
قبل عودته الثانية إلى البيت الأبيض، لم يتوان الرئيس دونالد ترمب عن التهديد بفرض رسوم جمركية مختلفة على الحلفاء والخصوم، وسط تركيز أكبر على أقرب الحلفاء وتحديداً كندا والمكسيك.
ومن حديقة الورود في البيت الأبيض، لن يُقدم الرئيس الأميركي في الثاني من أبريل على تقديم زهور، بل سيكشف النقاب عن تفاصيل هذه الرسوم المتبادلة، في ما يصفه بـ"يوم التحرير".
حتى كتابة هذه السطور، لا تزال الكثير من التفاصيل مجهولة بشأن هذه التعريفات، خصوصاً حجمها وأي قطاعات تستهدف، وما إذا كانت ستشمل جميع الدول أم بعضها، في وقت تتخبط التصريحات الرسمية بشأنها.
هل هناك دول مستثناة؟
تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري إجمالي، مما يعني أنها تستورد من دول أخرى أكثر مما تستورده تلك الدول من الولايات المتحدة. ويرى ترمب أن هذا الخلل غير عادل في جوهره، ويحاول "إصلاح" هذا الخلل من خلال فرض الرسوم الجمركية المتبادلة.
ترمب صرح مراراً أنه لا يريد الكثير من الاستثناءات في فرض الرسوم المتبادلة. ثم عاد وأكد أنها ستشمل جميع الدول، ولكنها ستكون "متساهلة جداً" من دون أن يكشف عن النسب. السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارولين ليفيت، رفضت أيضاً تقديم تفاصيل، مؤكدة أنه "لا توجد استثناءات في الوقت الحالي".
أما مستشاره الاقتصادي بيتر نافارو فتوقع أن تدر عائدات تصل إلى 600 مليار دولار سنوياً، وهو رقم أعلى بستة أضعاف من الإيرادات المتوقعة من الرسوم على واردات السيارات، والتي حُددت نسبتها عند 25%.
وزير الخزانة سكوت بيسنت أطلق مصطلحاً جديداً باسم "القائمة القذرة 15"، في إشارة إلى نسبة من اقتصادات العالم التي تفرض حواجز جمركية وغيرها من الحواجز، وتمثل مجتمعةً "كمية هائلة من حجم تجارتنا".
ما هي هذه القائمة؟
لم يعلن وزير الخزانة عن أسماء هذه الدول تاركاً الأمر للتخمينات والتحليلات. إلا أن تقريراً لـ"بلومبرغ إيكونوميكس" يُظهر أن 15 شريكاً تجارياً للولايات المتحدة، تسعة منهم في آسيا، يمثلون معاً أكثر من 75% من إجمالي واردات الولايات المتحدة.
هذه الدول وردت أيضاً في طلب مكتب الممثل التجاري الأميركي للحصول على تعليقات عامة حول خطط التعريفات الجمركية المتبادلة.
قائمة "بلومبرغ" والتي قد لا تكون القائمة النهائية، تشمل: الصين، المكسيك، فيتنام، ايرلندا، ألمانيا، تايوان، اليابان، كوريا الجنوبية، كندا، الهند، تايلندا، إيطاليا، سويسرا، ماليزيا، وإندونيسيا.
ما الذي يستهدفه ترمب؟
سلطت الإدارة الأميركية الضوء على 3 ممارسات تجارية ترى ضرورة أخذها بالاعتبار عند تحديد التعريفات الجمركية الخاصة بكل بلد.
فروق معدلات التعريفة الجمركية أول هذه الممارسات، إذ لطالما أشار ترمب إلى أن المصدرين الأميركيين يواجهون رسوماً أعلى في الخارج، من تلك التي تواجه البضائع الأجنبية عند دخولها أسواق الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الإدارة الأميركية تركز أيضاً على التدابير غير الجمركية، وهي سياسات إدارية تزيد من تكاليف المصدرين بما في ذلك القواعد الفنية مثل المعايير الصحية، بالإضافة إلى الحصص والتزامات الترخيص.
الضريبة على القيمة المضافة من الأمور التي تستهدفها أيضاً الإدارة الأميركية. وسبق أن صرح ترمب أنه سيعامل الضرائب على القيمة المضافة، كما لو أنها رسوم جمركية.
هل هذه الرسوم الأخيرة؟
تشير التصريحات الواردة من الإدارة الأميركية إلى أن الرسوم المتبادلة لن تكون الأخيرة، إذ يخطط الرئيس إلى الإعلان عن رسوم "قطاعية" بحيث تستهدف قطاعات محددة ودولاً بعينها.
سبق أن هدد ترمب بفرض رسوم على واردات الأدوية والأخشاب، كما هدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الاتحاد الأوروبي. وبحسب التصريحات الأميركية، فإن الرسوم القطاعية قد لا يتم فرضها في الثاني من أبريل.
ما هدف الرسوم المتبادلة؟
يدرك الحلفاء والخصوم أن تهديدات ترمب على الرغم من جديتها، إلا أنها ليست نهائية، بل قد تشكل مدخلاً للتفاوض.
لم ينكر ترمب هذا الأمر، إذ سبق وصرح بأنه يتوقع التوصل إلى اتفاقات مع بعض الدول المستهدفة من الرسوم، ولكنه استبعد إتمام الاتفاق قبل دخول الرسوم الجديدة حيز التنفيذ.
وبالفعل، بدأ مسؤولون من العديد من الدول بالتفاوض مع الولايات المتحدة بهدف التوصل إلى إعفاء من الرسوم الأميركية.
وخلال الأسبوع الماضي، التقى كبير مسؤولي التجارة في الاتحاد الأوروبي ماروس سفكوفيتش مع وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك والممثل التجاري جاميسون غرير في الولايات المتحدة، كما تسعى حكومة الهند إلى الحصول على إعفاء من خلال التفاوض مع وفد أميركي وصل إلى البلاد لعقد محادثات بشأن اتفاقية تجارة ثنائية.
تدرس حكومة المملكة المتحدة خططاً لخفض ضريبة الخدمات الرقمية، أو حتى إلغائها، قبل الثاني من أبريل. كما أجرى رئيس الوزراء كير ستارمر وترمب اتصالاً وُصف بأنه "مثمر"، بحثا خلاله "اتفاقاً للازدهار الاقتصادي".
وفي غضون ذلك، تخطط ماليزيا لتشديد القيود على تدفق رقائق "إنفيديا"، بعد أن طالبتها الولايات المتحدة بتشديد الرقابة على أشباه الموصلات المتطورة، التي يُحتمل أن تجد طريقها إلى الصين، بحسب تصريحات وزير التجارة الماليزي التي نقلتها صحيفة "فاينانشيال تايمز".
كيف تستفيد الولايات المتحدة؟
خلال جلسة تأكيد تعيينه وزيراً للخزانة في أوائل يناير، قدّم بيسنت لمحةً عن الطرق الثلاث التي سيستخدم بها ترمب الرسوم الجمركية.
وأشار إلى أن الرسوم تستهدف معالجة الممارسات التجارية غير العادلة، كما أنها ستنعش الصناعة الأميركية، وستوفر إيرادات إضافية للميزانية الفيدرالية، تُمكّن الرئيس من تأمين تمويل إضافي للتخفيضات الضريبية التي يخطط لإقرارها.
تحدث ترمب عن استخدام الرسوم الجمركية لإنعاش التصنيع ومنع الولايات المتحدة من "التعرض للخداع" من قِبل الدول الأخرى بسبب اختلالات الميزان التجاري.
كما طرح فكرة استخدام مزيج من الرسوم الجمركية والحوافز، مثل الموافقة السريعة على التصاريح، لإغراء الشركات ببناء منشآتها في الولايات المتحدة.
ما تأثيرات هذه الرسوم؟
أدى غياب التفاصيل بشأن الرسوم إلى حالة عدم يقين في الأسواق العالمية. ونظراً لذلك، فمن الصعب تقدير التأثيرات على الدول المستهدفة.
يمكن فرض التعريفات المتبادلة من خلال عدة طرق، إذ قد تشمل منتجات محددة، أو قطاعات بأكملها، أو كتعريفة جمركية متوسطة على البضائع الواردة من دولة معينة.
وقد أشار وزير الخزانة مؤخراً إلى أنه من المرجح تطبيق التعريفة الجمركية المتوسطة، قائلاً إن هناك حوالي 15 دولة تحت المجهر، وإن كل دولة "ستحصل على رقم نعتقد أنه يمثل تعريفاتها الجمركية".
من المرجح أن تكون الأسواق الناشئة الأكثر تضرراً، إذا فرضت الولايات المتحدة رسوماً مماثلة لتلك المفروضة على السلع الأميركية. وتشير حسابات "بلومبرغ إيكونوميكس" إلى أن الهند والأرجنتين ومعظم دول أفريقيا وجنوب شرق آسيا ستكون الأكثر تأثراً.
غير أن جزءاً كبيراً من العالم قد يتأثر، مع توسّع إدارة ترمب في تعريف ما تعتبره "عدالة تجارية"، قد تغيّر النظام التجاري الذي كان سائداً على مدار عقود مضت.