مصريون يؤجلون قرارات الشراء رغم تراجع الأسعار عقب خفض الجنيه

وضع الاقتصاد حالياً يجعل من الصعب على الأسر المصرية إدارة شؤونها المالية

time reading iconدقائق القراءة - 10
عامل ينظف الطريق خارج صالة عرض سيارات جديدة في منطقة مصر الجديدة بالقاهرة - بلومبرغ
عامل ينظف الطريق خارج صالة عرض سيارات جديدة في منطقة مصر الجديدة بالقاهرة - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تحت أشعة شمس الصيف الحارقة في القاهرة، يعرض متجر سيارات في ساحته الأمامية مجموعة من سيارات "تويوتا" الجديدة بخصومات كبيرة. يكشف هذا المشهد عن جانب مفاجئ للانخفاض الكبير في قيمة العملة خلال مارس، وهو تراجع أسعار السلع الفاخرة.

انخفضت الأسعار كثيراً، في الواقع، لدرجة أن المشترين المحتملين لكل السلع بما في ذلك الأرائك والثلاجات والسيارات يحجمون عن الشراء، مقتنعين بأن بمقدورهم إبرام صفقة شراء أفضل حال الانتظار.

لا أحد تقريباً ينفق أمواله، وهذه مشكلة ينبغي على الاقتصاد المصري الذي يحركه قطاع الاستهلاك، التغلب عليها.

قال محمد ياسين، بائع في أحد متاجر الأثاث الكبيرة بحي مصر الجديدة شرق العاصمة: "الناس يأتون ليسألوا عن الأسعار، ويخشون الشراء حالياً، متوقعين حدوث مزيد من انخفاض الأسعار". 

خطة إنقاذ عالمية 

سمحت السلطات المصرية في مارس للجنيه بالانخفاض بنحو 40% في محاولة لوقف أزمة مستمرة منذ عامين، كانت تدفع اقتصاد أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان إلى حافة الهاوية، قبل أن تساعد خطة إنقاذ عالمية بقيمة 57 مليار دولار في تغيير مجرى الأحداث.

لكن تراجع الأسعار بعد خفض قيمة العملة بمصر يأتي على النقيض من معظم التوقعات الاقتصادية التقليدية، ناهيك عن تجارب دول مثل نيجيريا والأرجنتين التي ارتفعت بها الأسعار بعد تخفيض قيمة العملة.

خلال عمل السوق الموازية للعملة الأجنبية التي توقفت في الوقت الراهن، اشترى مستوردون مصريون الدولار الأميركي مقابل سعر صرف باهظ، وحمّلوا التكلفة للمستهلكين من خلال رفع الأسعار المحلية بشكل حاد.

مع ذلك، مع توفر الدولار الأميركي الآن بحرية، وتداول الجنيه بسعر صرف أقوى من أدنى مستوياته في السوق الموازية، يعاني الكثير من تجار التجزئة لبيع مخزوناتهم بأسعار تبدو مرتفعة بشكل غير مبرر.

الوضع الحالي يجعل من الصعب على الأسر المصرية إدارة شؤونها المالية. في حين أن سيارة "مرسيدس" قد تكون أرخص مما كانت عليه في عام 2023، فإن تكاليف المعيشة الأخرى مستمرة في الارتفاع، وإن كان بوتيرة أكثر اعتدالاً من ذي قبل، ومن المتوقع على نطاق واسع أن ترتفع أسعار الكهرباء والوقود.

انتعاش الطلب مؤشر إيجابي

سيكون انتعاش الطلب بمثابة مؤشر إيجابي على أن ثالث أكبر اقتصاد في القارة الأفريقية يعود إلى المسار، ويطبق سياسات اقتصادية تقليدية مرة أخرى بعد فترة من اتخاذ السلطات حلولاً مؤقتة مثل فرض قيود على الاستيراد، والتي أربكت الشركات وتركتها في حيرة من أمرها. 

قد تساعد تلك العوامل، على تحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تشتد إليه الحاجة، وتعزيز ثقة مشتري السندات، خاصة الذين توافدوا بشكل مكثف على سوق أدوات الدين المصرية منذ تخفيض قيمة العملة.

قال محمد أبو باشا، رئيس قسم البحوث في "مجموعة هيرميس المالية" إن "ما يحدث بمثابة مسألة انتظار بين المستهلكين والتجار، حيث تستغرق السوق على كلا الجانبين بعض الوقت لاستيعاب تقلبات سعر الصرف التي شهدتها الأشهر القليلة الماضية". 

في السنوات الأخيرة، عانت مصر من نقص شديد في النقد الأجنبي لدرجة أن بعض السلع الاستهلاكية أصبحت نادرة، مع بقاء واردات بمليارات الدولارات عالقة في موانئ البلاد. عانت مصر أيضاً من عجز من حين لآخر في توافر منتجات أخرى مثل التبغ، حيث خزن الموزعون وتجار التجزئة ما لديهم من بضائع تحسباً لانخفاض العملة المحلية بشكل حاد.

تراجع المبيعات بعد خفض الجنيه

قال تجار يعملون في شركات تشمل العقارات وتجارة التجزئة للهواتف المحمولة لـ"بلومبرغ" إن أحجام مبيعاتهم انخفضت منذ هبوط قيمة العملة. بلغت مبيعات السيارات في مايو 4810 سيارات فقط، بحسب أحدث البيانات المتاحة، بانخفاض نحو 75% مقارنة بالمتوسط ​​الشهري في 2021 قبل الأزمة الاقتصادية.

في الوقت نفسه، انخفضت أسعار طرازات السيارات بما في ذلك "هيونداي توسان" و"فولكس واجن تيغوان" و"كيا سبورتاج" بنحو مليون جنيه (21 ألف دولار)، مما جعل تكلفتها أقل بمقدار الربع تقريباً عما كانت عليه قبل تراجع العملة.

قال أبو باشا إن أسعار السيارات تشهد انخفاضات حادة على وجه الخصوص؛ كون القطاع كان عرضة بشكل خاص لنقص حاد في العرض أدى إلى تضخم الأسعار قبل تخفيض قيمة العملة، موضحاً أن تجار المنتجات الأخرى يختارون في الغالب تقديم تخفيضات مؤقتة، بدلاً من التخفيضات المباشرة في الأسعار، حيث ينتظرون مزيداً من الوضوح بشأن سعر صرف الجنيه وسلوك المستهلك.

سامر، وهو مهندس يبلغ من العمر 46 عاماً يتطلع إلى شراء  سيارة "سيدان" منذ فبراير الماضي، يعتبر مثالاً على ذلك، حيث تأخر كثيراً في الشراء مع استمرار تراجع الأسعار "الباهظة أو غير المعقولة". وقال: "الحمد لله أنني لم أشترِ في وقت سابق". 

لا تزال التخفيضات الكبيرة غير كافية لأشخاص مثل رشا محمود، التي كانت تبحث عن شراء الأجهزة المنزلية لتجهيز منزل الزوجية لابنتها قبل الزفاف. وقالت: "نصحني الكثير من الأشخاص، بالانتظار قليلاً، حتى تصبح أسعار السلع أرخص". 

رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"

 "تحاول مصر موازنة سياساتها الاقتصادية بعناية بين المستهلك المحلي والمستثمرين الأجانب. ارتفاع أسعار الفائدة، وخفض الدعم، والتوقعات بانخفاض أسعار السلع المعمرة في المستقبل، كلها عوامل تدفع المستهلكين إلى تأجيل الشراء. يمكن للسلطات تحفيز الطلب عن طريق خفض أسعار الفائدة، أو زيادة الإنفاق العام. لكن هذه الخطوات قد تؤدي إلى إبعاد المستثمرين عن سوق الدين المحلي". 

-          زياد داوود، كبير الاقتصاديين في قسم الأسواق الناشئة لدى "بلومبرغ" 

تراجع التضخم في مصر

في جميع المناطق المناطق الحضرية، تراجع التضخم في مصر على مدى أربعة أشهر متتالية، لينخفض بأكثر من 10 نقاط مئوية عن الرقم القياسي السنوي البالغ 38% في سبتمبر الماضي. في الوقت نفسه، تباين تباطؤ التضخم، حيث ارتفعت تكاليف الملابس والنقل، لكن أسعار المواد الغذائية تقلبت بين انخفاض وارتفاع خلال الشهر الماضي.

قد يؤدي الإلغاء التدريجي لدعم الوقود والارتفاع المحتمل في تعرفة الكهرباء هذا الصيف إلى زيادة الضغوط، رغم أن رفع أسعار الخبز المدعوم بنسبة 300% والذي بدأ سريانه في مطلع يونيو، لم يكن له تأثير يُذكر على معدل التضخم الرئيسي.

يتساءل مصريون عما ينتظرهم في قادم الأيام. في إحدى عربات مترو الأنفاق بالقاهرة المزدحمة مؤخراً، تساءل أشخاص عما إذا كان رفع سعر رغيف الخبز يعني أن الأسوأ لم يأت بعد بالنسبة للمواد الغذائية الأساسية الأخرى، أو ما إذا كانت بعض الأسعار التي تشهد انخفاضاً قد تعود إلى الارتفاع.

قالت المواطنة المصرية سامية، التي كانت تحمل طفلها البالغ من العمر عامين، إنها كانت تدفع 3 جنيهات مقابل شراء 60 رغيف خبز مدعوم من الدولة، وهو ما يكفي لإطعام أسرتها المكونة من 5 أفراد لمدة أسبوعين، لكن التكلفة تضاعفت الآن أربع مرات. وأضافت: "كنا سعداء في الآونة الأخيرة، بانخفاض أسعار السكر والدقيق، حتى أعلنت الحكومة زيادة سعر رغيف الخبز". 

ضعوظ على التجار

في ظل حالة مماثلة من عدم اليقين، تجد شركات مثل متجر ياسين للأثاث نفسها في وضع صعب. أثناء جلوسه في متجره الخالي من الزبائن، يشكو ياسين من أن تراجع الاستهلاك أدى إلى انخفاض المبيعات بأكثر من 50% في الأشهر القليلة الماضية، مما يزيد من صعوبة تغطية تكاليف الأجور والكهرباء.

بعد أن رفع المتجر الأسعار بنسبة 30% قبل تخفيض قيمة العملة، يقدم حالياً خصومات تصل إلى 50% في محاولة لجذب بعض العملاء خلال ما يسميه "ركوداً". ولفت إلى أن تقديم خصومات كبيرة لم يجذب عملاء للشراء، إذ أن الترقب هو سمة الوضع الحالي. 

تصنيفات

قصص قد تهمك