
مع ارتفاع أسهم شركات التقنية والعملات المشفرة، تنشأ ثروات جديدة كثيرة لدرجة أننا ننسى أحياناً أن نصف تريليون دولار بأنه مبلغ ضخم، حتى في عالم رأس المال الاستثماري، حيث بات مألوفاً أن يكون المرء مليارديراً.
إننا نشهد طرح أرقام فلكية. لقد أعلن الرئيس دونالد ترمب الأسبوع الماضي عن مبادرتين استثماريتين رئيسيتين في الولايات المتحدة. المبادرة الأولى هي مشروع "ستارغيت" (Stargate) المشترك بين ”سوفت بنك“ و“أوبن إيه آي“ و“أوراكل“، والذي سيستثمر في البداية 100 مليار دولار لإنشاء بنية تحتية تشمل مراكز بيانات لصالح ”أوبن إيه آي“، ويهدف لتسخير "ما لا يقل عن" 500 مليار دولار في المستقبل.
ترمب يعلن عن "Stargate" أكبر مشروع لبنية الذكاء الاصطناعي التحتية
السعودية تسعى لزيادة استثماراتها وتجارتها مع أميركا بـ600 مليار دولار
في غضون ذلك، قال ترمب في كلمة عن بعد في المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس السويسرية إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يستطيع أن ”يجبر كسر“ مبلغ 600 مليار دولار وعد به كاستثمارات إضافية وتجارة مع الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة ليصبح تريليون دولار.
دروس من تجربة الصين
إن وضعنا جانباً مسألة حيازة ”سوفت بنك“ أو ”أوراكل“ أو حتى المملكة العربية السعودية للمال، فإن إقحام مليارات الدولارات في قطاعات التقنية المتقدمة والتصنيع قد يؤدي إلى تنافس خفِي وقصور في الكفاءة، من قبيل الدخول في استثمارات مكررة أو أن تصبح أموالاً لا مكاسب منها.
كانت آخر مرة أقدمت فيها دولة على مناورات كبرى كهذه بين 2015 و2018، عندما دفعت بكين مبادرة "صنع في الصين 2025" عبر ما يسمى "صناديق التوجيه". تعمل مجموعات الاستثمار المدعومة من الدولة هذه مثل رأس المال الجريء، وهذا ليس بعيداً عمّا تفعله المملكة العربية السعودية مع أداة ثروتها السيادية، صندوق الاستثمارات العامة. إنهم يوجهون الأموال إلى مجالات استراتيجية، مثل أشباه الموصلات والطاقة الجديدة والطب الحيوي.
لقد انخرطت في هذا جميع مستويات الإدارة الصينية، من الحكومة المركزية إلى الحكومات على مستوى المقاطعات. بحلول نهاية 2023، كانت الصين قد أنشأت أكثر من 2000 صندوق توجيهي بحجم مستهدف إجمالي يبلغ 12.2 تريليون يوان (1.7 تريليون دولار)، وبلغ رأس المال الذي جمعته 7.1 تريليون يوان، وفقاً لشركة ”زيرو تو آي بي أو“ (Zero2ipo)، وهي منصة خدمات استثمارية.
تباطأت وتيرة جمع الأموال بحدة بعد 2018 عندما بدأت تظهر المشاكل. أولاً، كان كثير من رأس المال يتجه نحو نفس الأسماء التجارية القليلة بدل أن يدعم الشركات الناشئة الأحدث. على سبيل المثال، في عملية تدقيق مالية، تساءل مجلس الدولة عن سبب استثمار كل من صندوق رأس المال الاستثماري الوطني للصناعات الناشئة وحجمه 40 مليار يوان، وصندوق الاستثمار في الصناعات التحويلية المتقدمة وحجمه 20 مليار يوان، لمليارات الدولارات في شركة واحدة هي ”بي واي دي“ (BYD) لصناعة السيارات الكهربائية.
ترمب يسير على خطى الصين؟
إصرار ترمب على أن يتم توجيه الاستثمارات داخل الولايات المتحدة يذكرنا بالتجربة الصينية أيضاً. في البداية، عندما كان الصندوق التوجيهي البلدي يستثمر 100 مليون دولار في صندوق رأس مال جريء، كان يلزم مدير المحفظة إنفاق ما بين 150 مليون إلى 300 مليون دولار في أعمال تجارية محلية أو في شركات مستعدة لنقل مقراتها أو بناء مصانع في تلك المنطقة. لكن هذا أدى إلى نزاعات بين المستثمرين، وقلّص حجم الأموال المستثمرة فعلياً. واليوم، خففت بعض الصناديق الإقليمية من قيودها، بحيث تطلب فقط أن يتم إنفاق 40% من أموالها محلياً، انخفاضاً حاداً عن المتطلبات التي كانت سائدة قبل عق.
خطة "صنع في الصين" تعود وقد نضجت
بطريقة ما، لا يختلف المليارديرات عن زعماء الحزب الشيوعي في بلديات الصين؛ فهم ذوو غرور كبير ولهم مشاريعهم المفضلة. الآن، أصبحت عشرات المدن الصينية موطناً لمجمعات صناعية للرقائق الإلكترونية، على الرغم من أن العديد منها صغير الحجم وغير فعال. فهل سنشهد مشهداً مشابهاً في الولايات المتحدة؟
هل هي وعود حقيقية؟
بطبيعة الحال، قد تكون بعض المليارات المطروحة مجرد كلمات جوفاء لإرضاء عتوّ ترمب، الذي لا يتردد في التهديد بفرض رسوم جمركية وعقوبات لتحقيق أهدافه.
على سبيل المثال، تريد السعودية استخدام صندوقها السيادي البالغ 925 مليار دولار لحث شركات محفظتها الاستثمارية على الاستثمار داخل المملكة بدلاً من التوجه إلى أسواق أخرى. في عام 2023، شكل صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر 1.2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل بكثير من الهدف البالغ 5.7% الذي حدده ولي العهد ضمن رؤية 2030. في الواقع، تقلصت محفظة الأسهم الأمريكية للصندوق السيادي السعودي العام الماضي، بعدما باع أسهماً في 18 شركة مع بداية 2024، ”غلوبال إس دبليو إف“ (Global SWF).
فالتفاخر والتسرع قد يؤديان إلى إهدار وفوضى. وربما يجدر بترمب ومستشاريه التعلم من تجربة الرئيس الصيني شي جين بينغ مع صناديقه التوجيهية التريليونية قبل المضي قدماً في خططهم الاقتصادية العملاقة.