ما مشكلة اقتصاد الصين وماذا يفعل الرئيس؟

معدلات نمو ضعيفة مع تباطؤ طلب المستهلكين وتراجع توقعات التصدير

time reading iconدقائق القراءة - 11
شاشة تعرض بثاً إخبارياً مباشراً للرئيس الصيني شي جين بينغ في المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني في بكين، بتاريخ 5 مارس 2021 - المصدر: بلومبرغ
شاشة تعرض بثاً إخبارياً مباشراً للرئيس الصيني شي جين بينغ في المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني في بكين، بتاريخ 5 مارس 2021 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يبدو هدف الصين للنمو الاقتصادي الذي يبلغ 5% هذا العام طموحاً في ضوء تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي، والتوقعات الغائمة لصادرات البلاد، وسوق العقارات التي مازالت غير مستقرة. 

واجهت بكين ذلك في أواخر سبتمبر بحزمة من الإجراءات التحفيزية التي أدت إلى صعود تاريخي في أسعار الأسهم. ولكن سرعان ما خيّمت خيبة الأمل عندما اتضح أن المخططين في الحكومة لن يطرحوا مزيداً من الدعم الاقتصادي في الوقت الحالي. 

بدون ذلك، يبدو أن هدف النمو لا يزال بعيد المنال. 

تستمر الضغوط الانكماشية وسط مخاطر اتجاه ثاني أكبر اقتصاد في العالم نحو الدخول في فترة ممتدة من الركود على غرار اليابان بعد 30 عاماً من النمو غير المسبوق.

كيف تتجلى هذه الأزمة؟

قبل حزمة التحفيز الأخيرة، كانت الغالبية العظمى من البنوك العالمية تتوقع أن يفشل الاقتصاد الصيني في تحقيق هدف النمو لهذا العام. كانت الضغوط الانكماشية في ازدياد، مع انخفاض أسعار المنازل الجديدة بأكبر قدر منذ عام 2014، وثقة المستهلك عند أدنى مستوياتها منذ أكثر من عام ونصف العام. 

واصلت الحكومة الاعتماد على التصنيع والصادرات لدفع الاقتصاد إلى التعافي. كان أقل من خُمس الاقتصاديين الذين استطلعت "بلومبرغ" آراءهم يتوقعون نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5% في عام 2024، وسط تساؤل محللين في مؤسسات إقراض مثل "بنك أوف أميركا" عن سبب عدم استخدام السياسة المالية والنقدية لاتخاذ مزيد من الإجراءات اللازمة لتنشيط الطلب المحلي.

في حين وصلت الصادرات إلى أعلى قيمة لها في ما يقرب من عامين، كانت بكين تواجه ردة فعل من الدول التي يساورها القلق من تأثير السلع الرخيصة القادمة من أكبر دولة مصنعة في العالم. 

دافع كبار المسؤولين مثل نائب وزير المالية لياو مين عن القدرة الصناعية العملاقة للصين، مؤكدين أن المنتجات المصنعة في البلاد توفر قيمة جيدة مقابل المال، ويمكن أن تساعد في احتواء التضخم على نطاق عالمي.

ما هي أحدث الإجراءات التحفيزية للصين؟

بعد أن بدا لفترة طويلة أنه متردد في اتخاذ تدابير أكثر جرأة، تعهد المكتب السياسي – الذي يتكون من أكبر 24 مسؤولاً في الحزب الشيوعي على رأسهم الرئيس شي جين بينغ – في اجتماع بشهر سبتمبر بالسعي لتحقيق الأهداف الاقتصادية السنوية ووقف التراجع في سوق العقارات.

بالتنسيق مع بنك الشعب الصيني، خفضت السلطات أسعار الفائدة، وطرحت سيولة لتشجيع الإقراض المصرفي، وتعهدت بما يصل إلى 340 مليار دولار لدعم سوق الأسهم الصينية. 

يركز جانب كبير من الجهود السياسية الأخيرة على استقرار قطاع العقارات، مع تدابير مثل خفض أسعار الفائدة على الرهون العقارية القائمة وتخفيف القيود على سوق الإسكان.

لماذا تمثل الأزمة في الصين مشكلة لبقية العالم؟

يعتمد الكثير من الوظائف والإنتاج في العالم على الصين. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تظل الصين أكبر مساهم في النمو العالمي حتى نهاية عام 2028، بحصة متوقعة تبلغ 22.6% - وهي ضعف مساهمة الولايات المتحدة. 

تتسم الدول المصدرة للمعادن مثل البرازيل وأستراليا بحساسية خاصة لصعود وهبوط الاستثمار الصيني في البنية التحتية والعقارات. فعلى سبيل المثال، تسببت الأزمة المحلية في زيادة كمية الصلب المطروحة في الاقتصاد لاستيعابها، مما دفع صادرات المعدن إلى الارتفاع، وساهم في انخفاض الأسعار عالمياً وتسبب في أزمة للشركات في دول مثل تشيلي. 

كما أن ضعف الطلب في الصين يضر بأرباح شركات صناعة السيارات من شركة "ستيلانتيس" إلى "أستون مارتن". وفي الوقت نفسه، أدى التقشف المتزايد بين المستهلكين الصينيين إلى انخفاض مبيعات العلامات التجارية العالمية مثل "ستاربكس" و"إستي لودر".

ماهي المشكلة؟ 

يعاني اقتصاد الصين الذي  يصل حجمه إلى 18 تريليون دولار، في مجموعة من القطاعات المختلفة، إذ شهد النشاط الصناعي انكماشاً منذ أبريل 2023 وحتى سبتمبر الماضي، باستثناء ثلاثة أشهر. ومما يفاقم من تدهور توقعات القطاع، جهود الولايات المتحدة لعزل الصين وحرمانها من إمدادات أشباه الموصلات المتقدمة والتقنيات الأخرى التي ينتظر أن تدفع النمو الاقتصادي مستقبلاً – وهو نهج يطلق عليه المسؤولون في واشنطن مصطلح "المنافسة الاستراتيجية" وتندد به الصين باعتباره "احتواءً". 

أصبح مستوى الثقة في الداخل ضعيفاً لدرجة أن قروض البنوك الصينية للاقتصاد الحقيقي انكمشت هذا الصيف لأول مرة منذ 19 عاماً. 

كانت الميزانيات العمومية للحكومات المحلية، التي تعاني من نقص في السيولة، وترزح فعلاً تحت أعباء ديون خفية، من بين ضحايا انخفاض أسعار العقارات. فإيرادات هذه الحكومات من مبيعات الأراضي تنخفض بمعدل قياسي، مما يجعل من الصعب معالجة انخفاض الإنفاق من الميزانية، في وقت يحتاج فيه الاقتصاد بشدة إلى الدعم المالي.

ماذا حدث للطلب الاستهلاكي؟

عندما رفعت الصين القيود التي فرضتها لمواجهة الوباء في أواخر عام 2022، وأعادت فتح حدودها، ساد تفاؤل شديد بأن البلاد ستشهد انتعاشاً سريعاً في إنفاق المستهلكين مدفوعاً بـ"تسوق انتقامي"، وتناول الطعام في الخارج والسفر.

هذا الانتعاش لم يتحقق، حيث شعر الناس بالقلق بسبب تأثير ضعف النمو على البطالة والدخل. كما أدت أزمة العقارات التي استمرت لسنوات إلى تبديد ما يقدر بـنحو 18 تريليون دولار من ثروة الأسر، مما دفع الناس إلى الادخار بدلاً من الإنفاق، ودفع الصين إلى أطول فترة من الانكماش منذ عام 1999.

 أنفق السياح الصينيون أموالاً أقل أثناء عطلتهم الطويلة التي انتهت في أوائل أكتوبر مقارنة بالأرقام التي كانوا ينفقونها قبل الوباء. فانخفض الإنفاق لكل رحلة بنسبة 2.1% عن مستواه قبل خمس سنوات، وفقاً لحسابات "بلومبرغ" بناءً على أرقام وزارة السياحة، في واحدة من أولى اللقطات لكيفية انتقال أثر التدابير التي أعلنتها الحكومة قبل ما يسمى بعطلة الأسبوع الذهبي إلى ثقة المستهلك.

لا تزال البطالة سبباً من أسباب القلق، وقد زاد من تفاقمها حملة تنظيمية على شركات التكنولوجيا الكبرى حرمت العديد من الخريجين الشباب الطموحين من مسار وظيفي مربح. 

ارتفع معدل البطالة بين الشباب في أغسطس للشهر الثاني على التوالي إلى أعلى مستوى له هذا العام.

ما الذي يحدث في سوق العقارات؟

كان العقار المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي الصيني منذ تولى الرئيس شي جين بينغ منصبه قبل عشر سنوات. وحاولت الحكومة في عام 2020 أن تضيق الخناق على شركات التطوير العقاري المثقلة بالديون للحد من المخاطر التي يتعرض لها النظام المالي. 

دفع ذلك أسعار المنازل إلى الانخفاض، وتخلفت أعداد كبيرة من الشركات الأضعف عن الوفاء بالتزاماتها. وتوقف العديد من المطورين عن بناء المنازل التي باعوها بالفعل، ولكنهم لم ينتهوا من بنائها بعد، مما دفع بعض الناس إلى التوقف عن سداد القروض التي أخذوها لتمويل شرائها. 

كانت هذه الاضطرابات بمثابة جرس إنذار للعديد من الصينيين، الذين طالما اعتبروا العقارات استثماراً مضموناً، واستخدموها كمخزن للثروة. واستمرت المعاناة خلال عام 2024، مواصلة اتجاه الهبوط المستمر منذ أوائل عام 2022. 

في مايو، كشفت الصين عن أكثر محاولاتها طموحاً لإحياء سوق العقارات. لكن التقدم كان بطيئاً في تنفيذ الخطط التي شملت برنامجاً لتوفير 300 مليار يوان (43 مليار دولار) من أموال البنك المركزي لمساعدة الشركات المدعومة من الحكومة على شراء المنازل غير المباعة من المطورين.

ونظراً للشروط الاقتصادية غير الجاذبة في هذه الخطة بالنسبة للسلطات المحلية، لم يستجب لدعوة المساعدة في استيعاب فائض المعروض من المنازل سوى عدد قليل فقط مما يزيد على 200 مدينة حثتها الحكومة المركزية على المشاركة. 

هل تحل جهود التحفيز الأخيرة المشكلة؟ 

قد ترفع حزمة التحفيز معدل النمو بما يتراوح بين نقطة مئوية واحدة و1.1 نقطة مئوية على مدى الفصول الأربعة القادمة، وفقاً لـ"بلومبرغ إيكونوميكس"، التي تقدر زيادة هذا العام بنحو 20 نقطة أساس. 

من شأن ذلك أن يقرب الصين من تحقيق هدفها للنمو الذي يبلغ 5%. غير أن التغلب على الانكماش وتغيير ذلك الوضع التشاؤمي في سوق العقارات مهمة صعبة. سيعتمد تحقيق ذلك إلى حد كبير على حجم الموارد المالية التي يقرر صناع السياسة تخصيصها. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن سلسلة متصاعدة من النزاعات التجارية يمكن أن تؤدي إلى تقليص النمو. كما أن الإفراط الهائل في المعروض من المنازل يعني أن امتداد تأثير أي حزمة تحفيز للعقارات إلى نشاط البناء الفعلي سيستغرق وقتاً، هذا إن حدث على الإطلاق.

مع تراجع عدد السكان وتباطؤ التوسع الحضري، تنخفض نسبياً العوامل الهيكلية التي تدفع الطلب على الإسكان. ونتيجة لذلك، قد تواجه البلاد فترة ممتدة من ضعف النمو بينما تعمل على حل مشاكل الديون، تماماً كما فعلت اليابان في ما يسمى بعقدها الضائع، بعد انفجار فقاعتي العقارات وسوق الأسهم هناك.

ماذا يريد المستثمرون؟

ثبت أن النشوة التي استقبلت بها جهود التحفيز الصينية هشة، وسط تطلع المستثمرين إلى زيادة الإنفاق في الموازنة العامة وإصدار الديون لوقف التباطؤ وضمان أن تكون التدابير التيسيرية الأخرى ذات تأثير حقيقي. 

وفي إشارة إلى هذه المخاوف، تعهد رئيس الوزراء لي تشيانغ مؤخراً بـ"الاستماع إلى صوت السوق" عند صياغة السياسات الاقتصادية. 

أدت الوعود وعدم الوفاء بها إلى تقلبات حادة في الأصول، حيث ارتفعت الأسهم الصينية المدرجة في هونغ كونغ بأكثر من 30% في غضون أيام، قبل أن تشهد أسوأ جلسة لها منذ عام 2008. وتقع على عاتق بكين مسؤولية دعم تعهداتها بأموال حقيقية، وتجنب حدوث دورة أخرى من الرخاء والأزمة.

تصنيفات

قصص قد تهمك