بلومبرغ
يضع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هدفاً جديداً، إذ يتطلَّع إلى المضي قدماً في تنفيذ خطَّته غير المسبوقة لإحداث التحول الاقتصادي في المملكة، ألا وهي كبرى الشركات المدرجة في البورصة السعودية.
وبعد ستة أسابيع من قول ولي العهد، إنَّه يتعيَّن على الكيانات الأجنبية نقل مقارها الإقليمية إلى المملكة، أو فقدان أعمالها مع الحكومة السعودية، أعلن الأمير محمد، يوم الثلاثاء، أنَّه سيتمُّ تشجيع الشركات السعودية بما في ذلك شركة النفط العملاقة "أرامكو" السعودية، وشركة "المراعي" لإنتاج الألبان على خفض توزيعات أرباحها للمساهمين، وإعادة ضخِّ الأموال إلى شرايين الاقتصاد.
تتدخل الحكومة في شؤون القطاع الخاص
وقال طارق فضل الله الرئيس التنفيذي لوحدة الشرق الأوسط في شركة "نومورا أسيت مانجمنت" لإدارة الأصول في دبي :" لقد رأينا الحكومة تستخدم (العصا أو التلويح بالتهديد) لجذب المستثمرين الأجانب إلى المملكة العربية السعودية، والآن تستخدمها بالنسبة للمستثمرين المحليين".
وأضاف: "لست من المعجبين بأن تتدخَّل الحكومة في القطاع الخاص، لكنَّ السعودية لديها طرق محدودة لتحفيز الشركات، ولذا فإنَّ الشراكة بهذه الطريقة يمكن أن تساعد في التشجيع على ضخِّ مزيد من الاستثمار".
الرهاناهات المرتفعة
وتتضمَّن رؤية ولي العهد أن يقوم القطاعان العام والخاص بإنفاق 27 تريليون ريال بحلول عام 2030 في محاولة لتنويع الاقتصاد الذي شكَّل النفط 54% من الإيرادات في 2020 (الدولار يعادل 3.75 ريالاً ).
ويأتي إطلاق ولي العهد السعودي برنامج "شريك" لتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص في المملكة، في حين تتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مقارنة بمستويات سابقة، ويتزايد عجز الموازنة، وتواجه البلاد تداعيات تراجع أسعار النفط الخام وسط تفشي جائحة كوورنا في 2020.
ووافقت 24 شركة من بينها الشركة السعودية للصناعات الأساسية ( سابك) و"المراعي"، وشركة الاتصالات السعودية (إس تي سي)، والشركة الوطنية السعودية للنقل البحري على الانضمام إلى الخطة لاستثمار 5 تريليونات ريال (1.33 تريليون دولار) في الاقتصاد المحلي، بحسب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي قال أيضاً، إنَّ الشركات ستحصل على أوجه الدعم، وستكون قادرة على الضغط من أجل تطبيق تغييرات في القواعد التنظيمية.
ولم تعلِّق أي من الشركات التي ذكرها الأمير بن سلمان حتى الآن على المبلغ الذي يمكن أن تستتثمره بموجب الخطَّة، وفي ضوء غياب الإفصاح عن خطط الإنفاق، قد يواجه المستثمرون صعوبة في تحديد ما إذا كانت مشاركة الدولة في صنع القرار الخاص بالشركات ستخلق قيمة في نهاية المطاف.
السوق المالية السعودية (تداول)
وقال حسنين مالك، رئيس وحدة الأبحاث في بنك الاستثمار تليمر (Tellimer)، ومقرُّه دبي :" يؤدي الإنفاق الرأسمالي إلى زيادة النمو طويل الأجل عندما يتعلَّق بالمشاريع الإنتاجية التي تخلق القيمة والوظائف، وليس من الواضح أنَّ الوعد بتقديم مزيج من الامتيازات أو الدعم يجعل الاستثمارات الجديدة غير النفطية مقنعة لتلك الشركات بطريقة لم تكن موجوة سابقاً".
وأضاف مالك: "المشكلة هي أنَّ عدم التحرُّك من جانب المملكة ليس خياراً في ضوء الضغط الديموغرافي لخلق فرص العمل، واستنفاد عائدات النفط في نهاية المطاف".
وربما يحاول ولي العهد السعودي معالجة أوجه القصور الحالية، في وقت تمثِّل فيه الرهون العقارية معظم نمو الإقراض لدى البنوك السعودية للقطاع الخاص، ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبير إلى انخفاض الإنفاق الاستثماري الحكومي على مشاريع البنية التحتية الجديدة، وتباطؤ النمو الاقتصادي.
كما أنَّ الأرباح التي توزِّعها الشركات السعودية آخذة في الانخفاض بالفعل.
وبلغ إجمالي عائد توزيعات الأرباح لمدَّة 12 شهراً لمؤشر جميع الأسهم في البورصة السعودية 2.45% بحلول يوم الأربعاء، أي حوالي نصف مستوى التوزيعات في ذروتها عام 2009، عندما كان يحوم حول 5%، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ"، مقابل 1.9% مؤشر مؤسسة "مورغان ستانلي للأسواق الناشئة".
واستقبل المستثمرون الإعلان عن تدشين برنامج" شريك" بإيجابية يوم الأربعاء. وارتفع المؤشر الرئيسي لسوق الأسهم السعودية "تاسي" بنسبة 2.8%، وصعد سهم "أرامكو" 2.7%.
المقرات الإقليمية للشركات
وقالت المملكة العربية السعودية في فبراير، إنَّها ستتوقَّف عن العمل مع الشركات التي ليس لها مقرَّات إقليمية في المملكة، فيما أوضح مسؤول في ذلك الوقت أنَّ الإعلان يهدف إلى الحدِّ من "التسرُّب الاقتصادي"، وتعزيز خلق فرص العمل.
وتاريخياً، تعتمد المملكة على خبراء استشاريين ومستشارين يقيمون في دبي أو البحرين؛ إذ يتمتع الأجانب بأسلوب حياة أكثر سهولة.
ويتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر دون المستهدفات الحكومية.
وقال الأمير محمد، إنَّه يستهدف أن تتجاوز الاستثمارات الأجنبية المباشرة 500 مليار دولار على مدى العقد المقبل.
وفي 2020، ارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة إلى المملكة بنسبة 20% إلى 5.5 مليار دولار، مما يقل عن أهداف المملكة، ولكنَّه خالف الانخفاض عالمياً.
ولا يزال يستهدف أن تنفق الشركات الخاصة بالسعودية 5 تريليونات، وهو يقلُّ عما يتصوَّر الأمير محمد أن يتدفَّق في صورة استثمارات أجنبية مباشرة.
وقال ولي العهد، إنَّ أكثر من 90% من الـ27 تريليون ريال التي ستنفقها المملكة خلال السنوات الـ10 المقبلة، سوف يأتي من إنفاق الحكومة، وصندوق الاستثمارات العامة، والشركات السعودية الكبرى، والقطاع الخاص السعودي، والمستهلك في المملكة.
وأضاف ولي العهد أنَّ بلاده ستدبر أقل 10% من حجم الإنفاق المقدَّر، البالغ 27 تريليون ريال، عبر الاستثمارات الأجنبية، علماً أنَّ جزءاً منه من المستثمرين الإقليميين، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، والجزء الآخر من الغرب والشرق.
ومع ذلك، فإنَّ الوتيرة البطيئة للاستثمار الأجنبي قد تساعد في تفسير الرغبة في جعل الشركات المحلية تساهم بشكل أكبر في الاقتصاد، كما قال جان فرانسوا سيزنيك، زميل بارز في مركز الطاقة العالمي بالمجلس الأطلسي بواشنطن، والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط.
وأضاف سيزنيك: " السعودية قلقة من أنَّ الشركات الأجنبية قد لا تتخطَّى العقبات للقدوم إلى البلاد .. إنَّها بحاجة إلى تقليل اعتماد الإنفاق على الدَّخل النفطي. كيف تفعل ذلك إذا لم يأتِ المستثمرون الأجانب؟ إحدى الطرق هي تشجيع القطاع الخاص المحلي على ضخِّ مزيدٍ من الاستثمارات".