بلومبرغ
بدأت تكاليف الشحن الباهظة، تدخل في عقود الشركات للاثني عشر شهراً المقبلة، مما يجبرها على تمرير التكاليف الإضافية إلى المستهلكين.
واقترب سعر نقل حاوية بضائع من الصين إلى الساحل الغربي الأمريكي والموانئ الأوروبية من مستويات قياسية لأشهر عديدة، وهو ما يمهد الطريق للمزيد من الارتفاعات، برغم أنَّ الأسعار الفورية تتراجع عادةً في هذا الوقت من العام.
والأدهى أنَّ العقود الجديدة توقِّعها بعض من أكبر شركات الاستيراد الأمريكية، مما يشير إلى أنَّ الارتفاع ليس مجرَّد لقطة قصيرة الأجل.
الزياة متواصلة
ويوقِّع أغلب كبار تجار التجزئة والشركات الصناعية صفقات سنوية مع شركات الشحن لتثبيت أسعار شحن الحاويات من خلال مفاوضات خاصة تحدث عادةً في هذا الوقت من كلِّ عام.
وعلى طول طريق التجارة العملاق الذي يربط آسيا وأمريكا الشمالية، كانت أسعار العقود في الأسابيع الماضية تتراوح بين 2500 إلى 3 آلاف دولار للحاوية، سعة 40 قدماً، أي أعلى بنسبة 25% إلى 50% عن العام الماضي، وفقاً لجورج غريفثس، محرر في فريق تسعير الشحن بالحاويات عالميا في "ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس".
وقال غريفثس: "يثبت ذلك أنَّ الناس تتوقَّع استمرار ذلك، ولا يتوقَّعون تراجع الأسعار في أيِّ وقت قريب.. وتمضي شركة شحن الحاويات قُدماً في ذلك من مركز قوَّة واضح".
قلق من التضخم
وتعثَّرت قنوات التوريد في أمريكا للغاية لدرجة جذبت انتباه المسؤولين في الاحتياطي الفيدرالي الذين يحاولون وضع السياسة النقدية، بناءً على سرعة تعافي الاقتصاد الأمريكي، وتوقُّعات التضخم.
وبرغم أنَّ هناك علامات على نشاط قوي في المصانع في الأشهر المقبلة، تشير "تقارير نقص المواد والعمالة"، وكذلك عقبات النقل إلى بعض القيود المحتملة على وتيرة تعافي التصنيع، وفقاً لتفاصيل اجتماع لجنة السوق المفتوح الفيدرالية يوم الأربعاء في اجتماع 16-17 مارس.
وقال جيم بيانكو، رئيس ومؤسس "بيانكو ريسيرش"، خلال مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ": "سنحظى بحديث عن التضخم.. وإذا رأيناه، فسيجبر الفيدرالي على تسريع تشديد السياسة النقدية".
عقبات عديدة
وأدَّت مجموعة من العوامل إلى ارتفاع تكاليف الشحن بما في ذلك ارتفاع الطلب نتيجة شيكات التحفيز، وازدحام الموانئ، وقلة السفن، وعمال الأرصفة، وسائقي الشاحنات، وتُعدُّ المشكلات كبيرة جداً لدرجة أنَّه لا يوجد لها حل قصير الأجل، وتخلق تأثيرات مضاعفة عبر سلاسل التوريد الأمريكية.
وتتسبَّب هذه المشكلات في صداع ملاك الأعمال التجارية مثل أرنولد كاملر، المدير التنفيذي لـ"كنت بايسكلز".
قال كاملر في مقابلة: "أصبحت أصف أعمالنا بأنَّها مثل محاولة لعب لعبة "Whack-A-Mole" (محاولة ضرب حيوان الخلد الذي يخرج من ثقوب أرضية).. فبمجرد أن تحل مشكلة تظهر أخرى".
وقال المدير التنفيذي لشركة إنتاج الدراجات الواقعة في فيرفيلد في نيوجيرسي- التي توظِّف 225 موظفاً، وتستورد أجزاءها من آسيا- إنَّ تكاليف الشحن تضاعفت لأكثر من الضعف في الشهور الماضية، وعلاوة على ذلك، يتأخَّر سائقو الشاحنات أغلب الوقت عن موعد أخذ البضاعة من المخازن.
وأضاف أنَّ نقص المكوِّنات يحول دون قدرة الإنتاج على مواكبة الطلب، ورفعت "كنت" أسعار دراجاتها 4 مرات في الاثني عشر شهراً الماضية، مدفوعة جزئياً بتكاليف الشحن، والمواد الخام، والتعريفات.
ارتفاع غير مسبوق
وقال غوردن داونيز، المدير التنفيذي لدى "نيويورك شيبينغ اكستشانج"، وهي منصة شحنات عبر الإنترنت، إنَّ الشركات الكبيرة يمكن أن تضمن أسعار شحن أفضل بالنظر إلى أحجام طلبياتها، وإنَّما الشركات الصغيرة تقع تحت رحمة الأسعار الفورية وزياداتها.
وأضاف داونيز: "إذا لم تكن صاحب شحنة كبيرة حقاً، ولديك عملية تفاوض معقدة، والكثير من المميزات الاستراتيجية، فستكون مجبراً على قبول هذه العقود".
وعلى سبيل المثال، يمكن أن تعود الزيادات في الأسعار والرسوم الإضافية المفروضة على الشركات الأصغر التي تستخدم أسعار الشحن الفورية إلى أي شيء، بدءاً من الطقس إلى عدم توافر السفن، إلى تكلفة الوقود والمواد الخام.
ويرى كاملر أنَّ البنود في عقده تسمح لشركات شحن الحاويات بفرض رسوم إضافية خلال مواسم الذروة، التي يتوقَّع أن تستمر حتى منتصف نوفمبر، وإذا لم يقبل هذه الزيادات، فلن يتمكَّن من بناء المزيد من الدراجات، وأضاف: "متى لا يكون العقد عقداً؟ عندما توقِّع عقداً مع شركة سفن بخارية".
أزمات على البر
وأشار مجلس الشحن العالمي، الذي يمثِّل قطاع الخطوط الملاحية المنتظمة، إلى أنَّ أكبر العقبات اللوجستية موجودة على البر، كما أنَّ السوق مدفوعة بالعرض والطلب.
وقال جون بوتلر، رئيس والمدير التنفيذي للمجلس الواقع في واشنطن، في بيان مرسل بالبريد الإلكتروني: "بالنظر إلى الشحن يمثِّل عادة تكلفة صغيرة لكلِّ وحدة من البضائع المنقولة، فإنَّ الطلب ليس حساساً جداً لأسعار الشحن.. ولكن عندما يتجاوز الطلب القدرة الإنتاجية للحدِّ المشهود اليوم، فإنَّ الأسعار ترتفع".
وقال جيم استيل، المدير التنفيذي لشركة "دانبي أبليانسيز" الكندية، إنَّ الشحنات تنتظر في الموانىء في بعض الأحيان إلى ما يصل إلى 10 أيام قبل أن يتمَّ تحمليها على قطارات أو شاحنات، وهو ما يقود إلى زيادة في الأسعار، فالمجمَّد الذي يباع عادة بـ350 دولاراً سيزيد سعره بمقدار 70 دولاراً إضافيين بسبب مشكلات الشحن، وقال إنَّ "زيادات الأسعار تتمُّ بالفعل حالياً".
مواسم الذروة
في الولايات المتحدة، وغيرها، هناك موسما ذروة لشركات الشحن عبر المحيط كل عام وفق العادة، أحدهما يأتي قبل العام القمري الجديد مع سعي الشركات لتأمين المخزونات قبل إغلاق المصانع في الإجازة، والآخر يبدأ في أواخر الصيف للاستعداد للتسوق في أعياد الكريسماس.
وكان هناك تفاؤل بأنَّ الفترة بين الذروتين في 2021 ستحل مشكلة تأخر الحاويات، ولكنَّ انسداد قناة السويس الشهر الماضي أضاف المزيد من الضغوط التي بدَّدت تلك الآمال.
وبدأت المشكلات تظهر عبر الشركات، وقالت "نايك إنك"، إنَّ الإيرادات تراجعت بنسبة 10% في أحدث ربع نتيجة تحديات سلاسل التوريد، بما في ذلك نقص الحاويات، وعقبات الموانئ الأمريكية.
وقال كاملر، إنَّ تكاليف الشحن المرتفعة، ونقص الأجزاء عادة يضغطون عليه، مضيفاً أنَّ الميزة الوحيدة هي أنَّ جميع منافسيه معه على القارب نفسه.