
وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً تنفيذياً يقضي بإنشاء صندوق ثروة سيادي تابع للولايات المتحدة، ملمحاً إلى إمكانية شرائه تطبيق "تيك توك" إذا حصلت الولايات المتحدة على "صفقة جيدة".
إنشاء الصندوق سيكون خلال 12 شهراً، بحسب تصريحات وزير الخزانة سكوت بيسنت، الذي كلفه ترمب مع المرشح لمنصب وزير التجارة هوارد لوتنيك، بقيادة جهود إنشاء الصندوق.
لا يملك ترمب بعد التفاصيل بشأن الصندوق لتقديمها، بما في ذلك مصادر الأموال التي سيستخدمها وأي قطاعات يستهدفها، أو حتى الجهة التي ستشرف عليه، وما إذا كان إنشاء هذا الصندوق سيتطلب موافقة من الكونغرس، مكتفياً بالقول: "لدينا إمكانات هائلة".
ظهر هذا الأمر من خلال نص القرار، إذ يطالب الأمر التنفيذي الذي وقعه ترمب المسؤولين بأن يتم تقديم خطة خلال 90 يوماً لإنشاء الصندوق، بما في ذلك التوصيات بشأن التمويل واستراتيجيات الاستثمار وهيكل الصندوق والحوكمة. كما يطالب بتقييم الاعتبارات القانونية لإنشاء الصندوق وإدارته، بما في ذلك ما إذا كان يحتاج إلى تشريع.
رأى أحمد معطي المدير التنفيذي لشركة "في آي ماركتس" (VI markets) أن "ترمب كعادته لم يقدم أي تفاصيل عن المشروع"، مضيفاً أن هناك العديد من علامات الاستفهام بشأن هذا الصندوق، منها طريقة تمويله في ظل انتقادات ترمب المتكررة للإنفاق الهائل والعجز التجاري لبلاده مع الدول الأخرى.
اقرأ أيضاً: ترمب يؤجل فرض رسوم جمركية على كندا لمدة شهر
يسود اعتقاد في السوق بأن الرئيس الأميركي يقوم بإعلان أمور كبرى من دون تفاصيل، بهدف قياس تفاعل الأسواق مع إعلاناته قبل أن تصبح أمراً واقعاً، وتعديل قراراته بما يتناسب مع ردة الفعل.
فوائد اقتصادية
نظراً إلى أن الصناديق السيادية غالباً ما تقوم بالاستثمار في الأسهم، العقارات، السندات، والاستثمارات البديلة على مستوى العالم، وحتى تمويل شركات القطاع الخاص، فإن هذا الواقع يجعلها معرضة لاحتمال الربح والخسارة.
تشير دراسة أعدتها شركة "ستايت ستريت" الاستشارية إلى أن متوسط العائد على مدى عشر سنوات (بين 2012 و2022) لصناديق الثروة السيادية كان 6.1%. البيانات تشير أيضاً إلى أن عام 2022 كان أول سنة منذ 2008 تسجل فيها صناديق الثروة السيادية عائداً سلبياً في المتوسط، ولكنها رغم ذلك تفوقت على المؤشرات التقليدية.
اقرأ أيضاً: من يدير ماكينة صفقات قيمتها 330 مليار دولار في أبوظبي؟
هذه العوائد قد تكون سبباً دفع ترمب لإنشاء صندوق سيادي، إذ اعتبر خوسيه توريس خبير اقتصادي أول في "إنتر أكتيف بروكرز"( Interactive Brokers)، أن الرئيس الأميركي يتبع "صفحة من كتاب صناديق الثروة السيادية الأجنبية، وهو يعتقد أن هذه الصناديق والدول من ورائها، تحقق فوائد لمواطنيها لا يحققها الأميركيون، ولذلك يريد إدخال بلاده إلى هذا الملعب، وتقديم هذه الخدمات إلى الشعب الأميركي".
وأضاف في تصريح لـ"الشرق"، أن ترمب يبحث في الأساس عن "تقديم قيمة ومكاسب للشعب الأميركي"، و"تحسين الآفاق الاقتصادية، من خلال السماح للمواطنين بالاستفادة من خلق الثروة، وهذا من شأنه أن يعزز المدخرات إذا تم توزيعها بشكل صحيح، ودعم الإنفاق الاستهلاكي" الذي يُعتبر أساساً لنمو الاقتصاد الأميركي.
أهداف متوقعة للصندوق
رغم أن التفاصيل شحيحة بشأن هذا الصندوق، إلا أن توريس رجح أن يتم تمويل هذا الصندوق من خلال التعريفات الجمركية، أو ضرائب الدخل الفيدرالية، معتبراً أن الصندوق قد يستثمر في قطاعات مثل التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي، الرعاية الصحية، والطاقة.
بيسنت لمح إلى هذا الأمر خلال تصريحاته، مشيراً إلى أن الإدارة "ستقوم بتحويل جانب الأصول من الميزانية العمومية إلى أموال للشعب الأميركي". وأضاف: "سيكون ذلك مزيجاً من الأصول السائلة، والأصول التي لدينا في هذا البلد، ونحن نعمل على تقديمها للشعب الأميركي".
من جهته، رأى معطي أن الهدف الرئيسي يتمثل في "شراء أصول من الصين وتحديداً تيك توك في المرحلة الأولى" خصوصاً بعدما لمح ترمب إلى هذه الفرضية عند إعلانه عن الصندوق. معطي رأى أن الصندوق قد يتوسع للاستثمار في قطاعي "التكنولوجيا والطاقة".
اقرأ ايضاً: صناديق ثروة خليجية عينها على صفقات أميركية جديدة بزخم من تحالف ماسك-ترمب
في سبتمبر الماضي، طرح ترمب فكرة إنشاء صندوق سيادي خلال خطاب ألقاه في النادي الاقتصادي في نيويورك، حيث اقترح توجيه أموال الرسوم الجمركية إلى الصندوق، لتمكينه من الاستثمار في مراكز التصنيع والدفاع والبحوث الطبية.
خفض الإنفاق وإنشاء الصندوق
غالباً ما تلجأ الدول الغنية إلى إنشاء صناديق ثروة سيادية لإدارة الفائض بهدف توليد عائدات أكبر يمكن استخدامها في دعم الاقتصاد. ولكن الولايات المتحدة لم تحقق أي فائض في الموازنة الفيدرالية منذ نحو 50 سنة، كان آخرها في عام 2001.
العجز شبه الدائم في الموازنة، دفع بالرئيس الأميركي إلى التعهد بخفض الإنفاق، وإنشاء إدارة الكفاءة الحكومية بقيادة أبرز داعميه إيلون ماسك، للمساعدة في الوصول إلى هذا الهدف، ما يطرح تساؤلاً جديداً بشأن طرق تمويل هذا الصندوق في ظل خفض الإنفاق.
توريس أشار في هذا السياق، إلى أن خفض الإنفاق وإنشاء الصندوق يمكن تحقيقهما سوية، إذ إن "الميزانية الفيدرالية ضخمة جداً، ويمكن لصندوق الثروة أن يبدأ برأسمال صغير. وإذا تجاوزت العائدات متوسط تكلفة رأس المال على ديون الخزانة في الأمد البعيد، فإن هذه الخطوة ستكون مبررة من وجهة نظر الميزانية".
اقرأ أيضاً: سلسلة إصلاحات متزامنة تهز العالم الهادئ لصناديق الثروة الخليجية
نماذج موجودة
اللافت أن إنشاء صندوق سيادي أميركي يُعد من الأمور النادرة التي اتفق عليها ترمب مع الرئيس السابق جو بايدن، إذ أشارت "بلومبرغ" في سبتمبر من العام الماضي، إلى أن كبار مساعدي بايدن ومن بينهم مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ونائبه داليب سينغ، عملوا على تطوير مشروع إنشاء هذا الصندوق، ولكن ولاية بايدن انتهت قبل أن تترجم المحاولات إلى خطوات عملية.
رغم أن الولايات المتحدة ليس لديها صندوق ثروة سيادي، إلا أن بعض الولايات الأميركية لديها نماذج مشابهة.
وأفادت "بلومبرغ" بأن هناك 20 ولاية أميركية لديها صناديق ثروة سيادية ممولة عموماً من السلع الأساسية والأراضي. ويمكن لهذه الصناديق أن تكون نموذجاً يمكن لإدارة ترمب البناء عليه.
أكبر هذه الصناديق في ولاية ألاسكا، والذي انطلق في عام 1976، ويسيطر حالياً على أصول بقيمة 82 مليار دولار.
كما تملك ولاية نورث داكوتا صندوقاً يسيطر على أصول بقيمة 11.5 مليار دولار، وتم إنشاؤه في 2010. تودع الولاية 30% من عائدات ضريبة النفط والغاز في الصندوق شهرياً. وخلال أي دورة ميزانية مدتها عامان، يمكن للولاية الوصول إلى 5% من الأموال، للمساعدة في تمويل المشاريع وتوفير الإعفاء الضريبي.
مكن الصندوق الولاية من الإعلان عن خطة في أواخر الشهر الماضي، تهدف للتخلص التدريجي من ضرائب الممتلكات لأصحاب المنازل على مدى العقد المقبل.
أكبر 10 صناديق
يوجد 206 صناديق ثروة سيادية في 86 دولة حول العالم، بأصول تتجاوز قمتها 11 تريليون دولار، كما في فبراير 2023.
يتصدر "الصندوق التقاعدي النرويجي" العالمي قائمة أكبر الصناديق السيادية من حيث حجم الأصول، إذ تُقدر بنحو 1.738 تريليون دولار، يليه "صندوق الاستثمار الصيني" بأصول تبلغ حوالي 1.332 تريليون دولار، ثم "سايف إنفستمنت كومباني" بأصول تبلغ قيمتها نحو 1.09 تريليون دولار.
اقرأ أيضاً: صناديق الخليج السيادية تهيمن على إبرام الصفقات عالمياً
في الشرق الأوسط، يسيطر "جهاز أبوظبي للاستثمار" و"الهيئة العامة للاستثمار الكويتية" على أصول تتجاوز التريليون دولار لكل منهما، في حين أن الأصول التي يديرها صندوق الاستثمارات العامة السعودي تصل إلى 925 مليار دولار، ما يضعه في المركز السادس عالمياً.
يسيطر صندوق "جي آي سي برايفت ليميتد" على أصول تبلغ 800 مليار دولار، في حين تبلغ أصول صندوق "بادان بينغيلولا إنفيستاسي دايا أناغاتا نوسانتارا" الإندونيسي نحو 600 مليار دولار. أما "هيئة قطر للاستثمار" و"محفظة الاستثمار لهيئة النقد في هونغ كونغ" فتسيطران على أصول قيمتها 526 مليار دولار و513.3 مليار دولار على التوالي.