بقلم Robert Greenway / Victoria Coates
تنفَّس العالم الصعداء يوم الإثنين الماضي عندما جرى تحرير سفينة الشحن "إيفر غيفن" الضخمة من قناة السويس. لكن لا ينبغي أن نحتفل بعد، فقد أوقفت هذه السفينة حركة المرور عبر أحد ممرات الشحن الأكثر ازدحاماً في العالم لمدَّة أسبوع تقريباً، بتكلفة تقارب 10 مليارات دولار في اليوم.
في كل يوم، أغلقت فيه "إيفر غيفن " القناة، أدى ذلك إلى تفاقم المشكلة، فقد كانت الحاويات المحجوزة بالفعل في رحلات مؤجلة على متن سفن عالقة، وبدأت سلاسل التوريد في الانهيار.
عرضت وزارة الدفاع الأمريكية المساعدة في حلِّ الأزمة، وكان ينبغي أن تشمل تلك المساعدة معالجة أمن السويس على نطاق أوسع. ويمكن أن تكون "إيفر غيفن" بمثابة جرس إنذار لنقل البنية الأمنية للقناة إلى القرن الحادي والعشرين، والتأكُّد من استمرارها في أداء دورها التاريخي كقناة حيوية بين أوروبا، وإفريقيا، وآسيا.
و في حين يجري بالفعل تقديم مقترحات للتحديثات المادية لقناة السويس، فإنَّ القضية الأقل نقاشاً، هي أنَّ الهيكل القانوني الحالي الذي يحكم السويس قد عفا عليه الزمن بشكل محبط، وهناك حاجة إلى آليات جديدة للتعامل مع السفن الحديثة، والتهديدات المحتملة.
اتفاقية القسطنطينية
تنظِّم اتفاقية القسطنطينية حركة مرور القناة، وهي سارية منذ عام 1888 (حتى بعد أن أممَّ الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر قناة السويس في عام 1956) وتقوم على أساس أنَّ القناة منفعة جماعية، ولن يكون أحد متهوراً بما يكفي لمحاولة إلحاق الأذى بها، وبالتالي ينبغي ببساطة أن تظلَّ مفتوحة لجميع السفن التي تحمل الأعلام والمؤمَّن عليها بشكل صحيح، بغض النظر عن المنشأ.
وشجعت هذه الفرضية المثيرة للإعجاب، للأسف، على اتخاذ موقف أمني سلبي بدلاً من اتخاذ موقف استباقي غير ملائم للقرن الحادي والعشرين. هذا أمر مثير للقلق بشكل خاص، لأنَّ الجهات الفاعلة المعادية، مثل إيران ووكلائها الإرهابيين، قد أظهروا استعدادهم لمهاجمة البنية التحتية المدنية، في حين يلعبون بسرعة وحرية في ملعب من المفترض أنَّه يتعلَّق بقواعد الشحن الدولي، مثل الاحتفاظ بنظام تحديد المواقع العالمي للسفن طوال الوقت.
و بدلاً من تقييد أيدينا بشكل جماعي بالنهج البسيط للاتفاقية، يجب أن نستخدم المزيد من السلطات الحديثة الموجودة بالفعل، التي من شأنها أن تسمح للولايات المتحدة ومصر بقيادة جهد جديد للاستفادة من القوة الجماعية لشركائهم وحلفائهم لتأمين قناة السويس ضد التهديدات التي تتراوح من الهجمات الإرهابية والسيبرانية إلى حالات الانسداد العارضة.
إحدى هذه السلطات هي مدوَّنة المنظمة البحرية الدولية، التي يمكن تطبيقها بالاقتران مع لوائح، كقراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1772 و 1816، وهذه القرارات، التي جرى إنشاؤها استجابة لتهديد القرصنة المتزايد، تنطبق على هذه القضية، لأنَّها تمثِّل تفويض التعاون الدولي من أجل تحقيق الأمن الجماعي في المنطقة.
مساهمة أمريكية
يمكن للولايات المتحدة أيضاً المساعدة من خلال توسيع نطاق بناء الأمن البحري الدولي، المعروف بشكل أكثر روتينية في أمريكا المتحدة باسم فرقة العمل المشتركة للحراسة.
وتشكَّلت فرقة العمل هذه في يوليو 2019 للدفاع ضد القرصنة الإيرانية، والإرهاب داخل وحول مضيق هرمز، وباب المندب. ويجب أن تشمل الآن منطقة قناة السويس بالتنسيق مع الجيش المصري الذي يؤمِّن المنطقة، وهيئة قناة السويس التي تشرف على الخدمات اللوجستية، ودفع الرسوم، مع الترحيب بمشاركة جميع الدول التي تعتمد على الحفاظ على طرق التجارة البحرية.
و تعدُّ فرقة العمل بمثابة تحالف متعدد الجنسيات (بما في ذلك ألبانيا، والبحرين، وإستونيا، وليتوانيا، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة)، وهي موجودة للحفاظ على حرية الملاحة لحركة المرور التجارية التي تمر عبر المضائق الاستراتيجية في الشرق الأوسط.
ومنذ إنشائها، وفَّرت هذه الفرقة الأمن عند الطلب، لأكثر من ألف سفينة تجارية بشكل عملي، من خلال التدخل على أرض الواقع، وإتاحة المعلومات، والتعاون الاستخباري لزيادة الوعي بالتهديدات المحتملة، وردع الأنشطة غير القانونية، وغير الآمنة، وغير المهنية.
إذا جرى توسيع هذه العملية الدفاعية، فستشمل السفن السطحية، وأجهزة المراقبة المحمولة جواً، فضلاً عن القيادة، والتحكُّم، والاتصالات الداعمة اللازمة لدمج الشبكة.
يمكن أن يشمل بناء فريق العمل دمج جميع تقييمات الاستخبارات والتهديدات من الدول المشاركة التي من شأنها أن تمكِّنها من توقُّع الحوادث العارضة أو الحوادث الأمنية، والدفاع عنها، والاستجابة لها عندما تقتضي الحاجة إلى ذلك. ويمكن أن تجمع الأصول المادية، والموارد لأعضائها لإدارة الأزمات أو الاضطرابات، وتمكين القناة من العودة بسرعة إلى أداء وظيفتها العملية. ربما يكون نظام الاستجابة السريعة المنسق هذا قد اختصر الانسداد الذى تسبَّبت فيه السفينة " إيفر غيفن " بأيام.
نقطة الضعف
في الوقت الحالي، تكمن أكبر نقطة ضعف في السويس في المجال السيبراني. لقد شهدنا العديد من الهجمات الإلكترونية العدائية ضد أنظمة التحكُّم الصناعية في السنوات الأخيرة. وتعدُّ تكنولوجيا المعلومات وهندسة الاتصالات في القناة - التي تعادل نظام التحكُّم في الحركة الجوية - معرَّضة للخطر على نحو متساو.
وهنا يمكن للولايات المتحدة وإسرائيل على وجه الخصوص المساهمة بتكنولوجيا جديدة لضمان حماية النظام بشكل صحيح، وامتلاكه الإمكانيات اللازمة لحمايته من الأعطال أو التخريب.
مثل هذه الخطوات لن تحمي فقط التجارة البحرية الحيوية أثناء التعافي العالمي من الوباء، بل يضمن أيضاً حماية كابلات الاتصالات البحرية ذات الأهمية الحيوية على المستوى نفسه، والموجودة في موقع قناة السويس نفسه.
مرَّت حوالي 500 سفينة عبر قناة السويس في العام الذي جرى فيه توقيع اتفاقية القسطنطينية. تودُّ مصر أن ترى هذا الرقم يتجاوز 19 ألف سفينة في عام 2021، في حين تسبَّب حادث " إيفر غيفن " في حدوث أزمة، إلا أنَّه لم يرتقِ إلى مستوى الكارثة.
ويمكن للعمل السريع بقيادة الولايات المتحدة ومصر ، بالتنسيق مع أقوى حلفائنا الإقليميين، أن يمنع أي واقعة مستقبلية من أن تصبح كذلك.
عندما تصوَّر النحات الفرنسي "فريدريك أوغست بارتولدي" في الأصل شخصية أنثوية ضخمة في ستينيات القرن التاسع عشر، كان من المفترض أن تكون، على غرار تمثال " رودس " العملاق في العالم القديم ، واقفاً عند مصبِّ قناة السويس، حيث توجد الآن منارة بورسعيد. وأوقفت تجاوزات الميزانية المشروع، ومن ثمَّ أعاد "بارتولدي" استخدامه ليصبح تمثال الحرية في ميناء نيويورك.
وسيكون من المناسب أن تتمكَّن الولايات المتحدة الآن من الشراكة مع مصر من القيام بعرض افتراضي يعبِّر عن النصب التذكاري الأصلي للوقوف معاً في حالة تأهب للتأمين عند قناة السويس في القرن الحادي والعشرين.