كيف أثارت صفقة الملياردير لي كا-شينغ في بنما غضب الصين؟

بيع حصة في موانئ بنما انتصار سياسي للرئيس الأميركي ترمب.. والسلطات الصينية تدقق في الصفقة

time reading iconدقائق القراءة - 7
حاويات ورافعات في ميناء بالبو عند المدخل المطل على المحيط الهادئ لقناة بنما - بلومبرغ
حاويات ورافعات في ميناء بالبو عند المدخل المطل على المحيط الهادئ لقناة بنما - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

وجد الملياردير لي كا-شينغ، قطب الأعمال المقيم في هونغ كونغ، نفسه في خضم الصراع الجيوسياسي بين الصين والولايات المتحدة، بعد الإعلان عن صفقة لبيع أصول موانئه في قناة بنما.

الصفقة، التي أُبرمت مع تحالف بقيادة "بلاك روك" (BlackRock)، والتي ستدرّ على مجموعة لي كا-شينغ 19 مليار دولار، تُعد مكسباً جريئاً في وقت تضررت حركة الشحن العالمية بفعل الحرب التجارية. كما أنها تشكل انتصاراً للرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي هدد في أكثر من مناسبة بالسيطرة على قناة بنما، وادّعى باطلاً أن الصين هي الجهة التي تدير الممر المائي في نهاية المطاف.

لكن الصفقة أثارت على ما يبدو غضب الرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث بدأت السلطات مراجعة الصفقة عن كثب. وبينما لا يزال من غير الواضح ما هي الإجراءات التي يمكن أن تتخذها بكين، نظراً لأن الموانئ المبيعة تقع خارج النطاق الجغرافي للصين وهونغ كونغ، فإن التحقيق في الصفقة يعكس استياءً كبيراً من رضوخ مجموعة "سي كيه هوتشيسون هولدينغز" (CK Hutchison Holdings)، شركة لي كا-شينغ الرئيسية، للضغوط الأميركية.

ما الموانئ التي كان يملكها لي كا-شينغ ولماذا قرر بيعها؟

تتحكم إحدى وحدات "سي كيه هوتشيسون" في اثنين من أصل خمسة موانئ رئيسية مجاورة لقناة بنما التي تُعد الممر المائي الاستراتيجي الذي يتعامل مع حوالي 3% من التجارة البحرية العالمية. حصلت الشركة على الامتياز الأصلي لتشغيل الموانئ في 1998، وتم تجديده لمدة 25 عاماً في 2021.

لم تكن هناك أي مشكلات تُذكر حتى الأشهر الأخيرة عندما وجّه ترمب تركيزه نحو القناة. بينما بدا أن الرئيس الأميركي يعبر عن استيائه من خسارة الولايات المتحدة سيطرتها على القناة، وارتفاع تكاليف الشحن، فقد أجج ذلك أيضاً التوترات في ظل النفوذ المتزايد للصين في أميركا اللاتينية.

مع تصاعد الضغوط من إدارة ترمب، أعلنت "سي كيه هوتشيسون" عن صفقة موسعة تشمل بيع 43 ميناءً في 23 دولة، مع الاحتفاظ بالمرافق في البر الرئيسي للصين وهونغ كونغ. وتبلغ عائدات الصفقة 19 مليار دولار، أي ما يعادل تقريباً القيمة السوقية الكاملة للشركة قبل الإعلان عن الصفقة.

من المستفيد من الصفقة؟

أكبر المستفيدين من الصفقة، في حال حصولها على الموافقة النهائية من الجهات المختصة، هو لي كا-شينغ البالغ من العمر 96 عاماً وأسرته.

وفقاً لمؤشر "بلومبرغ للمليارديرات"، ارتفعت ثروة ثاني أغنى رجل في هونغ كونغ بمقدار 1.3 مليار دولار بعد الإعلان عن الصفقة في أوائل مارس، ليصل إجمالي ثروته إلى 30.5 مليار دولار. وتمثل حصصه في شركتي "سي كيه هوتشيسون" و"سي كيه أسيت هولدينغز" (CK Asset Holdings) العقارية 40% من ثروته الإجمالية.

كما ستدر الصفقة ملايين الدولارات كرسوم استشارية لصالح "غولدمان ساكس"، البنك الاستثماري الوحيد الذي عمل مع "سي كي هوتشيسون"، إلى جانب عدد من الشركات القانونية التي قدمت استشارات إلى التحالف بقيادة "بلاك روك".

أما الرئيس الأميركي ترمب، الذي أعلن في خطاب تنصيبه عن نيته استعادة السيطرة على قناة بنما، فيحقق انتصاراً سياسياً من خلال فرض نفوذه على التجارة الدولية، والصراعات في أوكرانيا وغزة، ومستقبل "الناتو" وغير ذلك من القضايا الاستراتيجية.

ما رد الصين على الصفقة؟ وكيف ردت؟

قرار "سي كيه هوتشيسون" بالمضي قدماً في الصفقة دون الحصول على موافقة مسبقة من بكين أثار غضب الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يرى أن لي كا-شينغ تصرف بما يتعارض مع مصالح الصين، وفقاً لما نقلته "وول ستريت جورنال" عن مصادر لم تحدد هوياتها. ذكرت الصحيفة أن المسؤولين الصينيين كانوا يعتزمون استخدام قضية ميناء بنما كورقة تفاوضية في المحادثات مع إدارة ترمب، لكن قرار بيع الأصول أفقدهم هذه الميزة.

كما أعرب المكتب الصيني الأعلى في هونغ كونغ عن عدم رضاه عن الصفقة؛ حيث نشرت وسائل الإعلام الموالية لبكين، مثل "تا كونغ باو"، مقالات تحذر الشركات من ضرورة اختيار "الجانب الصحيح"، وحثّت رجال الأعمال الكبار على أن يكونوا "وطنيين متحمسين وفخورين".

وفقاً لتقرير "بلومبرغ"، بدأت عدة جهات تنظيمية صينية، من بينها الإدارة الحكومية لتنظيم السوق، بمراجعة الصفقة بحثاً عن أي انتهاكات محتملة تتعلق بالأمن القومي، أو قوانين مكافحة الاحتكار.

في غضون ذلك، قال جون لي، رئيس حكومة هونغ كونغ، إن الجدل الواسع في المجتمع حول الصفقة يعكس مخاوف تستحق "اهتماماً جاداً"، مؤكداً أن الحكومة ستتعامل مع القضية "وفقاً للقانون واللوائح التنظيمية".

ما الخطوة التالية؟ وهل يمكن إلغاء القرار؟

الخطوة الكبيرة التالية في الصفقة ستكون توقيع "سي كيه هتشيسون" اتفاقاً نهائياً مع التحالف بقيادة "بلاك روك"، والمتوقع بحلول 2 أبريل.

لا يبدو أن السلطات الصينية تمتلك الكثير من الأدوات لعرقلة الصفقة، كما أن خيارات بكين محدودة في استهداف بقية إمبراطورية لي كا-شينغ، التي تمتد إلى قطاعات التجزئة، والاتصالات، والبنية التحتية.

عمل الملياردير على تقليص انكشاف مجموعته على الصين الكبرى على مدار عقود، إذ إن 12% فقط من إيرادات "سي كيه هوتشيسون" تأتي من البر الرئيسي للصين وهونغ كونغ.

مع ذلك، فإن التدقيق التنظيمي الصيني أدى بالفعل إلى انخفاض أسهم "سي كيه هوتشيسون"، مع تزايد مخاوف المستثمرين بشأن مدى تأثير بكين، وتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين.

من هو لي كا-شينغ وكيف كوّن ثروته؟

وُلد لي كا-شينغ في البر الرئيسي للصين عام 1928، وهرب مع عائلته إلى هونغ كونغ خلال الحرب العالمية الثانية. بعد وفاة والده، ترك المدرسة في سن المراهقة، ثم بدأ مسيرته في مجال التصنيع بإنتاج الزهور البلاستيكية، قبل أن يتحول إلى الاستثمار العقاري.

في ذروة نجاحه، كانت واحدة من كل سبع وحدات سكنية خاصة في هونغ كونغ من تطوير شركته "تشيونغ كونغ" (Cheung Kong).

ارتبطت مسيرة "لي" من الفقر إلى أن أصبح مليارديراً بالنمو الاقتصادي السريع لهونغ كونغ كمركز مالي عالمي، ما أكسبه لقباً محبباً وهو "سوبرمان"، بفضل روح ريادة الأعمال الفريدة التي تحلى بها. كما كان يُنظر إليه باعتباره رمزاً لدور هونغ كونغ كحلقة وصل بين الصين والغرب.

لكن بعد عقود من العلاقات الجيدة مع القادة الصينيين السابقين، يبدو أن صلاته مع البر الرئيسي تراجعت منذ تولي شي جين بينغ السلطة في 2013. كما حصل على لقب جديد مثير للجدل وهو "ملك الصراصير"، في إشارة إلى ما وصفه منتقدوه بأنه دعم غير معلن للحركة الديمقراطية في هونغ كونغ.

صفقة موانئ بنما ليست المرة الأولى التي تثير فيها تعاملات "لي" التجارية غضب بكين. ففي 2015، انتقدته وسائل الإعلام الحكومية الصينية بعد أن سجّلت كل من "سي كيه هوتشيسون" و"سي كيه أسيت" في جزر كايمان، بالتزامن مع إعادة هيكلة شاملة، وبيع بعض العقارات في البر الرئيسي.

تتألف غالبية ثروة لي كا-شينغ من حصص في شركات مدرجة في البورصة، بما في ذلك "سي كيه أسيت"، و"سي كيه هوتشيسون"، وشركة إنتاج النفط والغاز الكندية "سينوفوس إنرجي" (Cenovus Energy)، و"زوم فيديو كوميونيكيشنز" (Zoom Video Communications).

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.