
بلومبرغ
يرى بعض أثرى أغنياء العالم، أن الفوضى التي تشهدها الأسواق العالمية عززت الحاجة الملحة بصورة أكبر لتحويل شركاتهم الكبرى في المحافظ الاستثمارية إلى شركات خاصة.
مع هبوط أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم يوم الاثنين، أعلنت شركة الاستثمار التابعة للملياردير ناتي كيرش، المولود في جنوب أفريقيا، عن تحالفها مع شركة "بابليك ستورج" (Public Storage) المدرجة في الولايات المتحدة الأميركية لتنفيذ صفقة خصخصة لشركة "أباكوس ستورج كينغ" (Abacus Storage King).
يُعد كيرش أكبر مساهم في مجموعة التخزين الشخصي الأسترالية، والتي يُقدر العرض المقدم لها قيمتها بنحو 1.9 مليار دولار أسترالي (1.1 مليار دولار أميركي). يُظهر مؤشر بلومبرغ للمليارديرات أن ثروة رجل الأعمال البالغ من العمر 93 عاماً بلغت 9.2 مليار دولار حتى الاثنين.
عروض خصخصة الشركات
كان آخرون قد بدأوا تنفيذ خطوات مشابهة حتى قبل الانهيار الذي أوقت شرارته الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة. أعلنت عائلة ميرسك الدنماركية، المالكة لإمبراطورية الشحن، الأسبوع الماضي، عن نيتها شراء جميع الأسهم التي لا تملكها بالفعل في شركة تشغيل القاطرات البحرية "سفيدزر غروب" (Svitzer Group)، في صفقة تُقدر قيمة الشركة بنحو 9 مليارات كرونة دنماركية (1.3 مليار دولار أميركي).
في أواخر مارس الماضي، وافق أولوف هالراب، رئيس مجلس إدارة شركة البرمجيات المحاسبية السويدية "فورتنوكس" (Fortnox)، على التحالف مع شركة "إي كيو تي" لتقديم عرض خصخصة بقيمة 4.5 مليار دولار أميركي.
قال إدوارد فريمان، الشريك في شركة المحاماة "فريشفيلدز" (Freshfields) في هونغ كونغ: "الأسعار المنخفضة نسبياً لأسهم الشركات خلقت فرصة شراء جذابة، خصوصاً للشركات التي ما يزال مسار تعافي أسعار أسهمها غير واضح".
مع بلوغ تقلبات تداول الأسهم مستويات لم تُسجل منذ الأيام الأولى لوباء كوفيد، يرى نايجل غرين، الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات المالية "دي فير غروب" (deVere Group)، أن المستثمرين الأذكياء ذوي النظرة بعيدة المدى هم الأفضل استعداداً لتجاوز هذه الأزمة.
كتب غرين في مذكرة للعملاء: "هذا ليس وقت البقاء متفرجاً بالتأكيد. أولئك الذين يستمرون في الاستثمار، ويتصرفون بذكاء وبشكل استراتيجي في أوقات مثل هذه هم دائماً من يحصدون أكبر المكاسب".
رغم ذلك، فإن بعض الأسر الثرية مثل عائلة أنييلي في إيطاليا، والعائلة المؤسسة لشركة "ليغو"، قامتا مؤخراً بجني الأرباح من بعض أصولهما المدرجة في البورصة من خلال عمليات بيع نادرة.
تقلبات الأسواق
رغم الجهود التي يبذلها الكثير من الأثرياء لتنويع أصولهم، إلا أنهم ليسوا بمنأى عن تقلبات السوق. فقد تكبد أغنى 500 شخص في العالم أكبر خسارة خلال 3 أيام على الإطلاق وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات.
قال إدوارد فريمان، الشريك في شركة "فريشفيلدز": "من الصعب في كثير من الأحيان تسعير عملية خصخصة بشكل ناجح بناء على تراجع مؤقت في سعر السهم، لكن عندما يكون هناك عامل طويل الأجل يضغط على السعر، فإن المساهمين المسيطرين أو المؤسسين - الذين يملكون رأس المال أو لديهم القدرة على جمعه- يكونون غالباً في موقف مثالي لاغتنام الفرصة وخصخصة الشركة وإجراء التغييرات الضرورية".
في حين تهاوت مؤشرات الأسهم في آسيا يوم الإثنين -بما في ذلك أسوأ أداء يسجله المؤشر القياسي في أستراليا منذ مايو 2020- إلا أن خبر صفقة "أباكوس ستورج" دفع سهم الشركة في الاتجاه المعاكس تماماً، ليسجل ارتفاعاً قياسياً بنسبة 21%. على نطاق أوسع، بدأت الأسواق تعوض بعض خسائرها الفادحة بوقت مبكر من الثلاثاء.
تسعير جذاب للأسهم
كتب برايان فريتاس، مؤسس شركة "بيريسكوب أناليتكس" (Periscope Analytics) والذي ينشر تحليلاته على منصة "سمارت كارما" (Smartkarma)، في مذكرة للعملاء حول صفقة "أباكوس ستورج": "في ظل الوضع الحالي للأسواق، فإن العرض يُعتبر جذاباً".
تتركز غالبية ثروة كيرش في شركة "جترو هولدينغز" (Jetro Holdings)، وهي شركة مقرها نيويورك وتدير اثنين من شركات بيع المواد الغذائية بالجملة في الولايات المتحدة الأميركية. وُلد كيرش في مدينة بوتشيفستروم بجنوب أفريقيا، وبدأ أول مشروع تجاري له في دولة سوازيلاند المجاورة -المعروفة حالياً باسم إسواتيني- عندما كان في السادسة والعشرين من عمره. توسع لاحقاً في قطاع العقارات خلال الثمانينيات، لكنه خسر جزءاً كبيراً من ثروته في أزمة اقتصادية، محتفظاً فقط بشركة "جترو".
في أوروبا، عرضت عائلة ميرسك المليارديرة خصخصة شركة "سفيدزر" بعد عام واحد فقط من إدراجها في بورصة كوبنهاغن. تُعد شركة الخدمات البحرية الدنماركية جزءاً من "ميرسك غروب" منذ أكثر من 40 عاماً، بعد أن أصبحت العائلة المساهم الأكبر فيها خلال 1979.
قالت الوحدة الاستثمارية للعائلة إن الإدراج لم يحقق حجم الاهتمام الذي كان متوقعاً. انخفض سهم "سفيدزر" بما يقارب 8% منذ الإدراج خلال 2024 وحتى الأول من أبريل الحالي، لكنه قفز 30% في يوم الإعلان عن عرض الخصخصة.
الجودة والمرونة
ربما يشكل التراجع في الأسواق اختباراً حقيقياً لمدى استعداد المستثمرين الأثرياء للمضي قدماً في صفقات الخصخصة التي تم الترتيب لها قبل التقلبات الأخيرة.
ففي 10 مارس الماضي، أطلقت عائلة "موريرا سالس" البرازيلية عرضاً رسمياً للاستحواذ على شركة التغليف الفرنسية "فيراليا" (Verallia)، في خطوة تهدف إلى مساعدة أحد استثماراتها الرئيسية على التعامل بشكل أفضل مع التوترات التجارية. بالمثل، أعلنت عائلة "ويدياجا" الإندونيسية فائقة الثراء في 27 مارس المنصرم عن عرض للاستحواذ على الأسهم التي لا تملكها بعد في شركة "سينارماس لاند" (Sinarmas Land) المدرجة في سنغافورة، في صفقة تُقدر قيمة شركة العقارات بنحو 1.32 مليار دولار سنغافوري (978 مليون دولار أميركي).
في حين لم يطرأ تغيّر يُذكر على سعر سهم "سينارماس لاند" منذ أواخر مارس الماضي، فإن سهم "فيراليا" قد تراجع بأكثر من 10% منذ أن أطلقت عائلة موريرا سالس عرضها للاستحواذ على شركة تصنيع زجاجات التعبئة. تُعد هذه العائلة اللاتينية، التي تملك أصولاً كبيرة في قطاعي التعدين والخدمات المالية، من بين الأثرياء البارزين في المنطقة، وتُقدَر ثروتها الصافية بنحو 23 مليار دولار، وفق مؤشر بلومبرغ للمليارديرات.
أوضح غرين من "دي فير غروب": "نحن مقبلون على فترة ستكون الجودة والتنوع والمرونة هي العناصر الحاسمة للنجاح. الأمر لا يتعلق بالبقاء في حالة جمود بسبب الخوف، بل بتوجيه المحافظ الاستثمارية بذكاء نحو مواطن القوة".