الشرق
"هنشتري ازاي؟ ونعيش ازاي؟.. ييجوا يمسكوا المعاش ويشوفوا هيصرفوا على 3 عيال إزاي ومنين؟"، هكذا كانت تئن صفاء محمد، الأرملة الخمسينية، في إحدى المناطق الشعبية بضواحي العاصمة المصرية القاهرة، بعد أن تفاجأت بزيادة أسعار بعض الخضراوات نتيجة ارتفاع السولار 17% الجمعة الماضية، وهو الوقود الأساسي لجميع شاحنات النقل بالبلاد، مما دعا الكثير من المصريين للتفكير هل حان الوقت لحزمة حماية اجتماعية جديدة للطبقة الفقيرة بمصر.
رفعت مصر، الجمعة الماضية، أسعار الوقود للمرة الثالثة هذا العام، لتشمل الزيادة جميع أنواع البنزين والسولار والمازوت الصناعي، بنسب تتراوح من 7.7% إلى 17%، وهو ما أشعل ارتفاعات متفاوتة فى أسعار المنتجات خاصة الزراعية والغذائية بنسبة تتراوح بين 2% و15% وفق كل قطاع.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال بعد ساعات من إقرار الزيادات الجديدة "إذا كان برنامجنا المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي سيضغط على الناس بشكل لا يتحملوه، لابد من مراجعة الموقف مع إدارة الصندوق، يجب أن يؤخذ فى الاعتبار التحديات التي نواجهها، بما في ذلك أننا فقدنا 6 إلى 7 مليارات دولار من دخل قناة السويس، ومن المتوقع أن يستمر هذا الوضع لمدة سنة".
تصريحات السيسي تأتي فى وقت تعتزم حكومة بلاده، الذي يقع أكثر من ثلث سكانه تحت خطر الفقر وفق بيانات البنك الدولي، رفع أسعار المنتجات البترولية بشكل تدريجي حتى شهر ديسمبر 2025، مع تثبيتها خلال 6 أشهر المقبلة، و"حال استقرار سعر النفط عالمياً بين 73 و74 دولاراً للبرميل ستكون هناك فرصة لعدم زيادة أسعار المواد البترولية بالصورة المخطط لها حتى نهاية 2025"، بحسب مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء.
ستبدأ مصر"قريباً" التفاوض مع "صندوق النقد الدولي" بشأن مد أجل رفع دعم الوقود، والكهرباء، بحسب مسؤول حكومي مصري تحدث لـ"الشرق" شريطة عدم نشر اسمه.
أضاف المسؤول أن بلاده لا تسعى إلى إلغاء الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، بل ستتفاوض "حول التوقيت" مضيفاً أن "المدة المقررة للتفاوض تتوقف على مدى قابلية الصندوق لعملية التفاوض".
الرواتب والمعاشات
مسؤول حكومي كشف لـ"الشرق" شريطة عدم نشر اسمه، أن حكومة بلاده تعمل حالياً على إعداد حزمة اجتماعية جديدة تضمن زيادة الأجور للعاملين بالدولة، وأيضاً زيادة قيمة المعاشات الشهرية بما لا يقل عن 15%، فضلاً عن زيادة عدد المستفيدين من برنامج دعم الفقراء "تكافل وكرامة" مع رفع قيمته النقدية.
خصصت الحكومة المصرية 575 مليار جنيه لأجور الموظفين فى العام المالي الحالي 2024-2025 وهو ما يمثل 10.4% من إجمالي الاستخدامات، وفق بيانات الموازنة. فيما خُصص 41 مليار جنيه لدعم برنامج "تكافل وكرامة"، الذي يبلغ عدد المستفيدين منه قرابة 21 مليون مواطن يمثلون 5.2 مليون أسرة، بحسب بيانات وزارة التضامن الاجتماعي.
خلال العام المالي الماضي، طبقت مصر حزمتين لتخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين بقيمة 240 مليار جنيه، الأولى كانت في سبتمبر 2023، حيث وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة إلى زيادة علاوة غلاء المعيشة الاستثنائية لموظفي القطاع العام لتصبح 600 جنيه، بدلاً من 300 جنيه، وبزيادة الحد الأدنى للدخل للدرجة السادسة، ليصبح 4 آلاف جنيه، بدلاً من 3500 جنيه، ثم في فبراير الماضي قررت الحكومة رفع الحد الأدنى للأجور 50% ليصل إلى 6 آلاف جنيه شهرياً.
"خطوة مُلحة"
سهر الدماطي، نائب رئيس بنك مصر سابقاً، ترى في حديثها لـ"الشرق" أن زيادة الرواتب والمعاشات "خطوة مُلحة" في ظل تدني القوى الشرائية مؤخراً، ما يهدد بحدوث ركود تضخمي واسع في الأسواق، مضيفة: "المواطنون يحتاجون لزيادة دخولهم كي يستطيعوا التجاوب مع الزيادات السعرية الحاصلة نتيجة الإصلاحات الاقتصادية، خاصة رفع أسعار المواد البترولية". وأشارت إلى أن "ترك الناس يواجهون زيادة الأسعار دون زيادة أجورهم سيضر القطاعات الإنتاجية وسيزيد البطالة، مما سيؤثر على النمو الاقتصادي".
رغم "فوائد رفع الرواتب"، إلا أن الدماطي أشارت إلى أن زيادتها ستتسبب في ارتفاع تكاليف القطاعات الإنتاجية، مما قد يؤثر على التضخم في وقت لاحق.
تسارعت وتيرة التضخم في مدن مصر على نحو طفيف خلال سبتمبر، إلى 26.4% على أساس سنوي، مقارنةً بـ26.2% في أغسطس، رغم توقعات بنوك الاستثمار تباطؤ وتيرته.
اتساع العجز
مدحت نافع أستاذ الاقتصاد بجامعتي القاهرة والنيل قال لـ"الشرق" إن تطبيق حزمة اجتماعية جديدة "مقيد" بالحيز المالي المحدود لموازنة الدولة، وأيضا بآلية وأسلوب تطبيق تلك الحزمة، ومدى وصولها للمستحقين فى ظل عدم وضوح الرؤى بشأن بيانات الدخل والإنفاق للأسر المصرية، مضيفاً: "إذا تم تمويل الحزم بطباعة البنكنوت فإن ذلك سيسبب ضغوطاً تضخمية".
أدت صفقة رأس الحكمة إلى تراجع العجز الكلي بميزانية مصر خلال السنة المالية الماضية 2023-2024 المنتهية فى يونيو الماضي إلى 3.6% من الناتج المحلي الإجمالي
نافع أوضح أنه حال تمويل زيادة الرواتب والمعاشات عبر إعادة تخصيص المصروفات، فإن ذلك سيكون مفيداً للاقتصاد الكلي وزيادة القوة الشرائية للمواطنين لمجابهة الأثر السلبي لرفع الدعم. مضيفاً: "إقرار الحكومة حزماً اجتماعية جديدة يتوافق مع ما جرى الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي بشأن الحماية الاجتماعية للفئات المتضررة من خطة الإصلاح الاجتماعي".
الخبير الاقتصادي محمد فؤاد اتفق مع نافع فى مجمل وجهة نظره، إذ يرى أن تمويل حزم اجتماعية جديدة بالاعتماد على الاستدانة سيتسبب فى اتساع عجز الموازنة وبالتبعية زيادة معدلات التضخم في البلاد، وقال: "يجب الكشف عن آليات تمويل أي حزم جديدة، وأن يتم تمويلها من موارد جديدة ستطرأ على الموازنة في قادم الأيام والشهور مثل نتاج الإصلاحات الضريبية الأخيرة، حِينئذٍ سيستفيد من تلك الزيادة المواطن والاقتصاد القومي بحق".
ستبدأ مصر قبل نهاية العام تطبيق حزمة تسهيلات ضريبية جديدة، لا تتضمن تعديلاً في أسعار الضرائب، لدعم الشركات الصغيرة ورواد الأعمال و"الفري لانسر"، ضمن مساع ضم الاقتصاد الموازي للمنظومة الرسمية.
فؤاد شدد لـ"الشرق" على أنه يجب قبل إقرار أي حزم اجتماعية الكشف عن بحوث الدخل والإنفاق للأسر المصرية وكافة بيانات الفقر فى البلاد، حتى يجري تحديد حجم هذه الحزم ومستحقيها.
وفيما يتفق خبراء الاقتصاد على مخاوف تآكل الحزم الاجتماعية التي قد تقر خلال الأيام القليلة المقبلة بسبب زيادة التضخم المتوقعة، تقف السيدة الخمسينية "صفاء محمد"، التي يدرس ابنها البكر في كلية الهندسة، وتعوله مع شقيقته بمرحلة الثانوية العامة، وابنها الأصغر بالمرحلة الإعدادية، تفكر كيف سيكفيها معاشها في مصروفات الدراسة والمصروفات الشخصية لأولادها والإيجار والغاز والمسكن وسط كل تلك الزيادات المتتالية بأسعار السلع والخدمات في مصر، ولم تجد سبيلاً سوى أن ترفع كفيها بوسط السوق داعية "يارب حد يشعر بنا في البلد دي ويحرك المعاشات شوية مش عارفين نعيش".