مجموعة العمل المالي "فاتف".. ما هي وكيف تستهدف الأموال القذرة؟

المجموعة تراقب غسل الأموال عالمياً وتصنيفها يؤثر على سمعة الدول واقتصاداتها

time reading iconدقائق القراءة - 7
اجتماع لمجموعة العمل المالي بمشاركة ممثلين من مختلف الدول، حيث يجلس المشاركون حول طاولة مستديرة وأمامهم حواسيب وشاشات كبيرة - بلومبرغ
اجتماع لمجموعة العمل المالي بمشاركة ممثلين من مختلف الدول، حيث يجلس المشاركون حول طاولة مستديرة وأمامهم حواسيب وشاشات كبيرة - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يمتلئ العالم بالأموال القذرة، والمجرمين الذين يواصلون ابتكار طرق جديدة لإخفاء مكاسبهم غير المشروعة في العقارات والأعمال الفنية والأوراق المالية والعملات المشفرة، إضافة إلى الحسابات المصرفية التقليدية. وبينما تقع مسؤولية رصد أحدث الأساليب المستخدمة في التحويلات الرقمية والشركات الوهمية الخارجية على عاتق الجهات التنظيمية المالية في كل دولة، فإن هناك منظمة دولية غامضة بدأت تكتسب نفوذاً متزايداً في هذا المجال.

لأكثر من ثلاثة عقود، تصدت مجموعة العمل المالي (Financial Action Task Force)، ومقرها باريس، للتحديات المتعلقة بالتمويل غير المشروع. فقد كان مجرد التهديد بإدراج دولة ما في قائمة مراقبة المجموعة كافياً لحث بعض الحكومات على اتخاذ إجراءات تصحيحية، كما فعلت الفلبين بعد أن أصدرت مجموعة العمل المالي تقريراً يسلط الضوء على أوجه القصور لديها في مكافحة غسل الأموال.

ما هي مجموعة العمل المالي "فاتف"؟

هي منظمة حكومية دولية معنية بوضع معايير تهدف إلى مكافحة غسل الأموال. وتأسست المنظمة خلال قمة مجموعة السبع الصناعية عام 1989 بهدف حماية أنظمتها المالية من الأنشطة الإجرامية، مثل الاتجار بالمخدرات.

كما تشتهر بكونها الجهة التي أسست قواعد "اعرف عميلك"، والتي تُلزم المؤسسات المالية بالتحقق من الهويات الحقيقية لأصحاب الحسابات. وأصبحت هذه القواعد الآن شائعة في البنوك وشركات الاستثمار وشركات معالجة المدفوعات.

اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يؤسس هيئة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب

كما وضعت المجموعة مبادئ توجيهية للقوانين الوطنية حول كيفية إدارة بيانات الحسابات المصرفية. وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، طورت المجموعة معايير لمكافحة تمويل الإرهاب. وتضم المنظمة ما يقل قليلاً عن 40 عضواً، من بينهم دول مجموعة السبع والصين واقتصادات ناشئة في مناطق تمتد من أميركا الجنوبية إلى أفريقيا.

لماذا تُعد مجموعة العمل المالي مهمة؟

تُؤخذ توصيات مجموعة العمل المالي على محمل الجد، إذ لا ترغب أي دولة في أن يتم تصنيفها كدولة تعاني من أوجه قصور قد تضر بسمعة نظامها المصرفي، أو الأسوأ، أن تُدرج ضمن قائمة الدول المتأخرة في الامتثال.

تدرج المجموعة كلاً من كوريا الشمالية وإيران وميانمار ضمن أسوأ فئات تصنيفاتها، فيما تصنف دولاً مثل جنوب أفريقيا وموناكو وفنزويلا ضمن "الولايات القضائية الخاضعة للمراقبة"، وهي دول تعمل على تحسين أنظمتها المالية بالتعاون مع المنظمة.

إضافة إلى ذلك، تخشى العديد من الدول التدقيق الذي يجريه المدعون العامون والجهات التنظيمية في الولايات المتحدة، والذين يُعتبرون قوة مؤثرة في مجموعة العمل المالي، حيث فرضوا غرامات بمليارات الدولارات على مؤسسات مالية أجنبية وهددوا بالملاحقة الجنائية لإخفاقها في منع الأنشطة المالية غير المشروعة. ولهذا السبب، غالباً ما يهرع المسؤولون الحكوميون إلى اتخاذ إجراءات تصحيحية عند اقتراب موعد التدقيق من جانب مجموعة العمل المالي.

ماذا حدث مع الفلبين؟

منذ إدراج الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا على القائمة الرمادية في يونيو 2021، اتخذت الحكومة إجراءات لتعزيز إشرافها على مكافحة غسل الأموال القائم على المخاطر، إلى جانب التصدي لتمويل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل. وشنت السلطات الفلبينية مؤخراً حملة ضد الكازينوهات الإلكترونية التي تستهدف العملاء الصينيين، والتي قال الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور إنها متورطة في عمليات غسل الأموال والاحتيال المالي. وفي الوقت نفسه، تحرك البنك المركزي لتعزيز فعالية العقوبات المالية المستهدفة.

ماذا يعني الإدراج في القائمة الرمادية؟

يشير هذا التصنيف إلى أن الدولة تخضع لمراقبة مشددة نتيجة قصور في جهودها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مما قد يجعل المستثمرين الأجانب أكثر حذراً بشأن ممارسة الأعمال التجارية هناك. ووجد تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي عام 2021 أن إدراج دولة ضمن القائمة الرمادية يؤدي في المتوسط إلى تراجع تدفقات رؤوس الأموال الواردة إلى هذه الدولة بنسبة 7.6% من ناتجها المحلي الإجمالي.

هل تتقدم مجموعة العمل المالي في مكافحة غسل الأموال؟

على الرغم من إشادة الخبراء بجهود مجموعة العمل المالي، إلا أن العديد منهم يرون أن نتائجها، التي تركز على الامتثال الفني، قد لا تعكس الواقع الفعلي على الأرض.

اقرأ أيضاً: فرنسا تشدد تحقيقات غسل الأموال في منصة "بينانس"

حصلت المملكة المتحدة على تقييم مرتفع لعام 2018، لكن منظمات مكافحة الفساد مثل "غلوبال ويتنس" (Global Witness) تشير إلى أن الطغاة الفاسدين والأوليغارشية لا يزالون يستغلون النظام المالي البريطاني على نطاق واسع. وفي عام 2019، تتبعت منظمة الشفافية الدولية في المملكة المتحدة تدفقات مشبوهة بقيمة 418 مليار دولار تم تمريرها عبر عشرات البنوك وشركات المحاماة والعقارات والمدارس الخاصة المرموقة مثل مدرسة هارو (Harrow School). ورغم تجميد المدعين العامين البريطانيين لأصول بعض المشتبه بهم في قضايا غسل الأموال، إلا أن معدلات الإدانات في القضايا البارزة لا تزال منخفضة، وفقاً لخبراء مكافحة الفساد.

ورغم صعوبة تحديد الحجم الحقيقي للأموال التي يتم غسلها، قدر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن الحجم العالمي لهذه الأموال يتراوح بين 2% و5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي ما يعادل 800 مليار دولار إلى تريليوني دولار سنوياً.

ووصف ديفيد لويس، الذي استقال من منصبه كرئيس لمجموعة العمل المالي في عام 2022، الجهود المبذولة لمكافحة غسل الأموال بأنها غير كافية.

هل تمتلك مجموعة العمل المالي سلطة حقيقية؟

نعم، إلى حد ما، إذ يمكن أن يكون التقرير السلبي الصادر عن مجموعة العمل المالي بمثابة دعوة للعمل.

فعلى سبيل المثال، تعرضت هولندا لانتقادات من المجموعة عام 2015 بسبب تقصيرها في إلزام البنوك بالتحقق من هوية أصحاب الحسابات. ومنذ ذلك الحين، أجرت الحكومة الهولندية والبنك المركزي سلسلة من التغييرات، شملت الموافقة على فرض غرامات على البنوك يمكن أن تصل إلى خُمس إيراداتها السنوية، أي ضعف الحد الذي يفرضه قانون الاتحاد الأوروبي لمكافحة غسل الأموال.

اقرأ أيضاً: العراق يتقدم بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.. لكن الثغرات قائمة

مع ذلك، لا تزال مسؤولية تبني وتنفيذ تدابير مكافحة غسل الأموال تقع على عاتق مجموعة من الجهات التنظيمية الوطنية وسلطات إنفاذ القانون المحلية التي تطبق القوانين والمعايير بشكل مختلف. وبعد سلسلة فضائح هزت البنوك الإسكندنافية بسبب تعاملها مع الأموال القذرة في دول البلطيق، تحركت دول الاتحاد الأوروبي لإنشاء هيئة جديدة تتمتع بصلاحيات واسعة لمكافحة التمويل غير المشروع في دول التكتل.

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.