
بلومبرغ
الرسوم الجمركية التي يُخطط الرئيس الأميركي دونالد ترمب لفرضها على واردات السيارات ستُلحق الضرر بصانعي السيارات حول العالم، كما ستؤدي إلى رفع الأسعار على المستهلكين في الولايات المتحدة. ومن بين الخاسرين الكثيرين، يبرز فائز واحد: شركة "تسلا" التي يملكها إيلون ماسك.
تمتلك شركة السيارات الكهربائية مصانع ضخمة في ولايتي كاليفورنيا وتكساس تنتج جميع السيارات التي تبيعها داخل الولايات المتحدة، ما يجعلها محصنة بدرجة أكبر من الرسوم الجمركية الجديدة التي يعتزم ترمب فرضها على واردات السيارات والمكونات الأساسية. أما المنافسون الرئيسيون، بدءاً من شركة "هيونداي" (.Hyundai Motor Co) الكورية الجنوبية، مروراً بـ"فولكس واجن" (Volkswagen AG) الألمانية، ووصولاً إلى شركة "جنرال موتورز" (.General Motors Co) الأميركية، فستواجه قريباً ارتفاعاً حاداً في التكاليف.
قال سام فيوراني، نائب رئيس التوقعات العالمية للسيارات في شركة "أوتو فوركاست سوليوشنز" (AutoForecast Solutions)، في مقابلة هاتفية: "هناك عدد قليل جداً من الرابحين. المستهلكون سيكونون من الخاسرين لأن خياراتهم ستنخفض، والأسعار سترتفع".
تسلا الأقل تعرضاً لرسوم ترمب
أشار المحلل لدى شركة "سي إف آر إيه ريسيرتش" (CFRA Research) غاريت نيلسون في تحليل نُشر هذا الأسبوع إلى أن "تسلا" تُعد "الأقل تعرضاً" للرسوم الجديدة؛ بفضل عمليات التصنيع المحلية. تفاخرت "تسلا" نفسها هذا الأسبوع بجذورها الأميركية، قائلةً في منشور على منصة "إكس" إن طرازاتها "هي السيارات الأكثر تصنيعاً داخل أميركا".
أما شركة "فورد" (.Ford Motor Co) فقد تكون أقل تضرراً من بعض المنافسين، إذ إن نحو 80% من السيارات التي تبيعها في السوق الأميركية يتم تصنيعها محلياً.
اعتباراً من الأسبوع المقبل، ستُطبق رسوم جمركية جديدة بنسبة 25% على جميع سيارات الركاب والشاحنات الخفيفة المستوردة، بالإضافة إلى مُكونات أساسية مثل المحركات وعلب التروس والأجزاء الكهربائية، وذلك فوق أي رسوم سارية بالفعل. ولن تُطبق هذه الرسوم سوى على الأجزاء والمركبات المستوردة من خارج الولايات المتحدة بموجب اتفاقية التجارة الحرة مع كندا والمكسيك.
من شأن ذلك أن يُخفف الضرر على المركبات التي تمر سلاسل إمدادها بمسارات معقدة عبر أنحاء القارة. كما أن الرسوم المفروضة على الأجزاء المستوردة من كندا والمكسيك، والتي تمتثل لاتفاقية التجارة الحرة، لن تدخل حيّز التنفيذ قبل أن تضع الولايات المتحدة آلية لتحصيل تلك الرسوم. وقد تستغل الدولتان الجارتان هذه المهلة لمحاولة منع التنفيذ الكامل، حتى وإن كانت احتمالات النجاح ضئيلة.
مع ذلك، تُعد هذه الخطوة هجوماً مباشراً على اتفاقية التجارة الحرة في القارة، والتي أعاد ترمب التفاوض بشأنها خلال ولايته الأولى، وأسفرت عن قيام سلسلة إمداد متكاملة تربط بين مختلف أنحاء أميركا الشمالية. رئيس الوزراء الكندي مارك كارني وصف الرسوم بأنها "هجوم مباشر".
العلامات التجارية الأجنبية الأكثر تعرضاً للرسوم
العلامات التجارية الأجنبية التي تعتمد بشكل كبير على المركبات المستوردة ستكون الأكثر تعرضاً للضغوط. تواجه "هيونداي" الكورية الجنوبية مخاطر كبيرة، رغم أنها والشركة التابعة "كيا" تمتلكان مصانع في ولايتي ألاباما وجورجيا، وأعلنتا هذا الأسبوع عن خطة توسعية في الولايات المتحدة بقيمة 21 مليار دولار. غير أنها استوردت في العام الماضي أكثر من مليون مركبة إلى الولايات المتحدة، ما يمثل أكثر من نصف مبيعاتها في البلاد، وفقاً لبيانات شركة "غلوبال داتا" (Global Data).
قالت "هيونداي" في بيان: "نواصل التزامنا بالنمو طويل الأمد لصناعة السيارات في الولايات المتحدة من خلال الإنتاج المحلي والابتكار"، مشيرةً إلى أنها يعمل لديها 570 ألف شخص في أميركا.
قد تُضطر شركتا "هيونداي" و"كيا" إلى دفع ما يصل إلى 10 تريليونات وون (7 مليارات دولار) سنوياً كرسوم جمركية إلى الولايات المتحدة إذا ما تم تنفيذ رسوم الـ25%، وفقاً للمحلل هيُك جين يون من شركة "إس كيه سيكيوريتيز" (.SK Securities Co) في سيؤول. ويعادل هذا الرقم نحو 40% من إجمالي الأرباح التشغيلية التي حققتها شركتا صناعة السيارات في عام 2024.
على الرغم من امتلاك شركة "تويوتا" (.Toyota Motor Corp)، أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم، أربعة مصانع لتجميع السيارات في ولايات كنتاكي وإنديانا وميسيسيبي وتكساس، إلى جانب مصانع للمحركات في فيرجينيا الغربية وألاباما، فإنها تستورد نحو نصف ما تبيعه في السوق الأميركية. ذكر ممثل عن الشركة أن عمليات "تويوتا" في المكسيك متوافقة بنسبة 100% مع اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (USMCA).
وفقاً لتحليل أعده محللون لدى "غولدمان ساكس اليابان" (Goldman Sachs Japan) بقيادة كوتا يوزاوا، فإن الرسوم الجمركية قد تخفض الأرباح التشغيلية المتوقعة لشركة "تويوتا" في السنة المالية 2026 بنسبة 6%. أما "نيسان" (.Nissan Motor Co)، التي تواجه تحديات متواصلة، فمن المرجح أن تكون الأكثر تضرراً بين شركات صناعة السيارات اليابانية الكبرى، مع احتمال تراجع أرباحها التشغيلية بنسبة تصل إلى 56%.
تضرر شركات السيارات الكبرى
قال متحدث باسم شركة "سوبارو" (.Subaru Corp) يوم الخميس إن الشركة تدرس كيفية تقليص أثر الرسوم، من دون التطرق إلى إجراءات محددة. وتشير مذكرة "غولدمان ساكس" إلى احتمال تراجع أرباح "سوبارو" التشغيلية في 2026 بنسبة 23%.
لم تسلم شركات ديترويت الكبرى من الأثر السلبي. فشركة "جنرال موتورز" تستورد بعض شاحنات "شيفروليه سيلفرادو" من مصانع في المكسيك وكندا، وطراز "شيفي تراكس" الرياضي المدمج من كوريا الجنوبية، إلى جانب طراز العائلة "شيفروليه إكوينوكس" متعدد الاستخدامات. وقد باعت الشركة في العام الماضي أكثر من 200 ألف وحدة من طرازي "إكوينوكس" و"تراكس"، وهما من أرخص السيارات التي تنتجها. كما تقوم الشركة بتصنيع نسخ كهربائية من طرازي "إكوينوكس" و"بليزر" في المكسيك.
أما شركة "ستيلانتس" (Stellantis NV)، فتقوم بتصنيع طرازي "جيب كومباس" و"واغونير إس" في المكسيك، وتستورد سيارات "كرايسلر باسيفيكا" الصغيرة من كندا، وطرازي "دودج هورنت" و"فيات 500" من إيطاليا.
بالرغم من اعتماد "فورد" (Ford) الأكبر على التصنيع المحلي مقارنةً بمنافسيها في ديترويت، فإنها لن تكون بمنأى عن الأثر. إذ تصنع الشركة شاحنتها الصغيرة "مافريك" ذات السعر المبدئي في المكسيك، إلى جانب طرازي "برونكو سبورت" الرياضي المدمج و"موستانغ ماخ-إي" الكهربائي.
أثر كبير على "تسلا"
لكن حتى "تسلا" لن تخرج سالمة بالكامل. ففي منشور على منصة "إكس" يوم الأربعاء، قال ماسك إن الرسوم سيكون لها "أثر كبير" على الشركة. في رد لاحق على أحد المستخدمين، أضاف ماسك أن هذه الرسوم سيكون لها تأثير "غير ضئيل" على أسعار قطع الغيار المستوردة التي تستخدمها "تسلا".
بحسب إفادة قدمتها "الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة" الأميركية لعام 2024، فإن ما بين 60% و75% من مكونات سيارات "تسلا" يتم تصنيعها داخل الولايات المتحدة، وذلك حسب الطراز، في حين يتم تأمين الغالبية العظمى من بقية المكونات من المكسيك. غير أن القيمة الدقيقة لتلك الأجزاء المستوردة غير معروفة، ما يجعل الأثر المالي الفعلي على الشركة غير واضح.
من جانبه، أصر ترمب على أنه لا يوجد تضارب مصالح، رغم المنصب البارز لماسك في الإدارة.
قال خلال فعالية أقيمت في المكتب البيضاوي يوم الأربعاء أثناء توقيعه على مرسوم فرض الرسوم الجمركية: "لم يطلب مني مطلقاً أي خدمة في مجال الأعمال".