الشرق
خفضت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني توقعاتها لنمو الاقتصاد المصري للسنة المالية الحالية من 4.2% إلى 3.7%، نتيجة للأداء الأضعف من المتوقع في الربع الأخير من السنة المالية السابقة، واستمرار تراجع حركة الملاحة في قناة السويس، ووسط تحديات جيوسياسية، وضغوط اقتصادية داخلية مستمرة.
التوقعات المحدثة المنشورة في تقرير حديث للوكالة استندت إلى تراجع الزخم الاقتصادي في الربع الأخير من السنة المالية الماضية المنتهية في 30 يونيو 2024، حيث انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 2.4%، وهو أقل بكثير من التقديرات الحكومية الأولية التي بلغت 4%. وكانت العوامل الرئيسية وراء هذا الانخفاض استمرار تراجع حركة الملاحة في البحر الأحمر نتيجة الصراعات الإقليمية، مما أثر بشكل مباشر على قناة السويس، التي تعد مصدر دخل أساسي للاقتصاد المصري.
هبطت إيرادات قناة السويس خلال الربع الثاني من العام الحالي إلى أدنى مستوى فصلي لها منذ 19 عاماً، حسبما أظهرت بيانات ميزان المدفوعات للبنك المركزي المصري. بلغت إيرادات القناة حوالي 870 مليون دولار في الربع الثاني، في تراجعٍ بنحو 65% مقارنةً بإيرادات الفترة نفسها من 2023، على خلفية تراجع عدد السفن العابرة للقناة إلى النصف تقريباً.
تفاؤل حذر
على الرغم من التحديات الحالية، أبدت "فيتش" تفاؤلاً حذراً بشأن آفاق الاقتصاد المصري على المدى المتوسط. إذ توقعت أن يرتفع النمو إلى 5.1% في السنة المالية 2026/2025، مدعوماً بسيناريو عودة الملاحة في البحر الأحمر إلى طبيعتها وتحسن أداء قطاع الخدمات، بالإضافة إلى انخفاض حدة التوترات الجيوسياسية وتكاليف الاقتراض واللذين سيؤديان إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز النشاط المحلي.
أظهر قطاع السياحة مرونة رغم الصراعات الإقليمية، إذ استقبلت مصر 7.1 مليون سائح في النصف الأول من 2024، وهو عدد مماثل تقريباً لما تحقق في 2023. كما يُتوقع أن تنمو الصادرات غير النفطية، مستفيدة من انخفاض قيمة العملة الذي عزز تنافسية مصر، وفق "فيتش".
تراجعت قيمة العملة المصرية لتتخطى حاجز 50 جنيهاً مقابل الدولار مسجلة أدنى مستوياتها على الإطلاق، ما يسلط الأضواء على مدى مرونة سعر الصرف التي تشكل إحدى ركائز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. كان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قال إن تحرك العملة صعوداً ونزولاً في حدود 5% أمر طبيعي وفق حركة الطلب على الدولار مرجحاً استمرار تلك الحركة في الفترة المقبلة.
توقعات التضخم
تتوقع "فيتش" تراجع التضخم إلى 16% في فبراير من العام القادم نتيجة لتأثيرات سنة الأساس. لكنها أشارت إلى أن الزيادات المؤقتة الناجمة عن الزيادات في أسعار الوقود والكهرباء ستبقيه فوق النطاق المستهدف للبنك المركزي المصري والذي يتراوح بين 5% و9%، وهو ما دفعها لخفض توقعاتها لإجمالي التيسير النقدي المتوقع في 2025 من 1200 نقطة أساس إلى 900 نقطة أساس.
وتيرة التضخم في مدن مصر تباطأت في نوفمبر لتسجل أدنى مستوى لها منذ نهاية 2022 لتصل إلى 25.5% على أساس سنوي، مقارنةً مع 26.5% في أكتوبر، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ومن جهة أخرى، توقع التقرير تقلص عجز الحساب الجاري لمصر من 6.8% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2024/2023 إلى 4.8% في السنة المالية الحالية، وإلى 3.8% في السنة المالية 2026/2025.
تواجه مصر مدفوعات ديون مستحقة تصل إلى 15 مليار دولار على مدى العامين المقبلين، بحسب "فيتش" التى رجحت أن يتم تغطيتها عبر إصدار الديون والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
يرجع توسّع عجز الميزان التجاري إلى انخفاض إنتاج النفط والغاز في مصر على خلفية تقادم الحقول وتأخر الاستثمارات ونقص الاكتشافات الجديدة. وأدت هذه العوامل إلى تقليص عائدات الصادرات وزيادة اعتماد البلاد على واردات الهيدروكربونات لتغطية احتياجاتها الداخلية.
علاوة على ذلك، زادت الحرب المستمرة في المنطقة من المخاطر الجيوسياسية التي تواجهها مصر، ما جعل المناخ الاستثماري أكثر هشاشة. ما دفع المستثمرين الأجانب في سوق الأوراق المالية لتبني موقف الانتظار والترقب، وهو ما أدى إلى انخفاض التدفقات الرأسمالية، بحسب التقرير.
برنامج صندوق النقد
على جانب آخر، ترى "فيتش" أن نجاح إعادة التفاوض بشأن برنامج صندوق النقد الدولي قد يعزز ثقة المستثمرين ويخفف من ضغوط التضخم. بدأ الصندوق مطلع نوفمبر الماضي المراجعة الرابعة لبرنامج مصر للإصلاح الاقتصادي، تمهيداً لصرف شريحة بقيمة 1.3 مليار دولار من قرض الصندوق، ضمن حزمة تبلغ قيمتها 8 مليارات دولار.
كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وجه في أكتوبر دعوة لصندوق النقد لإعادة تقييم برنامجه الخاص بالإصلاحات الاقتصادية بسبب الضغوط التي يواجهها المواطن الناتجة عن الأحداث المحيطة في المنطقة. ورجحت "فيتش" أن يبدي الصندوق تساهلاً في أي إعادة تفاوض، نظراً للمخاطر الجيوسياسية التي تواجهها مصر.
أوضحت "فيتش" أنه بينما تظل التحديات قصيرة المدى مرتفعة، فإن الإصلاحات الاستراتيجية وجهود استقرار المنطقة قد يمهدان الطريق لتحقيق تعافٍ مستدام.
وأضافت أنه "يبقى أن نرى ما إذا كانت مصر قادرة على الاستفادة من مواردها الاستراتيجية وإدارة المخاطر الجيوسياسية بفعالية، الأمر الذي سيحدد قدرتها على تجاوز هذه الأزمات وتحقيق طموحاتها للنمو على المدى الطويل".