سياسات الأسواق الناشئة المالية ترغم بنوكها المركزية على حماية العملات المحلية

صندوق النقد ينبه لارتفاع مستويات الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في مختلف الاقتصادات الناشئة الرئيسية

time reading iconدقائق القراءة - 7
صورة ملك تايلندا ماها فاجير الونجكورن على أوراق البات التايلندي - بلومبرغ
صورة ملك تايلندا ماها فاجير الونجكورن على أوراق البات التايلندي - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

باتت البنوك المركزية في الأسواق الناشئة خط الدفاع الأول لحماية العملات المحلية التي تتعرض لضغوط بسبب الهجمات المضاربية والعجوزات المالية.

التدخل الأخير من البنوك المركزية في أميركا اللاتينية في أسواق العملات يظهر أن معركتها مع التدفقات المالية السريعة ستستمر ما لم تضبط الحكومات إنفاقها. أما في آسيا، فقد لجأ بنك الشعب الصيني إلى أدوات جديدة للدفاع عن اليوان، مع ضعف النمو الاقتصادي وخيبة الأمل من الحوافز المالية، إلى جانب تهديدات التعريفات الأميركية التي فاقمت من ضعف العملة.

"التدخل في العملات من قبل البنوك المركزية ليس أداة قادرة على الدفاع عن العملات الإقليمية بشكل فعال أو مستدام"، بحسب  بريندان ماكينا، خبير اقتصادي في الأسواق الناشئة واستراتيجي العملات الأجنبية في "ويلز فارغو" في نيويورك. وأضاف أن العودة إلى الانضباط المالي ستكون الطريقة الأكثر فعالية لتحقيق استقرار العملات.

تحديات نقدية

ارتفاع الدولار بسبب قوة الاقتصاد الأميركي والتوقعات بخفض محدود لأسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، جعلا البنوك المركزية حول العالم في حالة تأهب للدفاع عن عملاتها، ومنع خروج رؤوس الأموال. ومع ذلك، تواجه حكومات الأسواق الناشئة قيوداً تمنعها من استخدام مزيد من الأدوات المالية لدعم النمو، بسبب ارتفاع مستويات ديونها بعد جائحة كورونا.

يبقي بنك الشعب الصيني سيطرته على اليوان من خلال تحديد سعر مرجعي يومي، يتحرك اليوان في نطاق 2% مقابل الدولار. كما يخطط البنك لبيع سندات في هونغ كونغ لتقليل السيولة خارج الصين، وزيادة الطلب على العملة. ولكن هذه الإجراءات بالكاد تخفف من الرهانات السلبية، حيث تظل قيمة اليوان داخل الصين قرب الحد الأدنى المسموح به للتداول.

أما في إندونيسيا، يخطط البنك المركزي لمساعدة الحكومة على إعادة تمويل ديون تعود لفترة الجائحة. وفي البرازيل، قاد البنك المركزي تدخلاً تاريخياً للدفاع عن الريال، الذي تراجع إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار في ديسمبر بسبب العجز الكبير في الميزانية. وفي كولومبيا، فاجأت السلطات النقدية الأسواق بتباطؤ سياستها التيسيرية بسبب حالة عدم اليقين حول الوضع المالي للحكومة.

لكن هذه الإجراءات قد تؤدي فقط إلى إبطاء التأثير المحتوم على العملات، حيث لا يزال المستثمرون مترددين في الشراء عند التراجعات، ما لم يكن هناك تحسن ملموس في الأساسيات الاقتصادية، وهو ما يتطلب بشكل رئيسي إصلاحات مالية كبيرة.

تحركات المركزي الصيني

تخضع معركة الصين مع المضاربين لمراقبة دقيقة باعتبارها العمود الفقري لآسيا الناشئة.

في أحدث إجراءاته، أوقف بنك الشعب الصيني شراء السندات الحكومية للحد من تراجع عوائد السندات واليوان. ومع ذلك، يبقى تجار العملات في حالة ترقب لسياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بعد تنصيبه في 20 يناير.

قال هومين لي، كبير الاستراتيجيين الاقتصاديين في "لومبارد أودييه": "نفترض أن بكين سترد على أي إعلان كبير بشأن الرسوم الجمركية من فريق ترمب عبر خفض استثنائي لقيمة عملتها". وأضاف أن هذا التوجه سيمنح اليوان مزيداً من المرونة بعد الخفض، ما يوفر مجالاً أكبر لتخفيف السياسة النقدية لدعم الاقتصاد.

وأكد بنك الشعب الصيني في وقت سابق من هذا الشهر التزامه بخفض أسعار الفائدة ونسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك "في الوقت المناسب". كما صرح وزير المالية الصيني يوم الجمعة بأن البلاد ستتبنى سياسة مالية استباقية وتسرع في تنفيذ التدابير الداعمة للنمو.

وفي الوقت نفسه، توقع استراتيجيون في "بنك أوف أميركا" أن ينخفض اليوان إلى 7.6 مقابل الدولار خلال النصف الأول من العام.

هيمنة المالية العامة

يزداد خطر هيمنة المالية العامة، حيث تؤدي العجوزات الضخمة في الميزانية إلى تحفيز التضخم وتقليل تأثير السياسة النقدية.

في البرازيل، رفع الاقتصاديون الشهر الماضي توقعاتهم للتضخم لعام 2025 إلى مستويات تفوق النطاق المقبول للبنك المركزي. ويتوقع معظم المحللين أن تستمر دورة التشديد النقدي للبنك المركزي البرازيلي حتى منتصف عام 2025.

ومع ذلك، أدى تزايد شكوك المستثمرين بشأن التزام الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بمعالجة العجز الضخم في الميزانية، إلى تدهور كبير في قيمة الريال الشهر الماضي، ما أجبر البنك المركزي على إنفاق حوالي 20 مليار دولار من الاحتياطيات خلال أسبوعين للدفاع عن العملة.

لكن وفقاً لما ذكره بريندان ماكينا من "ويلز فارغو"، فإن استقرار الريال تحقق في النهاية بفضل ضعف الدولار أكثر من تأثير سياسات البنك المركزي البرازيلي. ويتوقع أن يستمر القلق من السيطرة المالية في البرازيل لعدة أشهر على الأقل، وصولاً إلى الانتخابات أواخر عام 2026.

وفي المكسيك وكولومبيا، يمكن أن تؤدي العجوزات المتزايدة في الميزانية إلى خطر فقدان السيطرة على التضخم، رغم أن ارتفاع الأسعار ما زال طفيفاً حتى الآن، وفقاً لماكينا.

الإنفاق المرتفع

أزمة الديون في أميركا اللاتينية في أوائل الثمانينيات والأزمة المالية الآسيوية في أواخر التسعينيات، ساهمتا في تحسين استجابة صانعي السياسات في الأسواق الناشئة للأزمات الاقتصادية.

على سبيل المثال، بدأت البنوك المركزية في أميركا اللاتينية برفع أسعار الفائدة بشكل استباقي منذ عام 2021 لمكافحة التضخم، متقدمة بذلك على نظرائها في الأسواق المتقدمة.

ومع ذلك، فإن عودة الضغوط التضخمية تقف عائقاً أمام خفض أسعار الفائدة، خاصة في وقت تثير فيه النفقات الكبيرة التي تحملتها الحكومات خلال الجائحة مخاوف بشأن الوضع المالي.

وفقاً لأحدث بيانات صندوق النقد الدولي، ارتفع الدين العام في تايلندا إلى 55% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، مقارنة بـ34% في عام 2019. وتشهد دول أخرى مثل الصين وتشيلي وكولومبيا وبولندا اتجاهات مشابهة.

كتب استراتيجيون في "سيتي غروب"، بما في ذلك لويس إي كوستا وروهيت غارج، في مذكرة في ديسمبر: "هيمنة المالية العامة أصبحت موضوعاً مهماً للنقاش بين مستثمري الأسواق الناشئة".

وأضافوا أن البنوك المركزية في دول مثل هنغاريا وبولندا والبرازيل والمكسيك أشارت مؤخراً إلى المخاطر المالية كسبب لاعتماد موقف حذر في سياساتها النقدية.

تصنيفات

قصص قد تهمك