روسيا والولايات المتحدة تريدان عالماً خاضعاً كأنه فنلندا

مصطلح الفنلندة يعني التضحية بالسيادة لإرضاء قوة أكبر مثل روسيا في السابق وراهناً الولايات المتحدة

time reading iconدقائق القراءة - 6
صورة مركبة للرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين - بلومبرغ
صورة مركبة للرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

درج جو بايدن خلال رئاسته للولايات المتحدة على استخدام مصطلح غريب أظهر جانبين من جوانب عدة من التناقض بينه وبين خلفه دونالد ترمب: لقد كان الرئيس السادس والأربعون ضعيف التواصل، لكنه بارع كاستراتيجي جيوسياسي أما الرئيس السابع والأربعون فهو على النقيض في ذلك.

مراراً، كاد بايدن يتبجح بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان يسعى لجعل حلف الناتو الأطلسي يسير على خطى فنلندا خضوعاً في منتصف القرن الماضي، وجد فنلندا تنخرط في الناتو عضواً، أو أنه حقق ”ناتونة فنلندا“ بدل أن يحقق ”فنلندنة الناتو“.

لا تعني مصطلحات مثل "الفنلندة" و"الناتونة" شيئاً لعوام الأميركيين، الذين قد يتصورون أن ذلك يعني أن يمضي الجنرالات وقتاً أطول في غرف الساونا. لن تسمعوا مثل هذا الخطاب المتكلف من ترمب، الذي يفضل استخدام كلمات أنجليزية أنغلوساكسونية قوية وبسيطة كوسيلة في شرح استراتيجيته الكبرى إلى الناخبين. أما كلمات بايدن المفخمة  فقد أخفقت بإيصال استراتجيته الكبرى لهم.

مارك تشامبيون: على أوكرانيا منح ترمب الموارد التي يرغب بها

لكن الاستراتيجية الكبرى التي كان بايدن يحاول عرضها حققت نجاحاً بجدارة ويحاول ترمب الآن إبطالها.

تاريخ مصلح يعبر عن الرضوخ

ابتدع علماء مما كان يسمى ألمانيا الغربية مصطلح "الفنلندة" خلال الحرب الباردة، وهو يشير إلى تجربة فنلندا، التي ردعت غزواً من الاتحاد السوفيتي مرتين أولاهما في حرب الشتاء لعام 1939 وثانيتهما​​ كحليفة لألمانيا النازية بين 1941 و1944. لكنها تنازلت عبر هدنة قاسية عن حوالي عشر أراضيها لصالح موسكو كما وافقت على ترحيل مواطنيها من تلك الأراضي، لكنها حافظت على أن تكون دولةً مستقلةً.

بدأ هذا الترتيب، الذي سُمي لاحقًا "الفنلندة"، عام ١٩٤٨ بمعاهدة بين هلسنكي وموسكو. ومن أجل امتياز الحفاظ على سيادة، برغم انتقاص المعاهدة لبعضها، وافقت فنلندا على الامتثال للسياسة الخارجية السوفيتية وتجنب توثيق علاقاتها مع حلف الناتو والولايات المتحدة وأوروبا الغربية. وقد عرّف كاري سومالاينن، رسام الكاريكاتير الفنلندي، ”الفنلندة“ لاحقاً بأنها "فن الانحناء نحو الشرق دون تحقير الغرب".

أوكرانيا تدعم فكرة وقف كامل للنار وترمي الكرة في ملعب روسيا

لم تأتِ نهاية ”الفنلندة“ بهذا المعنى الضيق بعد انقضاء الحرب الباردة، في خطوات يحلم الأوكرانيون اليوم باتخاذها أيضاً. انضمت فنلندا إلى الاتحاد الأوروبي في 1995، وفي خلال ولاية بايدن في 2023، انضمت إلى حلف الناتو رداً على عدوان بوتين. واليوم، تُصنّف فنلندا باستمرار كأسعد دولة في العالم.

أشجع من الانهزام وأضعف من الانتصار

منذ زمن بعيد، اكتسبت كلمة "فنلندة" معناها الأوسع. برغم أن هذه الظاهرة لم تكن لتصبح ممكنة إلا بسب أن فنلندا كانت أشجع وأقوى من أن تُهزم، رغم أنها كانت أضعف بكثير مما يتطلبه الانتصار، إلا أن الكلمة أصبحت مهينة وتشير إلى أي موقف تتخلى فيه دولة أضعف عن جزء من سيادتها إرضاءً لقوة أكبر.

بهذا المعنى، تتخذ ”الفنلندة ”عادةً شكل حياد قسري أو عدم انحياز يصاحب خضوعاً لقوة أكبر. وقد وُصفت منغوليا، التي تعتبرها كل من موسكو وبكين دولة عازلة، بأنها "مفنلندة". وكذلك كان حال بعض الدول التي ينتهي اسمها بمقطع "ستان" في آسيا الوسطى. وقد كان هناك حوار في تايوان عمّا إذا كانت ”الفنلندة“ وسيلة مناسبة لدرء خطر الصين القارية.

ترمب يحسم القضية: أوكرانيا لن تنضم إلى "الناتو"

كانت خطة بوتين الأصلية لأوكرانيا هي غزو صريح وإخضاع. لكن عندما حرم الأوكرانيون الشجعان موسكو من ذلك الانتصار، كما فعل الفنلنديون في 1939، اضطر بوتين للتراجع بعض الشيء. لكنه يعتبر أنه كي يتسامح مع استمرار وجود أوكرانيا، يجب أن تصبح أرضاً محايدة وألّا تكون عضواً في الناتو أبداً، وأن تكون منزوعة السلاح وخاضعة للكرملين، أي ”مفنلندة“. ولديه رؤى مشابهة على سبيل المثال لكل من مولدوفا وإستونيا من خارج الناتو، وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وهي منخرطة في الناتو.

تقويض إرث سلفه

كما بذلت إدارة بايدن جهداً كبيراً لتشرح، يمتد تهديد بوتين إلى أبعد من ذلك. إنه يريد تخويف، ويفضل تفكيك، التحالف الغربي عن بكرة أبيه، وليس أوكرانيا فحسب. وقد تنصل عبر انتهاكه أراضي أوكرانيا من النظام الدولي "القائم على القواعد" برمته، وهو يقوم على القانون ومبدأ السيادة الوطنية كما في نص ميثاق الأمم المتحدة.

لذا، عندما قال بايدن إن بوتين حقق ”ناتونة فنلندا“ بدل ذلك، كان يتحدث عمّا يتخطى مجرد انضمام فنلندا إلى الحلف، فقد كان يقصد أن روسيا فشلت بمعنى أوسع لأن أوكرانيا، بمساعدة أميركية وأوروبية بل وآسيوية وأسترالية، كانت تدافع عن نفسها وتقترب أكثر فأكثر من الغرب. والغرب، كان بعيداً عن الخضوع وأكثر اتحاداً وعزماً على الدفاع ليس عن أوكرانيا وحدها، بل عن فكرة السيادة الوطنية بحد ذاتها.

لقد طفق ترمب يقلب هذه الإنجازات رأساً على عقب، وهو الذي لطالما ازدرى حلف شمال الأطلسي ”الناتو“، مشككاً في جوهره وهو بند الدفاع المشترك، ومقوّضاً تأثيره في ردع روسيا.

كما أوغل بالاستخفاف بحلفائه، ومنهم الدنمارك التي له مطامع في أرضها في غرينلاند، فيما تودّد إلى بوتين باعتباره رجلاً قوياً على شاكلته. وقد استأسد على الرئيس الأوكراني في المكتب البيضاوي، وتحت عنوان التفاوض من أجل السلام، يبدو أنه أهمل أن الهدنة تنطوي على استسلام أوكراني.

"الناتو" يخطط لمطالبة أوروبا وكندا بزيادة القدرات العسكرية 30%


حتى أن ترمب يبدو حريصاً على إحداث بعض "الفنلندة" بدوره، وإلا كيف يمكن وصف الخضوع للولايات المتحدة الذي يرغب بفرضه على كندا شمالاً أو بنما جنوباً؟

أدرك بايدن قيمة التحالفات والنظام الدولي، بينما لا يدركها ترمب. كان بايدن ضعيفاً في شرح العلاقات الخارجية للأميركيين، فيما يجيد ترمب كسب تأييد كثير من الناخبين. لكن، حتى عند التعبير عنها بعبارات موجزة وجذابة، فإن سياسة التخلي عن الأصدقاء ومبدأ السيادة وتسويغ الاستبداد والعدوان تبقى استراتيجية كبرى فاشلة.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

تغيير حجم الخط

واشنطن

10 دقائق

28°C
غيوم متفرقة
العظمى / الصغرى 26°/29°
29.6 كم/س
48%

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.