
الشرق
في مسعى لاحتواء ارتفاع أسعار الأراضي والإيجارات وتحقيق التوازن في القطاع العقاري بالعاصمة السعودية الرياض، وجّه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باتخاذ حزمة من الإجراءات التنظيمية تشمل رفع الإيقاف عن تطوير أكثر من 81 كيلومتراً مربعاً من الأراضي في شمال الرياض، وتوفير عشرات الآلاف من القطع السكنية سنوياً بأسعار ميسّرة للمواطنين.
ووفقاً لما أوردته وكالة الأنباء السعودية، تأتي هذه التوجيهات بناء على دراسة أجرتها الهيئة الملكية لمدينة الرياض بالتنسيق مع مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وذلك في ضوء النمو الملحوظ الذي شهدته أسعار الأراضي والإيجارات خلال السنوات الماضية. وتشمل الإجراءات:
- رفع الإيقاف عن البيع والشراء والتطوير في 4 مناطق رئيسية شمال الرياض، بمساحة إجمالية تبلغ 81.48 كيلومتراً مربعاً.
- توفير ما يصل إلى 40 ألف قطعة أرض سنوياً للمواطنين خلال الأعوام الخمسة المقبلة، بسعر لا يتجاوز 1500 ريال للمتر المربع.
- الأراضي ستُخصص للمتزوجين أو من تجاوزت أعمارهم 25 سنة ممن لا يملكون عقارات سابقاً، مع قيود تمنع التصرف فيها لمدة 10 سنوات باستثناء الرهن بغرض البناء.
- تعديلات مرتقبة خلال 60 يوماً على نظام رسوم الأراضي البيضاء، بهدف تحفيز العرض العقاري.
- إجراءات لضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر خلال مهلة أقصاها 90 يوماً، لضمان التوازن بين مصالح الطرفين.
شملت التوجيهات رفع الإيقاف عن التصرف بالبيع والشراء والتقسيم والتجزئة، وإصدار رخص البناء واعتماد المخططات لقطعتين من الأراضي شمال مدينة الرياض، الأولى بمساحة 17 كيلومتراً مربعاً، والثانية شمال طريق الملك سلمان بمساحة 16.2 كيلومتراً مربعاً، إضافة إلى منطقتين سبق رفع الإيقاف عنهما مؤخراً بمساحة إجمالية بلغت 48.28 كيلومتراً مربعاً، ليصل بذلك إجمالي المساحة المرفوع عنها الإيقاف في الرياض إلى 81.48 كيلومتراً مربعاً.
وزير البلديات والإسكان: مراجعة شاملة لنظام الإيجار
كشف وزير البلديات والإسكان السعودي ماجد الحقيل في تصريحات لـ"الإخبارية" أنه "بموجب الإجراءات المعلن عنها، سيتم ضخ أراضٍ شمال الرياض بمعدل 10 آلاف إلى 40 ألف قطعة سنوياً، لضمان توازن العرض والطلب في السوق، مضيفاً أنه تم تفعيل أكثر من 81 مليون متر مربع من الأراضي في الرياض ويجري تعديل برنامج الأراضي البيضاء لتحفيز أصحابها على سرعة التطوير أو دفع الرسوم. وألمح إلى أن نظام الإيجار يشهد مراجعة شاملة تشمل العلاقة التعاقدية وعناصر تنظيمية إضافية، والتعديلات ستُقدَّم خلال 90 يوماً".
استعادة توازن أسعار العقارات في الرياض
"توفير عشرات الآلاف من قطع الأراضي سنوياً للمواطنين بسعر 1500 ريال للمتر المربع، يوفر بديلاً بالسوق سيؤدي إلى حدوث توازن كبير في أسعار الأراضي بالأشهر المقبلة خاصة في مدينة الرياض التي تخطت فيها الأسعار حاجز الـ10 آلاف ريال للمتر المربع" وفق ما أفاد لـ"الشرق" عبدالحميد العمري الباحث في الشأن العقاري السعودي.
العمري أضاف أن المساحة الإجمالية للأراضي التي رُفع الإيقاف عنها "تُعادل مساحة مدن كاملة خارج المملكة"، ما يعني أنه سيتم ضخ مساحات هائلة في المعروض بالسوق وهو ما "سيحرك الجمود الموجود حالياً بسوق العقارات في الرياض التي تمثل 45% من عوامل الجذب في السعودية".
ويرى العمري أن ضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر -وفي الوقت نفسه إجراء تعديلات على نظام رسوم الأراضي البيضاء- لن يعمل فقط على ضمان التوازن بين مصالح الطرفين، بل سينعكس إيجاباً على ملاك الأراضي وسيرفع من مستويات المعيشة لأنها قرارات تمس الأسر، مشيراً إلى أن هذه التوجيهات ستعمل على تشجيع القطاع الخاص والملاك على استغلال العقارات وتطويرها.
من جانبه، توقع إبراهيم الصحن العضو المنتدب لشركة مهير العقارية أن تنعكس آثار الإجراءات المعلن عنها على أسعار الأماكن القريبة من المناطق التي تعتزم الهيئة الملكية لمدينة الرياض طرح الأراضي بها للتطوير، ورجح في حديث لـ"الشرق" أن تشهد باقي المناطق الاستراتيجية الرئيسية -المطورة بالفعل- في الرياض تأثيراً بسيطاً لا يذكر لأنها لا تتوافر بها ملكيات عامة للدولة تستطيع ضخ أراضٍ جديدة فيها، وفق رؤيته.
وعن المناطق القريبة من الأماكن التي ستتطرح بها الدولة الأراضي الجديدة، ألمح العضو المنتدب لشركة مهير العقارية إلى أن طرح هذه الأراضي سيعمل على تنشيط العرض والطلب في الأجل القصير، ولكن على المدى البعيد، فالأمر يتوقف على "سرعة استصدار الموافقات والتصاريح".
ولفت الصحن إلى أن الأسعار والإيجارات قد تتأثر "بعد جهوزية وتطوير المخزون الجديد من الأراضي الذي تم توفيره بسعر 1500 ريال للمتر المربع". ولفت إلى أن الإيجار يتم النظر إليه من منظور "العائد"، وبالتالي "فهو يتوقف على كلفة الأرض والبناء والترفيق والتطوير، وبالتالي مع دخول معروض في السوق بأسعار منطقية ومنخفضة، سيتراجع الإيجار، وخاصة في المناطق القريبة من القطع المنتظر تقديمها للسوق".
العقارات في "رؤية السعودية 2030"
أطلقت السعودية مشاريع عقارية وبنية تحتية بقيمة 1.3 تريليون دولار خلال الأعوام الثمانية الماضية، كجزء من خطتها لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط وجعل المملكة وجهة أكثر جذباً للعيش والعمل والسياحة.
وبلغت مساهمة القطاع العقاري في الناتج المحلي الإجمالي السعودي 14% خلال 2024، وفقاً لتصريحات المشرف العام على برنامج الإسكان المهندس عبدالله بن سعود الحماد، خلال افتتاح معرض "ريستاتكس الرياض العقاري 2025". الحماد أشار أيضاً إلى أن قطاعي التشييد والبناء، والأنشطة العقارية، ساهما بأكثر من 16% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام ذاته.
تهدف "رؤية 2030" إلى تسليم أكثر من 660 ألف وحدة سكنية، وأكثر من 320 ألف غرفة فندقية، ويُتوقع أن تصل قيمة المشاريع بكافة القطاعات إلى 181.5 مليار دولار، بحسب تقرير سابق لـ"نايت فرانك"، وهو ما يحمس الشركات الأجنبية على القدوم إلى المملكة للحصول على حصة من هذه المشاريع.
تخطط وزارة الإسكان السعودية لطرح أكثر من 20 ألف وحدة سكنية للمواطنين المستحقين للدعم خلال العام الحالي، وفقاً لما صرح به وزير البلديات والإسكان ماجد الحقيل مطلع يناير.
وفق الهيئة العامة للعقار في السعودية، فإن عدد المستفيدين من برامج الدعم السكني سجل نمواً بنسبة 20% خلال 2024 بعد توفير 11 حلاً تمويلياً للمستفيدين، حيث انتقلت 93 ألف أسرة بالفعل إلى منازل تمتلكها ضمن برنامج "سكني" الذي ترعاه وزارة الإسكان، كما تملكت 21 ألف أسرة مسكنها ضمن برنامج آخر هو "الإسكان التنموي".
أسعار العقارات في الرياض
ومع تزايد الفجوة بين أسعار الوحدات السكنية وقدرة الأفراد على تحمل التكاليف، يتطلع ثلث السعوديين والمقيمين في السعودية لشراء منزل في 2025، بحسب تقرير جديد لـ"نايت فرانك". وبحسب "نايت فرانك"، لم يكن نمو الدخل مواكباً لمستوى التضخم في أسعار العقارات. ففي الرياض مثلاً، التي سجلت أعلى معدل نمو في الدخل على مستوى المناطق، ارتفع متوسط الدخل الشهري المتاح للإنفاق بنسبة 62.4% مقارنة بمستويات عام 2018 ليصل إلى نحو 26 ألف ريال سعودي، بينما ارتفعت أسعار الشقق بنسبة 67% خلال نفس الفترة.
شهدت إيجارات المكاتب في العاصمة السعودية الرياض ارتفاعاً بنسبة 18% بنهاية العام الماضي، مدفوعة بالطلب القوي مع نقص المساحات المتاحة للتأجير، بحسب أحدث تقرير عن سوق العقارات في المملكة صادر عن شركة (CBRE) الشرق الأوسط.