الشرق
أبدى صندوق النقد الدولي تأييده لاتجاه الحكومة السعودية بإعادة تحديد أولويات الإنفاق الاستثماري، فيما ثبّت توقعاته لنمو اقتصاد المملكة للعام المقبل عند 4.7%، مشيداً بنمو القطاعات غير النفطية التي تقود "تقدماً هائلاً فيما تشهده المملكة من تحول اقتصادي غير مسبوق"، حسبما ورد في تقريره السنوي بعد مشاورات المادة الرابعة، الصادر اليوم الأربعاء، والذي جدد فيه توصياته بتحرير أسعار الوقود.
تنص المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس الصندوق على إجراء مناقشات ثنائية مع الدول الأعضاء، ثم يناقش المجلس التنفيذي تقريراً يعده خبراء الصندوق ليصدر بعدها بشكله النهائي.
مراجعة أولويات الإنفاق
أكد التقرير أن المجلس التنفيذي "أيّد إعادة معايرة الإنفاق الاستثماري في السعودية، حيث ساعد في الحد من مخاطر فورة النشاط الاقتصادي"، مقترحاً الإعلان عن التأثير المباشر لذلك على أهداف رؤية 2030 للمساعدة في إبراز أولويات الحكومة ودعم توقعات المستثمرين.
أمين ماتي، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى السعودية، أوضح بمقابلة مع "الشرق" أنه "خلال العام الماضي كنا قلقين من مخاطر فورة النشاط الاقتصادي، وبالتالي فإن عملية إعادة المعايرة التي قامت بها السلطات السعودية للتأكد من أن تنفيذ المشروعات يتماشى مع قدرة الاقتصاد، هي خطوة مهمة جداً للتقليل من مخاطر سخونة الاقتصاد".
وتوقّع ماتي أن "الاستثمارات المحلية، وإن كانت لن تصل للمستوى المتضمن في الخطة الأولية لرؤية 2030، إلا أنها ستشكل إنفاقاً صحياً".
كان وزير المالية السعودي محمد الجدعان صرح، في افتتاح اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض خلال أبريل الماضي، بأنه "لا بد من تعديل المخططات الاقتصادية للدول للتعامل مع المتغيرات"، وبعدها كشفت "بلومبرغ" أن السعودية تجري مراجعة حول تنفيذ بعض المشاريع الكبرى، وقامت بتحديد أولويات الصرف وخفض ميزانيات بعضها.
كما أكد الجدعان بمقابلة مع "الاقتصادية"، في مايو، أن المملكة ستواصل الإنفاق الاستراتيجي على برامج "رؤية 2030" والمشاريع الكبرى ذات العائد الاقتصادي المستدام، إضافة إلى زيادة الصرف على البنية التحتية والخدمات العامة.
تراجع فائض الحساب الجاري
أدى خفض إنتاج النفط إلى انكماش كلي في النمو بنسبة 0.8% في عام 2023، بينما سجل إجمالي الناتج المحلي غير النفطي نمواً هائلاً بلغ 3.8%. وبلغ معدل البطالة أدنى مستوياته على الإطلاق. ومن المتوقع أن يساهم الإلغاء التدريجي لتخفيضات إنتاج النفط في تعزيز النمو الكلي ليصل إلى 4.7% في عام 2025، وفق تقرير صندوق النقد الدولي.
ومع انخفاض صادرات النفط وقوة نمو الواردات المرتبطة بالاستثمار، سجل فائض الحساب الجاري تراجعاً كبيراً ليصل إلى 3.2% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2023، وفق التقرير. وما قلص من هذا التأثير، الفائض غير المسبوق في رصيد الخدمات، بما في ذلك زيادة قدرها 38% في صافي الدخل من السياحة، بحسب الصندوق، الذي أكد على وفرة الاحتياطيات المالية، حيث تغطي 15.8 شهراً من الواردات و208% من مقياس صندوق النقد الدولي لتقييم كفاية الاحتياطيات مع نهاية 2023.
ونوّه الصندوق بتباطؤ معدل التضخم على أساس سنوي إلى 1.6% في مايو 2024، رغم ارتفاع الإيجارات بمعدل قدره 10% تقريباً في ظل تدفقات العمالة الوافدة وخطط إعادة التطوير الكبيرة في الرياض وجدة. مشيداً بقوة القطاع المصرفي وقدرة البنوك المحلية على مواجهة أي صدمات.
طرق أسواق الدين
جمع صندوق الاستثمار العامة ملياري دولار من بيع صكوك وسندات خضراء يوم الثلاثاء، ليصل إجمالي إصداراته هذا العام إلى ما يقرب من 10 مليارات دولار. ويقول محللو مورغان ستانلي إنه إذا لم ترتفع أسعار النفط، فمن المرجح أن يبيع المزيد من السندات في المستقبل للمساعدة في تمويل خططه الاستثمارية في المملكة، وفق ما أوردته بلومبرغ.
كما أن الحكومة السعودية نفسها لديها الكثير من المساحة لإصدار المزيد من الديون لدعم الاستثمارات، وفقاً لخبير الاقتصاد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى غولدمان ساكس، فاروق سوسة.
وقال سوسة في مقابلة مع بلومبرغ: "يمكنهم اقتراض المزيد من المال ولن يكون ذلك مشكلة فيما يتعلق باستدامة الديون.. لديهم كمية هائلة من الاحتياطيات. يمكنهم التعامل مع عجز الحساب الجاري لفترة طويلة وتمويل هذا العجز بالاقتراض".
ويتوقع سوسة أن تسجل المملكة العربية السعودية عجزاً في الحساب الجاري بنسبة 0.8% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، بافتراض متوسط سعر النفط 81 دولاراً للبرميل.
تحرير الوقود
تقرير صندوق النقد جدد توصياته للحكومة السعودية بالإلغاء التدريجي للدعم المتبقي على الوقود، مع تنفيذ برامج اجتماعية تستهدف الفئات المستحقة، واحتواء فاتورة الأجور.
كان تقرير سابق للصندوق كشف أن الحكومة السعودية رفضت اقتراحاً مشابهاً قبل حوالي عامين، مفيداً أن الرياض رفضت توصية بإلغاء الحد الأقصى على أسعار البنزين، لكنها التزمت بالوصول بأسعار الطاقة لمستوى السوق بحلول 2030. وأوضح أن الحكومة عارضت هذا الإجراء، نظراً لأهمية هذا الأمر في "الحفاظ على التماسك الاجتماعي وضمان استمرار قدرة الصناعات على تحمل التكلفة".