عقيدة وزيرة الخزانة الأميركية تتجاوز فرض ضرائب عالمية على الشركات

time reading iconدقائق القراءة - 8
جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية - المصدر: بلومبرغ
جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية - المصدر: بلومبرغ
- مقال رأي

لدى وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين رسالة قوية للعالم وللأشخاص في الداخل الأمريكي الذين سئموا من التزامات الولايات المتحدة بالخارج، وهي أن أمريكا لم تنته كقوة عالمية، طالما أن الأمر يتعلق أساساً بمصلحة البلاد بحد ذاتها.

إذا كان باقي العالم يصدق ما تقوله يلين فهذا سؤال مختلف. ففي حين أن العديد من المسؤولين الأجانب يرحبون بصدمات الكافيين المالية والنقدية التي توفرها أمريكا، لم تعد الأمة الأمريكية تفرض الاحترام المطلق.

لقد أثارت الصين الإعجاب بمرونة اقتصادها بعد الانخفاض الذي شهده في بداية العام الماضي. ومن المرجح أن تمارس قوة جذبها القوية هذه في السنوات المقبلة على الأقل. كما تبذل بكين الكثير من الجهود لدعم أسواق رأس المال لديها. وعلى الرغم من عدم التساوي بين سوق السندات الصينية مع نظيراتها الأمريكية، إلا أنها أصبحت أكثر جاذبية للمستثمرين.

خطاب الـ45 دقيقة

في حقبة الوباء، كانت تصريحات يلين عبر الفيديو في 5 أبريل أمام مجلس شيكاغو للشؤون العالمية تمثل أول خطاب كبير لها على الساحة العالمية منذ أن أصبحت وزيرة للخزانة في يناير. ومن الواضح أن الوقت قد حان للإعلان عن دخولها في اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. فوزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية من مئات البلدان التي تحضر هذه الاجتماعات -افتراضياً هذا العام بسبب كوفيد-19- يعرفونها جيداً منذ فترة عملها كرئيسة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. لكن ربما قلة قد سمعوها تتحدث هكذا.

بصفتها عضوة بارزة في مجلس الوزراء، فإن دورها الجديد هو دور سياسي بشكل أكبر بكثير. كما أنها تتمتع بحرية أكبر في الرسم على لوحة أكبر من أسعار الفائدة وقواعد البنك المركزي. فمن المعروف أن رؤساء بنك الاحتياطي الفيدرالي يترددون في الابتعاد عن ميدانهم.

لقد مثل خطاب يلين الذي استمر 45 دقيقة تعبيراً قوياً عن قضية المشاركة الدولية الواسعة والقوية، إذ لم يقتصر الأمر على الحوافز والمؤشرات الاقتصادية الكلاسيكية للرفاهية، بل ربطها أيضاً بأجندة تقدمية للرعاية الصحية، وحقوق الأقليات، والنهوض بالمرأة، واحترام التنوع، بالإضافة إلى دور التكنولوجيا والقوة الضارة لعدم المساواة العالمية.

كما أنها لم تكن خائفة من إطلاق تحذيرها تجاه الصين عندما قالت: "علاقتنا الاقتصادية مع الصين، مثل علاقتنا الأوسع مع الصين، ستكون تنافسية حيث ينبغي أن تكون، وتعاونية حيث يمكن أن تكون، وعدائية حيث يجب أن تكون."

كانت يلين حريصة على إبعاد الأمر عن المصلحة الذاتية. وإذا كان دونالد ترمب ووزير خزانته ستيفن منوشين، من دعاة سياسة "أمريكا أولاً"، فإن إعادة صياغة عقيدة يلين يمكن أن تكون على النحو التالي: نحن نتفق مع هذا، لكننا نحمي أنفسنا من خلال جعل العالم أولوية. فالمشاكل التي تحدث في مكان آخر ينتهي بها المطاف عاجلاً أم آجلاً على أراضي الولايات المتحدة ثم تستدعي استجابة أكبر، وتكلفة أكبر مما لو تركت لتتفاقم.

خلال السنوات التي أمضيتها في الاستماع إلى المساعدين الاقتصاديين ومحافظي البنوك المركزية، نادراً ما سمعت وزيراً للمالية ينسج الرسائل الكلية في إطار عمل استراتيجي مقنع ووسطي تجاه الآخرين. وإن أولئك الذين يتبادرون إلى الذهن هم بول كيتنغ أمين الصندوق الأسترالي السابق ورئيس الوزراء لاحقاً، وأنور إبراهيم، وزير المالية لمرة واحدة في ماليزيا والمنافس الدائم على رئاسة الوزراء، وسري مولياني إندراواتي، وزيرة المالية الإندونيسية، التي يثار في بعض الأحيان احتمال تعينها كنائبة للرئيس.

لا ذنب لكم إن فاتتكم هذه المحاضرة حول القوة الصلبة والناعمة للدبلوماسية المالية الأمريكية. لأنه تم تقريباً تركيز التغطية الإعلامية لخطاب يلين بالكامل على فقرة واحدة أتت في النهاية، وهي اقتراحها بشأن الحد الأدنى العالمي لمعدل الضريبة على الشركات. وكما هو متوقع، شجبت يلين التهاون في عدم تنظيم بيئة الأعمال. فإذا رفعت الولايات المتحدة ضريبة الشركات كما تقترح الإدارة، فإن أمريكا تخاطر بأن يتم تقويض مركزها من قبل دول مثل إيرلندا، ولوكسمبورغ، وسنغافورة.

كانت الاستجابة مشجعة بحذر. حيث رحب باولو جينتيلوني، مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الاقتصادية، "بهذا الجو الجديد ذي الأطراف المتعددة مع الإدارة الأمريكية الجديدة والإمكانية القوية للتعاون على الساحة الدولية. ويمكن أن تكون إحدى النتائج الرئيسية هي التوصل إلى اتفاقيات بشأن الضرائب العالمية".

نوبة الانعزال الأمريكية

لكن المشاعر لا تترجم بالضرورة إلى اتفاق، ويلين ما زالت بعيدة جداً عن خط النهاية. بينما لم يكن لدى الدول الآسيوية الكثير لتقوله حول هذه القضية.

إن التحدي الذي تواجهه يلين هو أنها لا تدخل في فراغ. فلم تقف الصين مكتوفة الأيدي عندما انغمست الولايات المتحدة في نوبة من الخطاب الانعزالي في عهد ترمب. ستساهم بكين بأكثر من خمس إجمالي الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي في السنوات الخمس حتى عام 2026، وفقاً لحسابات بلومبرغ بناءً على توقعات صندوق النقد الدولي المنشورة يوم الثلاثاء. أما الولايات المتحدة فستساهم بنحو 15%، تليها الهند بـ8.4%، واليابان بـ3.5%. ولقد بدأت سوق السندات الصينية، الذي كان ينظر إليها بحذر في السابق، في أن تصبح شائعةً أيضاً، حتى لو لم تقترب من التأثير الذي تمتلكه سندات الخزانة الأمريكية.

قليل من الأصدقاء في واشنطن

بغض النظر عن الصين، هناك شكوك حول عمق وجدية الالتزام الأمريكي. ففي سنغافورة، حيث أعمل الآن، أمضى الاقتصاديون والمديرون التنفيذيون الأشهر القليلة الماضية وهم يقولون إنه من الرائع أن يسمع المرء أن أمريكا تهتم، ولكن ماذا يعني ذلك عملياً؟ هل هناك بالفعل شهية واسعة داخل أمريكا للمشاركة العالمية التي كانت موجودة منذ عقود عندما كان ما يسمى "السلم الأميركي" التجاري والسياسي هو المهيمن؟ ويضيف هؤلاء المراقبون، أنه لا يجب نسيان أن أمريكا انتخبت ترمب في أحد الأيام. فمن يقول إنه لن يكون هناك شخص آخر مثله؟

إن بعض الميول التي جلبت ترمب ليست خاملة. حيث أشار خطاب يلين إلى "تفريغ الطبقة الوسطى"، وأنه بينما "احتضننا التجارة كمحرك للنمو، أهملنا أولئك الذين لم يستفيدوا منها." ويشار إلى أن يلين لم تقم بعد بتفكيك أي خطوة اقتصادية ذات أهمية من عهد ترمب لتقييد الصين، وأشارت إلى أنها ليست في عجلة من أمرها للقيام بذلك.

وعلى الرغم من أنها كانت من دعاة الأسواق والتجارة الحرة، فإن موقف يلين تجاه بكين هو علامة على هذا العصر. فالصين لديها عدد قليل من الأصدقاء في واشنطن، ما يشكل تناقضاً حاداً مع فترة التسعينيات، عندما خدمت يلين في إدارة كلينتون.

ولقد واجه اقتراحٌ بدعم من يلين لتجديد خزائن صندوق النقد الدولي معارضة شرسة من الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس، ويرجع ذلك جزئياً إلى المخاوف من استفادة خصوم أمريكا -جنباً إلى جنب مع الأصدقاء. فباعتبارها أكبر مساهم في الصندوق، فإن الولايات المتحدة ستكون أكثر من يعطي هذا الصندوق.

إنه لأمر مؤسف أن توجُّه يلين بشأن ضرائب العالمية على الشركات حصل على الكثير من الاستحسان. فالتركيز على ذلك المبدأ يحجب الأفكار المستقاة من الاستماع إلى رؤية يلين العالمية. لقد استمعت إلى الخطاب كاملاً، ثم قرأت النص مرتين. افعلوا الأمر ذاته.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان