الصين تطلق أكبر حزمة تحفيز لإنعاش اقتصادها المتعثر

الحزمة شملت خفض حجم الاحتياطي الإلزامي للبنوك وسعر الفائدة الرئيسي

time reading iconدقائق القراءة - 9
مبنى بنك الشعب الصيني في بكين، الصين - المصدر: بلومبرغ
مبنى بنك الشعب الصيني في بكين، الصين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

الشرق

كشفت الصين عن مجموعة من التدابير الجديدة التي تعطي دفعة لاقتصادها المتعثر، وتتمثل في تحفيز سوق العقارات، وخفض نسبة الاحتياطي الإلزامي ودعم رأس مال البنوك، إضافة إلى تقليص أسعار الفائدة، وتيسير التمويل العقاري خاصة لمشتري المنازل الثانية، مع تشجيع تمويل شراء الأسهم ودراسة مقترح لإطلاق صندوق للمحافظة على استقرار الأسهم، حسبما تم الإعلان عنه في مؤتمر صحفي نادر عقده رئيس البنك المركزي إلى جانب رؤساء الهيئات التنظيمية المالية والأوراق المالية اليوم الثلاثاء.

تعد حزمة تحفيز الاقتصاد التي أطلقها البنك المركزي الصيني اليوم أكبر تحرك من قبل المصرف لتحقيق هدف النمو السنوي لهذا العام البالغ حوالي 5%، حيث أعلن محافظ بنك الشعب الصيني، بان قونغ شنغ، عن خفض حجم الأموال التي يجب على البنوك الاحتفاظ بها لديه، ليصل بذلك الاحتياطي الإلزامي إلى أدنى مستوى منذ 2020 على الأقل، كما تم الإعلان عن خفض سعر الفائدة الرئيسي. وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اتخاذ الإجراءين في الوقت نفسه منذ العقد الماضي على الأقل، مما يؤكد على حاجة البلاد الملحة لهذه الإجراءات.

وكشف رئيس البنك المركزي أيضاً عن حزمة لدعم سوق العقارات المتعثرة في البلاد، بما في ذلك خفض تكاليف الاقتراض على ما يصل إلى 5.3 تريليون دولار من القروض العقارية وتخفيف قواعد شراء المنزل الثاني. وأضاف أن الصين ستسمح للصناديق والوسطاء باستغلال أموال بنك الشعب الصيني لشراء الأسهم.

وأضاف بان أن هناك ما لا يقل عن 500 مليار يوان (71 مليار دولار) سيتم توفيرها لدعم السيولة في سوق الأسهم. وأوضح أنه سيكون هناك آلية تتيح لشركات الأوراق المالية والصناديق وشركات التأمين الوصول إلى بنك الشعب الصيني لشراء الأسهم. وأكد أيضاً أن السلطات تدرس إنشاء صندوق لتثبيت أسعار الأسهم، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.

رد فعل الأسواق على خطوات الصين

استقبلت أسواق المال حزمة التحفيز بحذر، حيث ارتفع مؤشر "سي إس آي 300" (CSI 300) لليوم الخامس على التوالي بنسبة 0.5%، مع صعود حوالي 200 شركة من الشركات المدرجة في المؤشر. وحققت أسواق السلع مكاسب طفيفة، بينما بقي اليوان دون تغيير كبير مقابل الدولار. وانخفض العائد على السندات الصينية لأجل 10 سنوات إلى أدنى مستوى له على الإطلاق عند 2%.

ورغم أن الاقتصاديين اتفقوا على أن حزمة السياسات التي أعلنها "بان" فاقت التوقعات، إلا أن العديد منهم تساءلوا عما إذا كانت قادرة على معالجة المشكلات التي تواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بما في ذلك ضعف الطلب الاستهلاكي الذي أدى إلى أطول فترة انكماش منذ عام 1999.

قال كين وونغ، متخصص في الأسهم الآسيوية في شركة "إيست سبرينغ إنفستمنتس هونغ كونغ" (Eastspring Investments Hong Kong Ltd): "من الصعب القول إن هناك حلاً سحرياً يمكنه فعل كل شيء". وأضاف: "بينما تعتبر التدابير النقدية التيسيرية خطوة إيجابية، إلا أنه يتعين القيام بالمزيد لتعزيز النمو في الربع الرابع".

دفعة ثقة اقتصادية للصين

قال إريك زو، خبير الاقتصاد الصيني في "بلومبرغ إيكونوميكس": "في حدها الأدنى، ستعطي هذه الحزمة دفعة ضرورية للثقة. توقعاتنا الأساسية كانت نمواً بنسبة 4.7% هذا العام، لكن هذه الحزمة القوية من التحفيز النقدي تشير إلى أن النمو قد يقترب من الهدف البالغ 5%".

وتحاول حكومة الرئيس شي جين بينغ تحفيز الاقتصاد دون اللجوء إلى حزم تحفيز ضخمة كما حدث في السنوات السابقة، لكن حتى الآن لم تنجح الجهود المجزأة في وقف التباطؤ الاقتصادي. ويتوقع اقتصاديون في بنوك وول ستريت، بما في ذلك "جيه بي مورغان" أن الصين قد لا تتمكن من تحقيق هدف النمو لهذا العام.

على الجانب الآخر، خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي، الأسبوع الماضي، أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية وهو معدل أكبر من المتوقع، مما أعطى البنوك المركزية في جميع أنحاء آسيا مزيداً من المرونة للتحرك. واتخذ "بان" خطوة حاسمة لتعزيز السياسة النقدية، مما يمهد الطريق أمام وزارة المالية للكشف عن جهودها الخاصة لتعزيز النمو، وسط انتقادات بأن الدعم المالي لا يزال ضعيفاً.

وقال ريموند يونغ، كبير الاقتصاديين لمنطقة الصين الكبرى في "إيه إن زي" (ANZ): "هذه الحزمة بعيدة كل البعد عن أن تكون حلاً شاملاً". وأضاف: "لسنا متأكدين من مدى تأثير خفض معدلات الرهن العقاري على إنعاش سوق العقارات".

حزمة الصين لتحفيز العقارات

في الإطار ذاته، كشفت الصين عن أكبر حزمة لدعم سوق العقارات المتعثرة، حيث خفضت تكاليف الاقتراض على رهون عقارية تصل قيمتها إلى 5.3 تريليون دولار، بجانب تخفيف متطلبات الدفعة الأولى لشراء منزل ثانٍ إلى أدنى مستوى في التاريخ.

وأعلن محافظ المركزي أن البنك سيخفض أسعار الفائدة على الرهون العقارية الحالية للأفراد بمتوسط 0.5 نقطة مئوية. بالإضافة إلى ذلك، سيجري خفض الحد الأدنى للدفعة المقدمة للمشترين الراغبين في شراء منزل ثانٍ من 25% إلى 15%. 

هذا الإعلان يؤكد تقارير سابقة نشرتها "بلومبرغ نيوز"، ويعكس حاجة بكين الملحة إلى التصدي للتباطؤ الاقتصادي الناجم عن قطاع العقارات، والذي يشكل تهديداً كبيراً على أكبر اقتصاد في آسيا وسط احتمالات تزايد الحمائية وتراجع التوقعات الاقتصادية العالمية. وتأتي هذه الخطوة في وقت يتوقع فيه اقتصاديون من بنوك مثل "يو بي إس غروب" و"جيه بي مورغان تشيس آند كو" و"بنك أوف أميركا"، أن الصين لن تحقق هدفها للنمو هذا العام.

كما يأتي ذلك بعدما فشلت حزمة إنقاذ العقارات في الصين، التي تم الكشف عنها في شهر مايو، في تغيير مسار الركود العقاري المستمر منذ سنوات، والذي أدى بدوره إلى محو ما يقدر بنحو 18 تريليون دولار من ثروات الأسر. وهناك 29 مدينة فقط من أصل 200 مدينة، تم حثها على المشاركة، تستجيب لدعوة بكين للمساعدة في استيعاب الفائض في المساكن. وسجلت أسعار المنازل الجديدة أكبر انخفاض لها الشهر الماضي منذ يوليو منذ عام 2014.

وأظهر رئيس بنك الشعب الصيني نهجاً أكثر شفافية تجاه السياسة النقدية هذا العام، في محاولة لتحقيق الاستقرار في المعنويات. واستخدم "بان" إحاطة إعلامية مماثلة في يناير للإعلان عن خفض حجم الأموال التي يجب على البنوك الاحتفاظ بها كاحتياطي قبل أسبوعين من الموعد المحدد، حيث حاولت السلطات وقف انهيار سوق الأسهم البالغة 6 تريليونات دولار.

قالت بيكي ليو، رئيسة استراتيجية الاقتصاد الكلي للصين في بنك "ستاندرد تشارترد": "تيسير السياسة النقدية أكثر جرأة من المتوقع.. نرى مجالاً لتيسير أكثر جرأة في الفصول المقبلة، في أعقاب التخفيضات الكبيرة في أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي".

تشجيع صفقات الاندماج والاستحواذ

في إطار متصل، أعلن وو تشينغ، رئيس لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية، أن هناك تدابير جديدة سيُكشف عنها النقاب قريباً لتشجيع عمليات الاندماج والاستحواذ، مؤكداً على جهود اللجنة لتحسين الإشراف التنظيمي. ومن جانبه، أوضح رئيس إدارة التنظيم المالي الوطني لي يونزي، أن الصين ستضيف رأس مال من الدرجة الأولى إلى ستة بنوك تجارية كبرى.

وبالرغم من ترحيب المحللين بحزمة التحفيز، إلا أنهم حذروا من أنها لا تمثل الحل الشامل الذي يحتاجه الكثيرون لتحفيز إنفاق المستهلكين في الصين مجدداً. وبينما يعد خفض أسعار الرهون العقارية عاملاً مساعداً لمُلاك المنازل، إلا أنه قد لا يكفي لإنعاش سوق الإسكان.

ارتفعت الأسهم في هونغ كونغ والصين بعد الإعلان عن هذه القرارات، فيما انخفض العائد على السندات الصينية لأجل 10 أعوام إلى 2% لأول مرة في التاريخ. ولم يطرأ تغير يذكر على اليوان في الخارج.

تصنيفات

قصص قد تهمك