بلومبرغ
ربما تكون الأزمة المباشرة لقناة السويس قد انتهت، إلا أن المعركة على الأضرار الناجمة عن الإغلاق الأطول للممر المائي منذ نصف قرن قد بدأت للتو.
ومن المحتمل أن تكون التكلفة طويلة الأجل لإغلاق القناة المقدرة بنحو 10 مليارات دولار في اليوم ضئيلة، نظراً لأن حجم تجارة البضائع العالمية يبلغ 18 تريليون دولار سنوياً. ومع ذلك، وبالنظر إلى تأجيل الشحنات لأسابيع إن لم يكن لأشهر، فيمكن لإغلاق القناة أن يطلق العنان لفيض من المطالبات من قبل جميع المتضررين، بدءاً من خطوط الشحن وصولاً إلى الشركات المصنعة ومنتجي النفط.
وفي هذا السياق، قال "أليكسيس كاهالان"، الشريك في شركة "نورتون وايت" (Norton White) في سيدني، المتخصصة في قانون النقل: "القضايا القانونية هائلة للغاية، وإذا كان بوسعكم تخيل مجموعة متنوعة من الشحنات الموجودة – التي تضم كل شيء بدءاً من الزيت والحبوب والسلع الاستهلاكية مثل الثلاجات، وصولاً إلى البضائع القابلة للتلف - فقد لا تكون هذه المطالبات معروفة قبل بعض الوقت".
وتم تعويم سفينة "إيفر غيفن" (Ever Given) بنجاح يوم الاثنين، واستؤنفت حركة المرور عبر القناة. إلا أن الإغلاق، الذي بدأ الثلاثاء الماضي، كان أطول إغلاق للقناة منذ إغلاقها لمدة ثمانِ سنوات بعد حرب الأيام الستة عام 1967، حيث ذكّر إغلاقها العالم بهشاشة البنية التحتية للتجارة العالمية والتهديدات لخطوط الإمداد التي تعاني بالفعل من الضغط بسبب الجائحة.
المدى الزمني لعودة الأمور لطبيعتها
واستماتت السلطات المصرية لإعادة تدفق حركة المرور عبر الممر المائي الذي يمثل السبيل لعبور حوالي 12% من التجارة العالمية وحوالي مليون برميل من النفط يومياً.
وفي هذا الصدد، قالت شركة "ليث إيجنسيز" (Leth Agencies)، وهي واحدة من أكبر مزودي خدمات عبور قناة السويس، إن 37 سفينة خرجت من البحيرات المرة بحلول الساعة 3:30 صباحاً بالتوقيت المحلي ومن المقرر أن تخرج 76 سفينة يوم الثلاثاء. كما قالت شركة "إتش إم إم" العملاقة في كوريا الجنوبية إن سفينة "إتش إم إم جدانسك"، وهي واحدة من أكبر سفن الحاويات في العالم والتي يمكن أن تحمل 24 ألف حاوية بطول 20 قدماً، من المقرر أن تمر عبر الممر المائي يوم الثلاثاء بعد أن توقفت منذ الأسبوع الماضي.
علاوةً على ذلك، قال "أسامة ربيع" رئيس "هيئة قناة السويس" في مؤتمر صحفي عقده مساء الاثنين إن إعادة القناة إلى وضعها الطبيعي قد تستغرق أربعة أيام.
وقد يكون هذا التقييم متفائلاً، حيث من المحتمل أن يستغرق الأمر أسابيع حتى يتم حل الموقف بالكامل، وذلك وفقاً لـِ "أرثر ريتشييه"، محلل الشحن الأول في شركة معلومات سوق الطاقة "فورتكسا" (Vortexa). وما من شكٍ في أن أسعار الشحن لطرق الشحن المتضررة آخذة في الارتفاع بالفعل بسبب قلة توافر الناقلات حيث يظل بعضها عالقاً، في حين يسلك بعضها الطريق الأطول حول رأس الرجاء الصالح.
وتعليقاً على الموضوع، قال "جون ووبنسميث"، الرئيس التنفيذي لشركة "جينكو شيبينغ آند تريدينغ ليمتد"، في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ يوم الثلاثاء: "بالنسبة لتنسيق الخدمات اللوجستية الخاصة بالسفن التي ستمر أولاً، وكيف سيتم حل ذلك، فانا أرى أنه لدى المصريين عمل كبير بين أيديهم". وأوضح أنه بهدف منع الاضطرابات المستقبلية والمساعدة في استيعاب أحجام أكبر من حركة الملاحة، يمكن للسلطات النظر في توسيع قناة السويس.
الجدير بالذكر، أن انسداد القناة سيؤدي إلى تقليل أرباح معيدي التأمين العالميين، التي تضررت بالفعل جرّاء عواصف الشتاء في الولايات المتحدة والفيضانات في أستراليا، بالإضافة إلى الجائحة، وذلك وفقاً لبيانات وكالة "فيتش"، التي قالت إن أسعار إعادة التأمين البحري سترتفع أكثر نتيجة لذلك. وتُقدّر وكالة "فيتش" أن الخسائر قد تصل إلى مئات الملايين من اليورو.
وفي جولة محتملة من الإجراءات القانونية، يمكن لمالكي البضائع على متن السفينة "إيفر غيفن" والسفن الأخرى المطالبة بتعويض عن التأخيرات من شركات التأمين الخاصة بهم، إذا كان لديهم وثيقة تأمين تشمل ذلك. كما يمكن لشركات التأمين على البضائع الموجودة على متن السفن تقديم مطالبات ضد مالكي "إيفر غيفن"، الذين سيلجؤون بعد ذلك إلى شركات التأمين الخاصة بهم من أجل الحماية من تحمل تلك المطالبات.
وتقول شركة "إيفرغرين لاين" (Evergreen Line) التايوانية التي استأجرت السفينة "إيفر غيفن"، إن شركة "شوي كيسن كايشا ليمتد" اليابانية - مالكة السفينة - هي المسؤولة عن أية خسائر؛ وتتحمل شركة "شوي كيسن" بعض المسؤولية إلا أنها ترى أن المستأجرين بحاجة إلى التعامل مع أصحاب البضائع.
السفينة تتحرّك أخيراً!
وتُمثل شركة "إنسي غوردون دادز إل إل بي" شركة "إيفرغرين" كمستشار قانوني، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، والذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لأنه غير مصرح لهم بالتحدث إلى وسائل الإعلام. ورفضت شركة "إنسي غوردون دادز" ومقرها لندن، وشركة "إيفرغرين" التعليق على الأمر.
وقال مسؤول في شركة "شوي كيسن" إن الشركة لم تتلق أية مطالبات بالتعويض من أية جهة مختلفة حتى الآن. ولا تملك الشركة تقديراً لمقدار المطالبات المحتملة، حيث ما تزال تدرس نطاق مسؤوليتها، وفي الواقع، فقد تم التأمين على هيكل السفينة لدى ثلاث شركات يابانية.
وقال رئيس هيئة قناة السويس إن المسؤولية عن جنوح السفينة العملاقة سيتم تحديدها بعد التحقيق، مضيفاً أن الهيئة ليست مذنبة وأن قبطان السفينة - وليس مرشد السفينة - هو المسؤول عن السفينة.
كما تستمر عمليات التفتيش على الأضرار المحتملة في سفينة "إيفر غيفن"، التي تم نقلها شمالاً إلى البحيرات المرة. وصرّحت "إيفرغرين" في بيان لها أن هذه الفحوصات ستحدد ما إذا كان يمكن للسفينة استئناف خدمتها المقررة، وماذا سيحدث للحمولة على متنها.