بلومبرغ
بقلم: زياد داود
خمسة محاور سترسم ملامح اقتصادات الشرق الأوسط هذا العام؛ تأثير الوضع الجيوسياسي على إمدادات النفط الخام، واعتماد السعودية المتزايد على النفط، ومخاطر انعدام الاستقرار السياسي في المنطقة، وأداء الاقتصاد المصري في فترة ما بعد الأزمة، والتعافي المحتمل في سوريا، ولبنان التي ارتفعت سنداتها أكثر من 180% منذ فبراير الماضي.
نناقش هنا هذه المحاور الخمسة، وكيف ستشكل علاقة المنطقة بالعالم في الأشهر المقبلة.
1. الوضع الجيوسياسي وأسعار النفط
حدثت مفاجأتان خلال الحرب بالشرق الأوسط في 2024: أولاهما اتساع نطاقها خارج غزة، والثانية أن اتساعها لم يتسبب في تعطيل إمدادات النفط من المنطقة، ما جنب الاقتصاد العالمي تبعات تلك الحرب.
لكن هذا قد يتغير!. توعدت إدارة ترمب القادمة بالعودة إلى ممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران. أدت إعادة فرض العقوبات في عام 2018 إلى انخفاض إنتاج طهران من النفط الخام. وقد يتسبب تكرار ذلك، إلى جانب العقوبات المفروضة على روسيا مؤخراً، في استنزاف فائض الإمدادات الذي تتوقعه وكالة الطاقة الدولية.
عقوبات ترمب على إيران ليست التهديد الوحيد لتدفقات النفط الإقليمية، فتصاعد الأعمال العدائية بين إيران وإسرائيل من شأنه أن يجعل الحرب تقترب من حقول تنتج حالياً ما يقرب من ربع إمدادات النفط العالمية وتحتفظ بقدر كبير من فائض الطاقة الإنتاجية في العالم، وإن كان هذا الخطر يبدو مستبعداً بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
2. اعتماد السعودية على النفط
بغض النظر عن طريقة قياسه، فاعتماد المملكة العربية السعودية على النفط حالياً أعلى من أي وقت مضى. تحتاج الحكومة إلى أن يكون سعر برميل نفط عند 100 دولار تقريباً لتمويل الإنفاق، وهو مستوى لم نشهده منذ عام 2016 على الأقل. فيما تحتاج المملكة إلى أن يكون السعر عند 80 دولاراً لتغطية الواردات والتحويلات المالية، وهو أعلى سعر منذ عام 2012 على الأقل.
هناك عاملان قد يقللان من هذا الاعتماد؛ خطط الحكومة لتقليص الإنفاق هذا العام، وقيام أوبك+ برفع إنتاجها، ما سيسمح للرياض بتحصيل المزيد من الإيرادات بنفس سعر برميل النفط.
لكن، إذا لم يحدث ذلك، وانخفض النفط إلى ما دون مستويات العام الماضي، كما تتوقع الأسواق، فسنرى عاماً آخر تجمع فيه السعودية تمويلات ضخمة. قد يشمل هذا إصدارات الديون وبيع الأصول من قبل الحكومة، وكذلك من صندوق الاستثمارات العامة وكيانات أخرى مملوكة للدولة.
3. عدم الاستقرار السياسي في المنطقة
كان سقوط الحكومة السورية في ديسمبر إحدى المفاجآت الكبرى في عام 2024، وأدى هذا إلى زيادة مخاطر عدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط. وهناك أربعة عوامل تلعب دوراً في هذا الشأن:
• السخط الشعبي القائم بالفعل؛ فقد شهدت كل الدول العربية احتجاجات شعبية منذ عام 2011.
• تراجع الاقتصاد. في كثير من البلدان، انخفض نصيب الفرد من الدخل على مدى العقد الماضي.
• الغضب من الحروب. أدت الصراعات في غزة ولبنان إلى تأجيج الغضب في الشوارع العربية.
• تمدد تأثير الوضع في سوريا. تاريخياً، تغيير النظام في بلد يتوسع ليحدث في بلاد مجاورة.
4. مصر واقتصاد ما بعد الأزمة
قبل عام، واجهت مصر نقصاً حاداً في الدولار، ثم جاء طوق النجاة؛ 35 مليار دولار استثمارات ضختها الإمارات العربية المتحدة، ليتبعها مباشرة اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وقد عزز تزايد الدعم الخارجي احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي، وعادت الأموال الساخنة.
لكن هذا كان له ثمن. انخفضت قيمة العملة المصرية حوالي 40% مقابل الدولار منذ مارس، وخفضت الحكومة دعمها للوقود والكهرباء والخبز، وارتفعت معدلات التضخم.
إذا سارت الأمور على ما يرام، فمن المتوقع أن تتراجع زيادة الأسعار بعد مارس، مع تقلص تأثيرات خفض قيمة العملة على أرقام التضخم السنوية، وستستمر الأموال في التدفق. رغم ذلك، فالصراعات الإقليمية التي أدت إلى انخفاض كبير في دخل قناة السويس، وعدم الاستقرار السياسي، وارتفاع العائدات العالمية جميعها تشكل مخاطر.
5. تعافي لبنان وسوريا
تبدو الأسواق المالية متفائلة بشأن لبنان وسوريا. تشهد سندات لبنان، المتعثرة عن السداد منذ عام 2020، ارتفاعاً، خاصة بعد انتخاب رئيس للبلاد. كما ارتفعت قيمة العملة السورية حوالي 20% مقابل الدولار في السوق السوداء منذ نوفمبر.
لا تزال هناك عقبات؛ فالطبقة السياسية في لبنان، التي كانت السبب وراء التخلف عن سداد الديون والأزمة الاقتصادية، لا تزال موجودة إلى حد كبير. وبالنسبة لسوريا، هناك أوجه تشابه كثيرة مع ليبيا، التي تعاني انعداماً في الديمقراطية والاستقرار منذ عام 2011، وتزيد المخاطر بسبب الصراع الإقليمي الذي تورطت فيه البلدان بشكل مباشر.