أفريقيا وأميركا اللاتينية، وهما منطقتان شهدتا زيادة في تأثير بكين خلال السنوات الأخيرة. وتتزايد أهمية أفريقيا على وجه الخصوص بالنسبة لإسبانيا نتيجةً لتغير أنماط الهجرة، مع تزايد أعداد الأشخاص المتجهين إلى جزر الكناري، مما يزيد من التدفقات على طول الطريق المباشر عبر البحر المتوسط.
على عكس الحكومات الأوروبية الأخرى، سعى سانشيز إلى إنشاء برامج قانونية لتمكين وصول العمال الأجانب، مما أدى إلى صدامات مع المعارضة. ومع ذلك، فإن السياسة تجاه الصين تحظى بتوافق واسع النطاق بين مختلف الأطياف السياسية في إسبانيا.
قال ماريو إستيبان، رئيس مركز أبحاث شرق آسيا في "جامعة مدريد المستقلة": "هذا أمر مثير للاهتمام للغاية بالنسبة لبكين"، وأضاف: "هذا يسمح للصين برؤية إسبانيا شريكاً مستقراً على المدى المتوسط وأحد اللاعبين الرئيسيين في الاتحاد الأوروبي. هذه الشراكة توفر فرصاً للصين في علاقتها مع إسبانيا".