الشرق
تشكل عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وما تعنيه من عودة سياسات تجارية واقتصادية داعمة للدولار الأميركي، بيئة غير مواتية لعملات منطقة آسيا، فهل تنجر الاقتصادات الكبرى في المنطقة إلى حرب عملات للتخفيف من آثار سياسات ترمب؟. هذا السؤال كان محور حلقة "تقرير آسيا" على قناة "الشرق" لهذا الأسبوع.
إلياس حداد، استراتيجي أول للأسواق في "براون بروذرز هاريمان" (Brown Brothers Harriman)، يرى أن سياسات ترمب الاقتصادية التي وعد بتنفيذها تشكل بيئة سلبية لعملات الدول الآسيوية، كما أن تصعيد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين سيضغط بشكل أكبر على عملات هذه الدول، ما قد يدفع صانعي السياسات، خاصة في الصين والهند، إلى السماح للعملة بالتراجع.
وعد ترمب خلال حملته الانتخابية بتمديد تخفيضات ضريبية ينتهي أجلها، بل وإضافة تخفيضات جديدة، وهي سياسات ستعزز قوة الدولار، وستؤدي إلى ضغوط تضخمية في الولايات المتحدة، ما من شأنه عرقلة نهج الفيدرالي الأميركي في تيسير السياسة النقدية، وسيضطره إلى إبقاء الفائدة أعلى لفترة أطول.
لن يجد ترمب صعوبة في المضي في سياسته الضريبية، إضافة إلى الرسوم الجمركية على الواردات التي توعد بفرضها، في ظل االسيطرة الجمهورية بعد الفوز بأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ.
ردة فعل صينية
يرى حداد أن الصين قد تلجأ إلى خفض سعر صرف عملتها للتخفيف من آثار قوة الدولار والرسوم المحتمل أن تُفرض على منتجاتها، مضيفاً أن ما يساعدها على اتباع هذا النهج هو أنها لا تعاني من مشكلة ارتفاع التضخم، وبالتالي فضعف قيمة العملة لن يؤدي إلى ضغوط تضخمية.
في فترة ترمب الأولى، هبط اليوان الصيني بنسبة 11.5% أمام الدولار خلال عامي 2018 و2019، وهو ما عوض حينها ثلثي الخسائر الناتجة عن الرسوم المفروضة على الصادرات الصينية.
لكن الخطوات المتوقعة من بنك الشعب الصيني لإضعاف اليوان ستضر ببعض الدول في منطقة آسيا، وعلى رأسها الهند، التي بالتأكيد سيرتفع العجز التجاري لديها مع الصين نتيجة اتخاذ هذه التدابير حيال العملة الصينية.
الهند واليابان
توقع حداد أن يلجأ صانعو السياسات في الهند إلى تقليل قيمة الروبية، و"ما سيساعدها على هذه الخطوة هي أن أسعار الفائدة الحقيقية لديها في النطاق الإيجابي، وإن كانت بشكل طفيف، بعد أن أبقت أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة، ما يعني أن المخاوف من ارتفاع التضخم تظل محدودة".
وبخصوص اليابان، قال حداد إن البنك المركزي يتدخل عادة عندما يصل مستوى الين إلى 160 مقابل الدولار، وبالتالي "فإن التدخل متوقع، رغم أن تأثيره في عكس المسار الصاعد يظل مستبعداً"، مرجحاً في الوقت ذاته أن الفيدرالي سيقيد الفائدة لفترة أطول عند مستوى أعلى، على عكس بنك اليابان الذي سيبقي الفائدة عند مستوى أدنى لفترة أطول.
تأثير ممتد لسياسات ترمب على آسيان
سياسات ترمب الاقتصادية والتجارية المتوقعة لا يقتصر تأثيرها على عملات بلدان آسيا فحسب، بل يمتد إلى اقتصاداتها، وخاصة دول آسيان. فحالة الضبابية بشأن الرسوم الجمركية ومقدارها وكيفية فرضها، إضافة إلى إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة، سيجعل المستثمرين يتمهلون في ضخ أي استثمارات في دول المنطقة، بحسب تقرير لـ"بلومبرغ إيكونوميكس".
تمارا ماست هندرسون، محللة اقتصادية في "بلومبرغ" وكاتبة التقرير، ترى أن التأثير يمتد إلى المنطقة بأسرها وإن كان بدرجات متفاوتة حسب درجة انفتاح كل اقتصاد على العالم. وأضافت أن حالة الضبايبة ستؤدي إلى توقف الاستثمارات في انتظار معرفة طبيعة الرسوم ونطاقها، والتي من المرجح ألا تتضح قبل نهاية العام المقبل أو بداية 2026.
وأوضحت أنه إذا اقتصر فرض الجمارك على منتجات الصين فقط، فإن الاستثمارات قد تتدفق إلى الدول الأخرى في المنطقة لسد فجوة الإنتاج الناتجة عن تراجع الصناعة في الصين، أو "حتى قد نرى استثمارات صينية تتجه للمنطقة لتجنب أثر الحرب التجارية، وهذا ما حدث في الجولة الأولى من رسوم ترمب". وأضافت أن السيناريو الأسوأ هو أن نرى رسوماً جمركية شاملة، ما سيؤدي إلى تخارج الاستثمارات من المنطقة بأكملها.