الشرق
"نهاية المأساة".. هكذا وصف عبد اللطيف أضبيب تغير حياة آلاف المزارعين بعد إصدار السلطات المغربية الشهر الماضي عفواً عن سجناء وملاحقين بتهمة زراعة نبتة القنب الهندي بطريقة غير قانونية في السابق.
لثلاثة عقود، كان أضبيب يترافع عن هذه الزراعة التي ورثها عن أجداده في منطقة "إساكن" شمال البلاد، ولم يكتف بذلك محلياً، بل حضر وناصر قضيته بمؤتمرات أممية في جنيف وفيينا ونيويورك، كما عمّق معرفته العلمية بخصوصيتها واستعمالاتها، وظل يدعو للكف عن ملاحقة آلاف المواطنين الذين كانوا يمارسون هذه الزراعة.
هذا الرجل السبعيني واحد من بين حوالي 400 ألف شخص كانوا يزرعون هذه النبتة بشكل سري، أصبحوا اليوم يزرعونها بشكل قانوني وتحت أنظار السلطات، بعد أن قررت المملكة في 2021 تقنين هذه الزراعة للاستعمال الطبي والصناعي، وأخضتعها لشرط الحصول على ترخيص من "الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي"، والآن يستعد أضبيب إلى جانب آلاف المزارعين لحصد ثاني محصول قانوني بعدما تم جني 296 طناً الموسم الماضي.
لطالما كانت زراعة القنب الهندي منتشرة في المغرب منذ قرون، لكن مُنعت بشكل قانوني منذ خمسينيات القرن الماضي. رغم ذلك استمرت بطرق سرية حيث كان يتم تهريب منتجها النهائي إلى أوروبا بشكل أساسي. وبسبب المنع القانوني دخل عدد من المزارعين إلى السجن وصدرت مذكرات بحث في حق آخرين.. لكن أصبح ذلك من الماضي.
عفو عن 5 آلاف مزارع
خطوة تقنين هذه الزراعة قبل ثلاث سنوات كانت غير متوقعة، كما لم تكن موضوع اهتمام من قِبل المزارعين الذين كان همهم الأول الإفراج عن ذويهم وأقاربهم. لكن صدور عفو ملكي الشهر الماضي عن قرابة 5000 شخص من المدانين والمُلاحَقين بقضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي كان له أثر بالغ على نفوس المزارعين، بحسب عبد اللطيف أضبيب في حديث لـ"الشرق"، مضيفاً: "لقد أزال ذلك ثقلاً كبيراً عن كاهل الأسر التي كان من يعيلها في السجن بسبب هذه الزراعة أو متخفياً عن الأنظار دوماً".
حتى نهاية النصف الأول من العام الجاري، بلغ عدد المزارعين الحاصلين على ترخيص إنتاج وزراعة القنب الهندي 2659 مزارعاً، وتمتد المساحة المزروعة هذا الموسم على 3080 هكتاراً منها 60% مزروعة بصنف محلي يسمى "البَلْدية"، بحسب معطيات حصلت عليها "الشرق" من الوكالة الحكومية.
نبتة "البَلْدية" هي صنف مغربي خالص من القنب الهندي وتمتاز بمحتوى أقل من 1% من المادة المخدرة رباعي هيدرو كنابينول (THC)، وتقاوم ظروف الجفاف، كما أنها الأصلح للتحويل إلى منتجات دوائية ومكملات غذائية مقارنة بالأصناف الأخرى الهجينة المستوردة.
سمح التقنين الذي اعتمده المغرب، كأول بلد بالمنطقة العربية، في تحسين مداخيل المزارعين، "لكنه أيضاً وفر لهم الحماية من تجار المخدرات الذين كانوا يهيمنون على تجارة القنب ويصدرونها بشكل غير قانوني"، بحسب أضبيب، الذي انخرط هذا العام في مشروع التقنين بتأسيس تعاونية تضم 30 مزارعاً.
دائرة الاقتصاد المشروع
منذ العام الماضي، تكتل المزارعون في تعاونيات تجاوز عددها 200. كما أن القطاع، رغم حداثته، استقطب اهتمام عدد من المستثمرين المحليين، إذ تم منح رخص استثمار بمجالات الإنتاج والتحويل والتصدير والتسويق لنحو 236 شركة وتعاونية، وفقاً للمعطيات الرسمية التي حصلت عليها "الشرق".
"العفو الملكي قرار مهم لأنه ساهم في وضع حد لمأساة يعيشها المزارعون منذ عقود بسبب الملاحقات التي كانت أغلبها تتم بناءً على شكاوى كيدية، كما أن الخطوة تهدف لإدماج المزارعين في دائرة الاقتصاد المشروع للقنب الهندي الذي أثبت تحقيق مصلحة المزارع مقارنةً بالوضع سابقاً"، كما صرح لـ"الشرق" شكيب الخياري، منسق الائتلاف من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للقنب الهندي.
كانت فترة الزراعة السرية تفرض على المزارعين التواري عن الأنظار، حتى أصبحت بطاقات التعريف الرسمية لمعظمهم منتهية الصلاحية، وغالبيتهم لا يشاركون في الحياة الاجتماعية إطلاقاً مخافة الاعتقال.
يستهدف المغرب الحصول على ما بين 4 إلى 6 مليارات دولار سنوياً من تصدير المنتجات الطبية للقنب الهندي بحلول عام 2028 إلى السوق الأوروبية بشكل أساسي، ويعول على نقاط قوة عدة، أبرزها القرب الجغرافي، والظروف المناخية الملائمة في المناطق التي حددتها السلطات لهذه الزراعة شمال البلاد، فضلاً عن المعرفة الموروثة التي يتمتع بها المزارعون من مئات السنين.
تقدر أرقام رسمية لوزارة الداخلية حول اقتصاد القنب الهندي المشروع أن المزارع يمكن أن يحقق دخلاً صافياً من الهكتار الواحد يناهز 110 آلاف درهم سنوياً (حوالي 11 ألف دولار)، أي بزيادة قدرها 40% على الأقل مقارنة بما كان يحققه من الزراعة غير القانونية حيث كان يخضع لتجار المخدرات لبيع محصوله بثمن بخس.
السوق العالمية للقنب الهندي
أكثر من 60 ألف أسرة مغربية في مناطق شمال المملكة كانت تعمل في زارعة القنب الهندي، أغلبها لديه مساحات تقل عن هكتار واحد. لذلك شجعت الدولة التكتل في تعاونيات. ويرى شكيب الخياري أن "العفو الملكي يعني أن تجربة التقنين ستتجه للتعميم، بموازاة تشجيع أنشطة زراعية غير مرتبطة بالضرورة بالقنب الهندي".
يشهد سوق القنب الهندي القانوني عبر العالم ازدهاراً كبيراً، فبينما كان يُقدّر بنحو 13.8 مليار دولار عام 2018، يُتوقع أن يبلغ 233 مليار دولار بحلول عام 2028، وفقاً لدراسة أجرتها وزارة الداخلية المغربية عام 2021.
رغم حداثة هذا القطاع، شهد تطوراً سريعاً، فبالإضافة إلى الزراعة تشتغل وحدات صناعية متخصصة في إنتاج مستحضرات التجميل والمكملات الغذائية، بدأ تسويقها محلياً منذ مايو الماضي، لكن يبقى التصدير هو التركيز الأساسي للمستثمرين في هذا المجال نظراً للإقبال الكبير على القنب في الدول الأوروبية.
بالكاد بدأت تتشكل معالم هذا الاقتصاد الجديد، حتى أطلق عدد من النشطاء دعوات لفتح نقاش عام حول الاستعمال الترفيهي للقنب الهندي، ويؤكد الخياري، الذي يشارك في هذه المبادرة، أن هذه الخطوة ضرورية "لأن مستهلك الحشيش موجود رغم المنع، وبالتالي يجب ألاّ نجعل هذه السوق في دائرة الظل وبعيداً عن المراقبة، لاسيما لناحية ضمان جودة المنتج وتقليص مخاطره، بما يسهم في إبعاد المستهلكين عن شبكات ترويج المخدرات".