ما من شك في أنَّ معدلات النمو غير المتكافئة بين البلدان هذا العام، ليست هي الخطر الوحيد الذي يُهدد التعافي الاقتصادي العالمي، الذي يجب معالجته هذا الأسبوع، أثناء اجتماع مسؤولين من 190 دولة تقريباً، خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين.
كما يتعيَّن عليهم أيضاً التكاتف لمواجهة الخطر المتزايد لأزمة الديون على مستوى النظام في العالم النامي التي تُسلِّط الضوء على التناقض الصارخ بين ديناميكيات الديون المقلقة في الاقتصادات الأكثر ضعفاً، والكماليات الممنوحة لأغنى البلدان في العالم.
ويغذي هذا التباين الاختلافات في مرونة السياسة والمرونة المالية التي من شأنها تضخيم صدمة عدم المساواة التي لحقت بالاقتصاد العالمي بفعل جائحة كوفيد-19.
ويمكن للجهود المبذولة لمكافحة هذه المخاطر أن تصبح ذاتية التعزيز من خلال تخفيف عبء الديون في الوقت المناسب وبشكل جريء داعم للنمو.
الاستدانة لمواجهة كورونا
وفي الواقع، اتبعت جميع الاقتصادات في جميع أنحاء العالم تقريباً خطَّة مماثلة عند الاستجابة لـ "التوقُّف المفاجئ" الذي أعقب تفشي كوفيد-19 العام الماضي، فقد طُبِّقت تدابير مالية ونقدية كبيرة لتقليل تعطيل الحياة، وسبل العيش نتيجة الجائحة القاتلة؛ وشمل ذلك الاعتماد الشديد على الإنفاق بالعجز، وتمويل الديون لحماية السكان من آثار الفيروس وفقدان الدخل.
كما كان المبدأ التوجيهي مزيجاً من فعل كل ما يتطلَّبه الأمر، وتسخير كل شيء، وإشراك الحكومة برمَّتها. وكان الأساس التحليلي هو الدرس المستفاد من الأزمة المالية العالمية لعام 2008، كما كان العدو الذي يجب التغلُّب عليه بسرعة مشابهاً للعدو في عام 2008، وهو انهيار ثقة الطرف المقابل.
مع ذلك، لم يكن الأمر مالياً وفيما بين البنوك هذه المرة، بل متعلِّق بالصحة وبين البشر، وإحدى النتائج التي لا مفرَّ منها هي الزيادات غير المسبوقة في مستويات الديون حول العالم.
لكن مع تطور الأحداث في عام 2020، أصبح من الواضح أنَّه وعلى عكس عام 2008، لم تكن هذه الأزمة جولة واحدة، ولا تتعلَّق بجانب واحد؛ فمع موجات الفيروس المتتالية، أصبحت ظاهرة متعددة الجوانب، وكشفت بشكل متزايد الاختلافات بين رغبة البلدان وقدرتها على تطبيق جولات متكررة من الإعانات المالية والنقدية الضخمة.
صعوبات تعزيز الإنفاق
وفي أحد طرفي الطيف، سخَّرت الولايات المتحدة بعد بعض التأخيرات السياسية في النصف الثاني من عام 2020، موارد لا تصدَّق. وهذا يشمل تخصيص 1.9 تريليون دولار في الشهر الماضي لتدابير الإغاثة - التي زادت الدعم المالي إلى 27٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة لم يكن من الممكن تصوُّرها في عام واحد - وجهود نقدية كبيرة بالمثل.
ومن ناحية أخرى، توجد البلدان النامية الضعيفة التي تواجه مشاكل الديون، وهي غير قادرة على الوصول إلى التمويل الخاص المستدام، وتعتمد بشكل متزايد على المساعدة العامة، وبالرغم من الموجات الجديدة من العدوى والاستشفاء، فهي تتردد أكثر من أيِّ وقت مضى في فرض قيود متعلقة بالصحة بدافع الخوف أنَّها ستقوِّض سبل العيش الهشة بالفعل.
وفي حين أنَّ الاقتصاد العالمي سيستفيد من تداعيات الطلب على الاقتصاد الأمريكي سريع النمو، فإنَّ ذلك يأتي أيضاً مع مخاطر التداعيات المحلية، والعابرة للحدود لمسرّع سياسة العمل بأقصى استطاعة، وذلك عندما يكتسب الاقتصاد بالفعل الزخم في الاتجاه الصحيح.
وبالتالي، ستثار المخاوف، وأخشى أن يتمَّ إقصاؤها بسرعة كبيرة هذا الأسبوع، بشأن مخاطر المبالغة في ردِّ فعل السوق لتجاوز التضخم، وعدم استقرار الأسواق المالية التي قد تأتي مع ذلك.
الموقف في الدول النامية
الجدير بالذكر أنَّ سياق البلدان النامية الضعيفة هو عكس ذلك، فهي تواجه رحلة شاقة في عام 2021 بقدرة محدودة على مسرعات السياسة المحلية الفعالة.
كما أنَّ السياسة المالية مقيدة بحدود كلٍّ من الديون والتمويل التضخمي. في حين تُخاطر السياسة النقدية المتساهلة للغاية بزعزعة استقرار العملات، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على مستوى المعيشة، وخاصة بالنسبة للفقراء.
وعلى هذا النحو، فهناك خوف حقيقي من أن ينتهي الأمر بوصول عدد متزايد من البلدان النامية إلى أسوأ ما في العالم، وهو نمو غير مرضٍ، ومضاعفة مصائد الديون، ومشكلة متزايدة للديون على مستوى النظام.
وبهدف التعافي بشكل أكثر جدوى من صدمة كوفيد-19 التي قضت في بعض الحالات على عقد من العمل على الحدِّ من الفقر، تحتاج هذه البلدان إلى المزيد من المساعدة الخارجية.
تمديد مبادرة تعليق خدمة الدين
وبالتالي، فإنَّ اهتمام اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هذا الأسبوع، التي بدأت يوم الإثنين، لا ينبغي أن ينصب فقط على تخصيص جديد لحقوق السحب الخاصة، وإنما أيضاً على ما يمكن فعله لتعزيز تخفيف الديون الداعمة للنمو، مع التركيز على مجالين على وجه الخصوص، وهما: تمديد مبادرة تعليق خدمة الدين، والتقاسم العادل للأعباء تحت رعاية "الإطار المشترك لمعالجات الديون بعد مبادرة تعليق خدمة الدين" التابع لمجموعة العشرين أو ببساطة "الإطار المشترك".
ويسعى نموذج السياسة هذا إلى توسيع مشاركة الدائنين في تخفيف الديون، ويتجاوز تأخير المدفوعات ليشمل عمليات إعادة الهيكلة المحتملة؛ فقد أبدت ثلاث دول - تشاد وإثيوبيا وزامبيا - اهتمامها باتباع هذا النهج بتوجيه من تحليلات القدرة على تحمل الديون التي أجراها صندوق النقد الدولي.
وفي إطار مبادرة تعليق خدمة الدَّين، بقيادة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعة العشرين العام الماضي، قدَّم 39 دائناً رسمياً بالفعل تخفيفاً للتدفق النقدي لما يقرب من 50 دولة نامية تكافح من أجل تلبية الأولويات المحلية، بما في ذلك النفقات المتعلقة بالصحة. وقد تمَّ دعم ذلك من خلال الانتعاش الكبير في التمويل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وسيكون هناك العديد من الدعوات لتمديد هذه المبادرة حتى نهاية هذا العام، إن لم يكن بعد ذلك، وهو أمر من المرجَّح أن يجمع الدعم الكافي بمرور الوقت.
وقد يكون هناك أيضاً اهتمام بتوسيع الأهلية للحصول على مبادرة تعليق خدمة الدين إلى ما بعد البلدان المنخفضة الدَّخل البالغ عددها 73 دولة.
حلول مواجهة تراكم الديون
وعلى القدر نفسه من الأهمية، ولكن الأمر الأكثر صعوبة، سيكون النقاش حول كيفية تنفيذ الإطار المشترك بشكل أفضل، الذي لا يسعى فقط إلى معالجة تحديات السيولة في البلدان النامية، وإنما أيضاً القدرة على الملاءة المالية، خشية أن يؤدي تراكم الديون المتراكمة إلى إعاقة النمو أكثر.
أما العقبة الرئيسية فهي التقاسم العادل للأعباء في تخفيف عبء الديون، الذي يشمل الدائنين الرسميين، والدائنين من القطاع الخاص، وتفاعلاتهم.
فعندما يتعلق الأمر بالدائنين الرسميين، ستكون هناك جهود متجددة لضمان أنَّ نهج نادي باريس للإغاثة لأفقر البلدان النامية تتمُّ محاكاته بشكل أفضل من قبل غير الأعضاء مثل الصين، التي تمثِّل وفقاً لبيانات "فيتش ريتينغز"(Fitch Ratings) 64٪ من الديون الثنائية للبلدان المؤهلة في مبادرة تعليق خدمة الدَّين.
أما بالنسبة للدائنين من القطاع الخاص، فالقضية الأشد صعوبة هي اشتراط تقديم تخفيف مماثل في الوقت المناسب، إن لم يكن بشكل استباقي، بدلاً من "الانتفاع المجاني" بما يفعله القطاع الرسمي.
وقد تمَّ تحديد مشاركة القطاع الخاص هذه بالفعل في الإطار المشترك، التي تتطلَّب أن تكون المفاوضات الناجحة بين جميع الدائنين الثنائيين الرسميين، والاقتصاد المدين متبوعة بالدائنين الخاصين الذين يقدِّمون "معاملة مماثلة". ومع ذلك، فإنَّ هذا المطلب يفتقر إلى الإنفاذ القانوني، ويصعب تحقيقه خارج ما يميل إلى إعادة هيكلة الديون الشاملة التي طال أمدها في إطار برنامج صندوق النقد الدولي.
وسيحتاج القطاع الرسمي إلى اتخاذ قرار بين ترك الوضع غير المرضي كما هو أو تعزيز العقلية التقليدية "لكلِّ حالة على حدة" من خلال تبني نهج "العصا" بشكل أكثر جرأة تجاه الدائنين من القطاع الخاص الذين ينتظرون بشكل إجمالي، وبما يجلب لهم الضرر على المدى الطويل إيجاد "الجزرة" المغرية بما فيه الكفاية. وهذا من شأنه أن يجعل من الأسهل مواءمة سلوكيات الدائنين والمدينين مع ما هو في مصلحتهم الجماعية، وكذلك مع مصلحة الاقتصاد العالمي ككل.
وتتمثَّل أحد الدروس الرئيسية المستفادة من "العقد الضائع" في أمريكا اللاتينية في الثمانينيات في أنَّ الديون المتراكمة المستمرة تقوِّض بشكل كبير نمو البلدان وإمكانات الاستثمار فيها، مما يفرض صعوبات كبيرة على الشرائح الأكثر ضعفاً من سكانها. ويتمثَّل أحد الدروس الرئيسية المستفادة من مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون في التسعينيات في أنَّ تخفيف عبء الديون المصمَّم والمحفِّز بشكل مناسب يمكن أن يمهد الطريق لنمو مرتفع، وتنمية أسرع لمن هم في أمس الحاجة إليه في العالم النامي.
لذلك، دعونا نأمل أن يتمكَّن جميع الدائنين من استيعاب كلا الدرسين بسرعة. وفي غياب ذلك، يخاطر العالم بمضاعفة مصائد الديون وتزايد ديون كوفيد-19 على مستوى النظام بشكل متزايد، التي من شأنها أن تفرض مزيداً من المصاعب على السكان الضعفاء والمعذبين بالفعل مع إبراز التفاوت في التعافي من جائحة كوفيد-19.