وتيرة التضخم الأميركي مرشحة للاستمرار بينما ترتسم مخاطر تعريفات ترمب

تشير التوقعات إلى ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك الأساسي في الولايات المتحدة بنسبة 3.2% في فبراير

time reading iconدقائق القراءة - 11
متسوق يدخل أحد المحال التجارية بالولايات المتحدة الأميركية - بلومبرغ
متسوق يدخل أحد المحال التجارية بالولايات المتحدة الأميركية - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يُرجّح أن ترتفع أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة لشهر فبراير بوتيرة توضح لمسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي تقدماً بطيئاً لمسار كبح التضخم، ليبقوا على تمهلهم في قرار خفض أسعار الفائدة، بينما يقيّمون اضطراب السياسات الذي تحدثه إدارة ترمب.

يُتوقع أن تظهر أرقام مكتب إحصاءات العمل يوم الأربعاء أن مؤشر أسعار المستهلكين الذي يستثني الغذاء والطاقة ارتفع بنسبة 0.3%، بناءً على أوسط تقديرات ​​خبراء الاقتصاد الذين استطلعت "بلومبرغ" آراءهم. وفي حين أن الزيادة تُعد أقل من معدل ارتفاع أسعار المستهلكين الأميركيين في يناير البالغ 0.4%، إلا أنها تجعل نمو الأسعار السنوي مستمراً في الارتفاع. 

على الأرجح سيرتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي بنسبة 3.2% عن فبراير من العام الماضي. لن تصل بيانات مقياس الأسعار المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي إلا بعد اجتماع مسؤولي السياسة النقدية المقرر له يومي 18و19 مارس. المسؤولون عن تحديد أسعار الفائدة الأميركية، والذين هم حالياً في فترة تعتيم قبل اجتماعهم المقبل، يضعون هدفاً للتضخم عند 2%. 

ضعف الاقتصاد الأميركي 

تأتي أحدث صورة لضغوط الأسعار في أعقاب تقرير الوظائف الأميركية لشهر فبراير والذي أظهر نمواً ثابتاً في التوظيف، تشوبه تلميحات إلى جوانب ضعف خفية في سوق العمل. كذلك، يُظهِر الاقتصاد الأوسع نطاقاً علامات ضعف، يعكسها ضعف الإنفاق الاستهلاكي، والمعنويات، وبناء المساكن مع بداية العام.

وبعد يوم من صدور تقرير مؤشر أسعار المستهلكين، من المتوقع أن تُظهر البيانات المقرر لها يوم الخميس ضغوط تكلفة مماثلة على مستوى قطاع تجارة الجملة. ومن المتوقع أن يرتفع مؤشر أسعار المنتجين، باستثناء الغذاء والوقود، بنسبة 3.5% في فبراير مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

ماذا تقول "بلومبرغ إيكونوميكس؟ 

قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إن البنك يحتاج إلى رؤية 'تقدم حقيقي' في التضخم أو بعض الضعف في سوق العمل لينظر في تعديل أسعار الفائدة مرة أخرى. بعد أن أدت عمليات إعادة التسعير للسلع في بداية العام لتوقف التضخم في يناير، سيبحث صانعو السياسات عن انخفاض جديد في مؤشر أسعار المستهلكين في فبراير. نتوقع فقط تحسناً متواضعاً نتيجة استمرار ما تبقى من التأثيرات الموسمية، تقديراتنا تشير إلى ارتفاع التضخم في كل من مؤشر أسعار المستهلكين الرئيسي والأساسي بنسبة 0.3%". 

خبراء الاقتصاد: آنا وونغ، وستيوارت بول، وإليزا وينجر، إستيل أو، وكريس جي كولينز

وفي يوم الجمعة، يُنتظر أن يظهر تقرير جامعة ميشيغان المزيد من الانخفاض في معنويات المستهلكين. يولي التجار، فضلاً عن مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي، اهتماماً خاصاً بمقاييس توقعات التضخم في هذا الاستطلاع.

أسعار الفائدة في كندا 

وفي كندا، يُتوقع على نطاق واسع أن يقوم البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس أخرى يوم الأربعاء، إذا استمر الرئيس دونالد ترمب في فرض التعريفات الجمركية الشاملة على السلع الكندية. كان العديد من خبراء الاقتصاد يتوقعون سابقاً التوقف المؤقت لمسار تيسير السياسة النقدية، بعد أن أظهرت البيانات الأحدث أن الاقتصاد انتعش بقوة في الربع الرابع.

تُعد هذه اللحظة صعبة بالنسبة لمحافظ البنك، تيف ماكليم، الذي نجح في خفض التضخم ووضع البلاد على المسار الصحيح للهبوط الناعم، حيث يواجه حالياً ركوداً تضخمياً محتملاً نتيجة حرب تجارية أشعلها الحليف الأميركي.

وفي أماكن أخرى من حول العالم، تُعد بيانات التضخم المقرر صدورها من الصين إلى روسيا، وبيانات النمو في المملكة المتحدة، وخطاب رئيسة البنك المركزي الأوروبي، من بين أهم الأحداث هذا الأسبوع. 

آسيا

يبدأ الأسبوع بتقرير التضخم في الصين، والذي يُظهر انخفاضاً في أسعار المستهلكين ما يشير إلى خطر استمرارية انكماش الاقتصاد.

يوم الإثنين، سيركز المستثمرون على بيانات تكلفة العمالة في اليابان بعد ارتفاع الأجور الاسمية في ديسمبر بأسرع وتيرة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود. ستصدر اليابان أيضاً أرقام ميزان المعاملات الجارية في نفس اليوم وسط آفاق غير مؤكدة بشكل متزايد لتدفق الاستثمار والتجارة العالمية.

بلغ فائض ميزان المعاملات الجارية للبلاد مستوى قياسياً في 2024، حيث ساهم ضعف الين في تضخيم قيمة عوائد الاستثمارات في الخارج. ويشكل تجدد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، أكبر شريكين تجاريين لليابان، عبئاً ثقيلاً على التوقعات.

ومن المتوقع أن يخفض بنك الدولة الباكستاني أسعار الفائدة إلى 11.5% يوم الإثنين لدعم النمو، بعد أن تراجع التضخم إلى أدنى مستوياته في سبع سنوات.

وستنشر اليابان تقديرات الناتج المحلي الإجمالي النهائية للربع الرابع يوم الثلاثاء. وقد يمهد التقرير القوي الطريق لمزيد من تشديد السياسة النقدية في اليابان.

وفي أستراليا، من المرجح أن يُظهر مسح خاص للشركات تأثير أول خفض لأسعار الفائدة في البلاد منذ أربع سنوات على المعنويات. كما ستُصدر أستراليا وإندونيسيا بيانات عن ثقة المستهلكين.

وفي يوم الأربعاء، سيكون معدل البطالة في كوريا الجنوبية تحت المراقبة بعد أن سجل انخفاضاً أكثر حدة من المتوقع في يناير.

من المرجح أن يتباطأ نمو أسعار المستهلك في الهند بشكل طفيف في فبراير، وهو ما قد يحفز الرهانات على المزيد من تخفيف السياسة النقدية. وستصدر اليابان بيانات عن الأوضاع الاقتصادية والتجارية للربع الرابع، فضلاً عن أسعار المنتجين، في حين ستصدر نيوزيلندا بيانات الإنفاق بالبطاقات. كما من المقرر صدور بيانات الناتج الصناعي في كل من ماليزيا والهند.

وسيشهد يوم الجمعة صدور بيانات أسعار المواد الغذائية في كوريا الجنوبية ونيوزيلندا.

وخلال الأسبوع أيضاً، ستنشر الصين بيانات الائتمان، فضلاً عن أرقام الاستثمار المباشر الأجنبي، حيث ستتم مراقبتها عن كثب بعد أن سجلت البلاد في يناير أضعف بداية للاستثمارات القادمة من الخارج في أربع سنوات.

أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا

من المتوقع أن تشهد منطقة اليورو أسبوعاً حافلاً بالتصريحات من جانب صانعي السياسات النقدية، وذلك في أعقاب قرار خفض أسعار الفائدة من جانب المركزي الأوروبي يوم الخميس، مع تجنبه إعطاء إشارة واضحة بشأن خطوته التالية.

ومن بين المسؤولين المدرجين على جدول الأعمال، رئيسة البنك كريستين لاغارد، حيث ستلقي خطاباً رئيسياً خلال مؤتمر كبير حول السياسة النقدية لمنطقة اليورو تستضيفه مدينة فرانكفورت. كما سيكون كبير الاقتصاديين فيليب لين ومحافظو بنوك أكبر أربعة اقتصادات في المنطقة على جدول الأعمال أيضاً.

من بين البيانات المنتظرة في المنطقة، ستعطي أرقام الإنتاج الصناعي لمنطقة اليورو يوم الخميس لمحة عن النمو في بداية العام.

بيانات الصناعة الألمانية

وقبل صدور هذه البيانات، ستكشف الأرقام من ألمانيا عن أداء شركات التصنيع المتعثرة قبل فوز فريدريش ميرتس في انتخابات 23 فبراير، وهو يعمل حالياً على حزمة مالية قد تمثل دعماً هائلاً للعمود الفقري الصناعي المشلول في البلاد.

في المملكة المتحدة، من المتوقع أن تُظهر بيانات الناتج المحلي الإجمالي لشهر يناير، المقرر صدورها يوم الجمعة، زيادة شهرية ثالثة، وإن كانت أبطأ كثيراً من الطفرة التي شهدناها نهاية العام الماضي.

وفي الوقت نفسه، ستصدر السويد مؤشرها الشهري للناتج المحلي الإجمالي يوم الإثنين، وسيعطي مسؤولون من البنك المركزي شهادتهم أمام المشرعين في اليوم التالي.

ومن المقرر أن تنشر النرويج والدنمارك وبولندا أرقام التضخم خلال هذا الأسبوع. وعلى الأرجح سيُبقي البنك المركزي البولندي تكاليف الاقتراض دون تغيير في قراره المقرر صدوره يوم الأربعاء. وفي الوقت نفسه، قد يمدد البنك المركزي الصربي توقفه عن التيسير النقدي للشهر السادس.

توقعات أسعار الفائدة في مصر

وبالتحول جنوباً، من المتوقع أن يكشف التضخم في مصر عن انخفاض حاد في فبراير من نسبة 24% في الشهر السابق، وهو ما يمهد الطريق لخفض أسعار الفائدة عدة مرات هذا العام.

كذلك، من المقرر أن يقدم وزير مالية غانا، كاسيل أتو فورسون، أول ميزانية لإدارة ماهاما يوم الثلاثاء، والتي تحدد خطط إنعاش الاقتصاد المتعثر. وقد يقدم أيضاً تفاصيل عن محادثات الحكومة مع صندوق النقد الدولي لتعديل شروط برنامج بقيمة 3 مليارات دولار ينتهي العام المقبل.

وفي جنوب أفريقيا، سيقدم وزير المالية إينوك غودونغوانا ميزانيته الخاصة في كيب تاون يوم الأربعاء، بعد شهر من تأجيل الخطط بسبب خلاف داخل الائتلاف بشأن اقتراح برفع الضرائب. وسيراقب المستثمرون إلى أي مدى سيتمسك غودونغوانا بضبط المالية العامة في حين لا يملك سوى خيارات قليلة لزيادة الإيرادات وخفض الإنفاق.

ستصدر روسيا أرقام التضخم لشهر فبراير يوم الأربعاء، قبل أسبوع واحد فقط من قرارها بشأن أسعار الفائدة. وتتوقع "بلومبرغ إيكونوميكس" أن يصل نمو الأسعار السنوي إلى 10% قبل أن يتجه نحو الانخفاض خلال بقية العام.

وفي إسرائيل، يُتوقع أن يتراجع التضخم قليلاً إلى 3.7% في فبراير من 3.8% قبل شهر، في تقرير من المقرر صدوره يوم الجمعة.

أميركا اللاتينية

من المقرر أن يجري البنكان المركزيان في البرازيل والأرجنتين استطلاعات لآراء خبراء الاقتصاد تحظى بمتابعة واسعة، حيث تتجه توقعات التضخم إلى الانخفاض بشكل متزايد في الأرجنتين، فيما تستقر في البرازيل، بعد ارتفاع لفترة طويلة.

من المرجح أن يكشف تقرير التضخم البرازيلي لشهر فبراير عن ارتفاع بنحو 60 نقطة أساس على أساس سنوي إلى ما يزيد عن 5%، وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر 2023.

كما ستصدر البرازيل بيانات الإنتاج الصناعي، ومبيعات التجزئة، والميزانية، والإقراض، خلال هذا الأسبوع.

وفي حين أن تشديد الظروف المالية، حيث يُتوقع أن يقوم البنك المركزي البرازيلي بزيادة أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس للمرة الثالثة على التوالي في اجتماعه في 19 مارس، لم تنجح بعد في كبح التضخم وخفض التوقعات، فقد أثرت على مبيعات التجزئة وأداء القطاع الصناعي لينهيا عام 2024 بأداء ضعيف. 

في بيرو، من المرجح أن يكون البنك المركزي قريباً جداً من رسم خط نهاية دورة التيسير النقدية لفترة ما بعد الوباء.

تباطأ التضخم في فبراير إلى 1.48%، وهو أدنى من نقطة المنتصف البالغة 2% ضمن نطاق هدف البنك المركزي الذي يتراوح بين 1% إلى 3%. رغم ذلك، فصانعو السياسات، بقيادة الرئيس خوليو فيلاردي، قد يختارون التمسك بمعدل 4.75%.

الإنتاج الصناعي وبيانات الأجور وثقة المستهلك ومبيعات المتاجر المتكررة من ضمن البيانات المقرر صدورها في المكسيك.

من المؤكد أن التضخم في الأرجنتين سيظهر تباطؤاً للشهر العاشر، وقد ينخفض إلى أقل من 70%، من نحو 289% في أبريل الماضي. من المحتمل أن تتباطأ الأرقام الشهرية من معدل يناير البالغ 2.2%، ويتوقع المحللون المحليون المزيد من الانخفاض في الفترة المقبلة، حيث يتوقعون 23% بحلول نهاية هذا العام، ونحو 9% بحلول عام 2027.

تصنيفات

قصص قد تهمك

الجمارك ليست الخطر الوحيد.. نمو الاقتصاد الأميركي مهدد في عهد ترمب

الحرب التجارية تفاقم الضغوط على الاقتصاد وارتفاع تكلفة الواردات يؤثر على المستهلكين والشركات

time reading iconدقائق القراءة - 11
عمال يفرغون الصلب من سفينة شحن في ميناء ديترويت، ديترويت، ميشيغان - بلومبرغ
عمال يفرغون الصلب من سفينة شحن في ميناء ديترويت، ديترويت، ميشيغان - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يُتوقع أن تؤدي أحدث موجة من الحرب التجارية التي يشنها الرئيس دونالد ترمب، وتعد أضخم حزمة من الإجراءات الحمائية الأميركية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، إلى كبح جماح نمو الاقتصاد الأميركي في المدى القريب. لكنها مجرد إحدى الصدمات التي تتراكم على المستهلكين والشركات والمستثمرين الذين يتزايد قلقهم باستمرار.

وهناك أيضاً سعي إيلون ماسك إلى خفض عدد الموظفين الفيدراليين، وتشديد إجراءات الهجرة، وتباطؤ محتمل في استثمارات الأعمال وسط ضبابية سياسية طاغية. ويشير تزايد الإجماع بين المحللين الاقتصاديين إلى أن اجتماع كل هذه العوامل يرجح تباطؤ أكبر اقتصاد في العالم.

يتوقع قليلون ارتفاع خطر الانكماش المباشر للاقتصاد هذا العام، وهناك أيضاً إجراءات تدعم النمو قيد الإعداد، مثل التخفيضات الضريبية. رغم ذلك، تتزايد المخاوف من حدوث "ركود ترمبي" (Trumpcession)، وتصعيد الحرب التجارية المتبادلة لن يسبب إلا تفاقم هذا الخطر. وقد أعلن ترمب اعتزامه فرض مزيد من الرسوم الجمركية بعد التي فرضها على المكسيك وكندا والصين.

عبء الرسوم الجمركية

قال ترمب أمام الكونغرس الأميركي الثلاثاء الماضي: "الرسوم الجمركية تهدف إلى إثراء أميركا مجدداً وإعادة عظمتها. وهذا ما يحدث. سيكون هناك بعض الاضطرابات، لكننا نتقبل ذلك، فلن تكون كبيرة".

تشمل الأهداف القادمة للرسوم الجمركية الاتحاد الأوروبي، والسيارات، والأدوية، وأشباه الموصلات، إلى جانب التعريفات الجمركية المتبادلة التي يتوقعها مستشارو ترمب بناءً على الحواجز التجارية المتنوعة على البضائع الأميركية في الخارج، وقد أوضح الرئيس هذا الجزء من خطته أمام الكونغرس بقوله "أياً كانت التعريفات الجمركية التي سيفرضونها علينا، سنفرضها عليهم".

لكن هذه الموجة شهدت تراجعاً إلى حدٍّ ما الأسبوع الماضي، مع منح الرئيس الأميركي دونالد ترمب إعفاءً للسلع المكسيكية والكندية المشمولة باتفاقية التجارة الأميركية الشمالية المعروفة باسم "USMCA" من الرسوم الجمركية البالغة 25%. رغم ذلك، فإن موجة التعريفات الجمركية تبلغ ذروتها في ظل الإشارات الواضحة على تباطؤ النمو وارتفاع التضخم.

سجل الإنفاق الاستهلاكي في يناير أكبر تراجع منذ حوالي أربعة أعوام، وتراجعت ثقة المستهلكين، كما تباطأ نشاط التصنيع الأميركي الشهر الماضي، بينما ارتفع مؤشر الأسعار المدفوعة للمواد إلى أعلى مستوى منذ يونيو 2022.

يحذر المحللون من الإفراط في الاعتماد على بيانات شهر واحد، بالأخص الذي تأثر بطقس قاسٍ. وتكهنت أداة "جي دي بي ناو" (GDPNow) للتوقعات الفورية التابعة لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا يوم الإثنين بانكماش الاقتصاد خلال الربع الأول بنسبة 2.8%، إلا أنه توقع يخالف الاتجاه السائد، إذ لا تشير معظم المؤشرات إلى انكماش حاد.

أوضح الرئيس التنفيذي لبنك "غولدمان ساكس" ديفيد سولومون في مؤتمر في سيدني يوم الثلاثاء أن هناك احتمالاً "ضئيلاً للغاية" لأن ينزلق الاقتصاد الأميركي إلى الركود.

ترمب يريد "إصلاحاً جذرياً"

يرى ترمب وفريقه حاجة ماسة إلى إجراء إصلاح جذري شامل لإعادة بناء الصناعات الأميركية التي تدهورت نتيجة عقود من عجز الميزان التجاري، ولإعادة وظائف التصنيع ذات الأجور المجزية إلى البلاد. من جهته، اعترض وزير الخزانة الأميركية سكون بيسنت على المخاوف من تداعيات الرسوم الجمركية وما سببته من تراجع الأسواق العالمية، حيث انخفضت أسعار الأسهم في جميع أنحاء العالم، وكاد مؤشر "إس آند بي 500" أن يتخلى عن كل مكاسبه التي حققهها بعد الانتخابات الرئاسية.

قال بيسنت لقناة "فوكس نيوز" يوم الثلاثاء: "سنعيد موازنة الاقتصاد. وفي المدى المتوسط، الذي ينصب عليه تركيزنا حالياً، يشكل الاقتصاد الحقيقي محور اهتمامنا. حققت (وول ستريت) نجاحاً كبيراً، وبمقدورها مواصلة الأداء الجيد، لكن علينا التركيز على الشركات الصغيرة والمستهلكين".

ستشعر الفئتان بتأثير الضرائب الجديدة المفروضة على واردات أميركية بحوالي 1.5 تريليون دولار، أي ما يزيد عن خمسي إجمالي الواردات. وفي يوم الثلاثاء، وصل متوسط الرسوم الجمركية الأميركية إلى أعلى مستوى منذ أربعينيات القرن الماضي.

ركود الاقتصاد الأميركي

يكفي هذا وحده لرفع احتمال حدوث فترة من الركود التضخمي، أي تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم، بحسب مايفا كوزين ورانا ساجدي من "بلومبرغ إيكونوميكس"، إذ كتبتا: "ستمثل هذه الرسوم الجمركية صدمة عرض سلبية على الاقتصاد الأميركي".

تشير التقديرات المعتمدة على النماذج التي استخدمها الاحتياطي الفيدرالي خلال فترة ترمب الأولى إلى أن صدمة الرسوم الجمركية الحديثة قد تسبب تراجع الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 1.3%، وترفع معدل التضخم الأساسي 0.8%.

توقع المحللون الاقتصاديون لدى مركز بحوث "بدجت لاب" (Budget Lab) التابع لجامعة ييل حدوث صدمة في النمو بنحو نصف هذه النسبة خلال 2025، إلا أنهم حذروا من آثار طويلة الأمد قد تستمر لسنوات. وحتى بعد التغييرات في الإنتاج وإعادة هيكلة سلاسل التوريد، ستؤدي أحدث رسوم جمركية يفرضها ترمب، ورد الدول الأخرى عليها إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي 0.4% في المدى الطويل، وكتبوا أن ذلك "يعادل انكماش الاقتصاد الأميركي باستمرار بما يتراوح بين 80 ملياراً و110 مليارات دولار سنوياً".

قطاع التجزئة الأميركي في خطر

أعلنت شركات بيع التجزئة، مثل "تارغت" و"بيست باي" أنها تتوقع تباطؤ المبيعات بسبب الرسوم الجمركية. وقال الرئيس التنفيذي لـ"تارغت" بريان كورنيل لقناة "سي إن بي سي" إن المتسوقين في متاجر الشركة يتوخون حذراً شديداً بسبب "الحديث المستمر عن الرسوم الجمركية الذي يسمعونه كل ليلة تقريباً في الأخبار"، وبإمكانهم توقع ارتفاع الأسعار خلال الأيام القليلة المقبلة.

وأشار بالأخص إلى منتجات زراعية مثل الفراولة، والأفوكادو، والموز، إذ أن الشركة "تعتمد على المكسيك في جزء كبير من الإمدادات" في الشتاء، كما أن نحو نصف واردات الولايات المتحدة من الفواكه والخضروات، بما يشمل أكثر من 90% من الأفوكادو، مصدره الدولة الواقعة جنوب الولايات المتحدة.

ستطال الرسوم الجمركية الجديدة مرتادي الحفلات ومشتري الملابس أيضاً، فمن بين كل خمس عبوات جعة تدخل الولايات المتحدة، أربع منها تأتي من المكسيك، فيما تمثل الصين مصدراً لنحو 30% من الملابس.

لفت مارك زاندي، كبير المحللين الاقتصاديين لدى "موديز أناليتكس" (Moody’s Analytics)، إلى أن ذلك سيؤدي إلى تحمل تكلفة باهظة، "إذا جرى تطبيق كل التعريفات الجمركية التي أُعلن عنها وهُدد بفرضها واستمر العمل بها، ستضطر الأسرة الأميركية المتوسطة إلى إضافة نحو 1300 دولار إلى إنفاقها السنوي على شراء السلع نفسها مقارنةً بما دفعته العام الماضي".

هذه العائلات نفسها تلقت ضربة في الآونة الأخيرة من الارتفاع الكبير في تكلفة المعيشة بعد جائحة كوفيد، ما أسهم في انتخاب ترمب بحسب معظم المحللين، وهناك قلق واضح من ارتفاعها مجدداً. كما بلغت توقعات التضخم خلال العام المقبل أعلى مستوى منذ 2023، بينما يشير استطلاع رأي طويل الأجل إلى وصوله إلى أعلى مستوى منذ عقود.

الصناعة الأميركية مهددة

بخلاف التأثير المباشر على إنفاق المستهلكين، هناك مخاطر على الإنتاج الصناعي ووظائف التصنيع أيضاً، إذ تراجع كلاهما في 2019 خلال الحرب التجارية التي شنها ترمب في ولايته الأولى.

كذلك، فإن صناعة السيارات الأميركية، التي تمثل نحو 2.5% من الاقتصاد، معرضة للمخاطر بشكل كبير، الأمر الذي تحذر منه كبرى شركات القطاع مثل "فورد موتور" علنياً، إذ تزايد ارتباط سلاسل التوريد بشكل عميق بكندا والمكسيك خلال العقود الماضية. لذلك، فإن أي اضطراب حتى لو قصير الأجل قد يؤدي إلى انخفاض معدل نمو الناتج المحلي السنوي بمقدار نقطة مئوية، بحسب "سيتي غروب"، إلى جانب احتمال فرض رسوم جمركية منفصلة على السيارات خلال الفترة المقبلة. وأطلع ترمب المشرعين على حديثه مع رؤساء أكبر ثلاث شركات سيارات أميركية يوم الثلاثاء، قبل إلقاء خطابه.

في غضون ذلك، فإن مجرد التهديد بفرض رسوم جمركية على الصلب والألمنيوم اعتباراً من 12 مارس قد أدى بالفعل إلى ارتفاع الأسعار محلياً، ما أفضى إلى زيادة التكاليف على شركات مثل "كالدر برذرز" (Calder Brothers).

تصنع الشركة التي يقع مقرها في غرينفيل، ساوث كارولاينا، معدات الرصف المستخدمة في ممرات السيارات ومواقفها، ويبلغ متوسط سعر بيع التجزئة لمنتجاتها 200 ألف دولار. وإضافة إلى زيادة أسعار الصلب في الآونة الأخيرة، تواجه الشركة ضغطاً من الرسوم الجمركية المفروضة على المكونات المستوردة، مثل صناديق تروس نقل الحركة والصمامات الهيدروليكية. وأشار رئيس الشركة غلين كالدر إلى أنها تدرس زيادة غير معتادة في الأسعار في منتصف العام.

وأضاف: "هذه الرسوم الجمركية تضر بصغار المصنعين الأميركيين في الواقع. هناك قلق كبير مما سيحدث لأسعار كثير من السلع والمنتجات".

ترحيل المهاجرين

إذا كانت الرسوم الجمركية في مقدمة أولويات مراقبي نمو الاقتصاد الأميركي الآن، فهناك سياسات كثيرة أخرى للإدارة تعد بمثابة إشارات تحذيرية. فيهدد تضييق الخناق على المهاجرين غير الشرعيين، الجاري تنفيذه بالفعل، بالتسبب في فجوة في القوة العاملة لن يكون سدها بسرعة سهلاً، بالأخص في بعض القطاعات الرئيسية مثل اللحوم.

يُرجح ألا يكون التأثير السلبي لعمليات الترحيل التي تجريها إدارة ترمب حتى الآن كبيراً على الاقتصاد، لكن المحللين الاقتصاديين لدى "غولدمان ساكس" يشيرون إلى أن حدوث تباطؤ واسع النطاق في الهجرة، في ظل تراجع صافي عدد الوافدين سنوياً، قد يؤدي إلى تراجع معدل النمو المتوقع بنحو 40 نقطة أساس مقارنةً بالسنوات الماضية.

أدت تسريحات العمالة التي تقودها إدارة الكفاءة الحكومية التي يديرها ماسك إلى إقالة أكثر من 100 ألف موظف فيدرالي، وانطوى ذلك على تبعات غير مباشرة على عديد من المتعاقدين. ربما لا تكفي الإدارة وحدها للتسبب في ركود، لكنها "ترفع مخاطر الركود بطريقتين أساسيتين" عبر التقدم السريع وارتكاب الأخطاء، بحسب المحللة الاقتصادية كلوديا سهم.

وكتبت يوم الثلاثاء: "الطريقة الأولى أن الإدارة تركز الآثار الاقتصادية بشكل مؤقت، والثانية أنها تخلق حالة من الضبابية قد تؤثر سلبياً على النمو والتوظيف"، وهذا في ظل تباطؤ النمو بالفعل، واستمرار أسعار الفائدة المرتفعة، وتزايد الرسوم الجمركية.

هل تأتي سياسات ترمب بثمارها؟

أقر ترمب بأن الأميركيين قد يواجهون "بعض الصعوبات" نتيجة الحرب التجارية، لكنه يقول إن المكاسب التي ستحققها أجندته في المدى الطويل ستكون كبيرة. وتشير الحكومة إلى أن الرسوم الجمركية، وتخفيف القيود التنظيمية، والتخفيضات الضريبية التي بدأت مناقشتها في الكونغرس ستشكل معاً حافزاً لانتعاش الاستثمار.

واضح أن السياسة التجارية المتشددة التي تنتهجها الحكومة تؤتي ثمارها؛ فيشير فريق ترمب إلى تعهد "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ"، أكبر شركة لصنع رقائق الذكاء الاصطناعي في العالم، باستثمار 100 مليار دولار إضافية في مصانع في الولايات المتحدة.

ويُعدُّ توفير الطاقة بأسعار منخفضة أحد العناصر الرئيسية في مجموعة السياسات، فهناك دلائل تشير إلى أن ترمب تمكن من إقناع السعودية وروسيا، القوتان النفطيتان، من الاستجابة لدعواته إلى رفع الإنتاج، ما قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار في محطات الوقود، ويوفر قدراً من الراحة للمستهلكين الأميركيين الذين تضرروا من الرسوم الجمركية.

تنوّه ستيفاني روث، كبيرة المحللين الاقتصاديين لدى شركة البحوث "وولف ريسيرش" (Wolfe Research)، بأن الاقتصاد الأميركي طالما أثبت مرونته، وخالف توقعات الركود، مع ذلك، تتزايد الصدمات التي يسببها ترمب. واختتمت: "إذا كنت تخطط لتنفيذ شيء ما يكون له تأثير سلبي شديد على الاقتصاد، فهذا يكفي".

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.