أخيراً، وبعد أسابيع من التكهن والتخمين، عرفت أميركا الخطوط العامة في برنامج كامالا هاريس للسياسة الاقتصادية، والذي هو بالأساس برنامج جو بايدن الاقتصادي، للأسف.
وحتى أكون منصفاً، لم تكن الكلمة التي ألقتها الأسبوع الماضي مخيبة للآمال بقدر ما لم تكن مثيرة للدهشة، فبرنامج الرئيس لم يكن سيئاً إلى هذه الدرجة، وإنما كان يحتاج إلى رسول أفضل يشرح مضمونه، وهذا المرسل هو نائبة الرئيس.
إن عرض التفاصيل أقل أهمية من أن تقول للناخبين ما يرغبون في سماعه، أقول ذلك مع أن شخصاً يدقق في السياسة مثلي قد يصعب عليه أن يعترف بذلك.
ومع ذلك، فلدى هاريس بعض التفاصيل التي تخصها، وبعضها تختلف أيضاً عن برنامج بايدن. ففي حين اقترح الرئيس إنشاء صندوق قيمته 20 مليار دولار لمساعدة الحكومات المحلية على زيادة المعروض من المنازل، تقترح نائبة الرئيس صندوقاً بقيمة 40 مليار دولار.
وفي حين كان لدى بايدن قوة فيدرالية ضاربة لمواجهة التسعير غير العادل وغير القانوني، تطارد هاريس حالات التلاعب بالأسعار، بفرض عقوبات جديدة على الشركات التي تستغل الأزمات وتخالف القواعد. وهي تقترح تقديم ائتمان ضريبي لمن يشترون منزلاً لأول مرة بشروط أكثر سخاءً لمشتري المنازل من الجيل الأول، غير أن هذه أفكار سبق لبايدن أن أفصح عنها في خطاب حالة الاتحاد الذي لقي استحساناً كبيراً.
حملة هاريس تتجه نحو الوسط
تحركت حملة هاريس نحو الوسط في الآونة الأخيرة عبر التخلي عن بعض المواقف القديمة التي تعود إلى عام 2019 بهدف التوفيق بينها وبين بايدن في قضايا مثل التكسير الهيدروليكي والرعاية الصحية للجميع.
كانت هناك بعض الآمال بأن هاريس ربما تتجاوز ذلك وتتبنى منهجاً تكنوقراطياً أقل شعبوية تجاه السياسة الاقتصادية، يقترب أكثر من نموذج الرئيس السابق باراك أوباما عن نموذج بايدن. ولكن استناداً إلى الكلمة التي ألقتها يوم الجمعة، فمن غير المحتمل أن تتحقق هذه الآمال. إنها حقيبة مختلطة من حيث المزايا.
خذ على سبيل المثال تعهدها بالحد من التلاعب بالأسعار في السوبرماركت. ما حدث مع أسعار البقالة هو أن مبيعات المنافذ التجارية القائمة ارتفعت خلال الجائحة، مما سمح لشركات البقالة بزيادة الأسعار والتمتع بهوامش ربح مرتفعة، تحولت إلى الاتجاه العكسي منذ ذلك الحين جزئياً، ولكن ليس كلياً.
هل هذا "تلاعب"؟ لا أعتقد ذلك. فلو لم يرفعوا الأسعار، لعانى المستهلكون أكثر من نقص معروض السلع ولأغضبهم ذلك أيضاً، (هل تتذكر ما حدث مع ورق التواليت؟). ولكن صحيح أن الأرباح ارتفعت مع ارتفاع الأسعار. وصحيح أيضاً أن هوامش الأرباح، على الرغم من انخفاضها عن وقت الذروة، لا تزال أعلى في عام 2023 مقارنة بما كانت عليه في عامي 2018 و2019.
في الأشهر الأخيرة، تعلن العديد من شركات تجارة التجزئة مثل "تارغت" (Target) عن انخفاض المبيعات، في حين أن "ولمارت" (Walmart) تسجل أداءً جيداً لأن المستهلكين الأثرياء يسعون بشكل متزايد وراء الصفقات.
كل ذلك يعني نهاية الحفل وفترة الازدهار لتجار التجزئة. والذين سيضطرون إلى أن يبدأوا في خفض هوامش الربح مرة أخرى إلى مستويات ما قبل كوفيد أو ينصرف عملاؤهم عنهم قريباً.
تجاهل السياسة المالية وعجز الموازنة
ومع ذلك، فإنها ليست أسوأ الأفكار في العالم أن تلعب المرشحة الرئاسية دوراً في التشجيع على تسريع وتيرة هذا الانخفاض.
كذلك ليست فكرة التركيز الخطابي على تحديد الأسعار والاحتكارات فكرة مجنونة وإن اتسمت بالمبالغة. فمخالفة فعل من الأفعال للقانون لا يعني بالضرورة أنه لا يحدث. هناك جرائم قتل وسرقة سيارات كل يوم في الولايات المتحدة، ومع ذلك لا يزال السياسيون يديرون حملات انتخابية تقوم على فرضية أنهم سيكونون أكثر صرامة في تطبيق القانون. فإذا ترتب على زيادة تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار تأثيرات سعرية كبيرة على الاقتصاد الكلي، فربما كان ذلك أمراً غريباً ومثيراً للدهشة، غير أنه لا يخرج عن نطاق الأمور الممكنة.
ومع ذلك، فإن المشكلة في نهج هاريس هي نفسها مشكلة نهج بايدن. وهي أنه يتجاهل السياسة المالية وعجز الميزانية وتأثير ذلك على النتائج. لقد انخفض التضخم بالفعل انخفاضاً كبيراً من أعلى مستوياته منذ عدة سنوات، ويستعد الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، مما سيؤدي إلى تخفيف تكاليف المعيشة عملياً بالنسبة لمعظم الأميركيين.
إن الإجراء الأساسي الذي يمكن للحكومة الفيدرالية القيام به لتيسير الطريق أمام خفض أسعار الفائدة هو تخفيض عجز الموازنة. غير أن التفكير الحالي في واشنطن يرى فيما يبدو أن السياسة المالية المسؤولة تخسر سياسياً، لذلك لا تستحق عناء الحديث عنها.
استراتيجية مخيبة للآمال
هذا ما يدفع إلى الجنون أولئك الذين أمضوا سنوات أوباما ويقال لهم إن الإنفاق بالعجز يخسر سياسياً، لذا كان من الضروري التركيز على السياسة المالية المسؤولة. في ذلك الوقت، كانت أسعار الفائدة منخفضة وكان من شأن عجز أكبر في الموازنة أن يعزز التوظيف بأقل قدر من التأثيرات السلبية.
أما اليوم، فإن اقتراض الحكومة الفيدرالية يضغط فعلاً على أسعار الفائدة فيدفعها للارتفاع ويضعف نشاط بناء المنازل. ومع ذلك، فإن هاريس، مثلها مثل بايدن قبلها، تقترح في المقام الأول دعماً جديداً على جانبي العرض والطلب.
هذه الاقتراحات أشد حذراً من الناحية السياسية من الهجوم المتردد على قواعد ونظم استخدام الأراضي التي تضعف المعروض من المنازل، وباعتبارها استراتيجية فإن لها فوائد (إذ لا تخاطر بإبعاد الناس) وتكاليف (إذ تبدد فرصة لتحديد ووصف المشكلة الحقيقية)، لكنها لا تختلف جوهرياً عن استراتيجية بايدن. تسبب ذلك في خيبة أمل بسيطة لأي شخص مثلي كان يأمل في الابتعاد عن برنامج بايدن الاقتصادي.
من ناحية أخرى، أحد الاختلافات الكبيرة في نسخة هاريس من رؤية بايدن الاقتصادية هو أن هاريس متقدمة في استطلاعات الرأي. فهي أصغر سناً من بايدن، وهي أفضل في إلقاء الخطابات التي أعدت جيداً، ولا يلومها الجمهور بقدر ما يلوم بايدن على التضخم السابق. وعلى الرغم من أن أياً من ذلك لن يؤثر بشكل كبير على معدل التضخم، فقد تجاوزنا مشكلة ارتفاع التضخم إلى حد كبير في هذه المرحلة.
وفي ظل هذه الظروف، قد ينجح نشر نفس الرسالة عن طريق رسول جديد.