الشرق
أبقى البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه اليوم الخميس، مفضلاً الانتظار حتى تظهر أدلة أكثر على كبح التضخم قبل إجراء تخفيضات إضافية عليها، وذلك بعد إجراء أول خفض للفائدة هذا العام في يونيو الماضي، وفق بيان رسمي صادر عن البنك.
جاء هذا القرار بالتوافق مع توقعات 55 اقتصادياً استطلعت "بلومبرغ" آراءهم، وقدروا بقاء سعر الفائدة على الودائع كما هو عند 3.75%. كما يزيد هذا التأجيل التوقعات بإرجاء قرار خفض الفائدة في أوروبا حتى الاجتماع التالي في سبتمبر، حيث يتوقع الاقتصاديون تطبيق المسؤولين حينها للخفض الثاني على الفائدة هذا العام، بمقدار ربع نقطة مئوية، بعدما يكونوا قد حصلوا على تقريرين شهريين آخرين عن التضخم، والبيانات المتعلقة بالأجور والإنتاجية.
كذلك ربما تتوفر رؤية أوضح بحلول ذلك الوقت حول الأحداث السياسية في فرنسا والولايات المتحدة، وموعد بدء بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في دورة التيسير النقدي.
قال البنك في البيان: "المعلومات الواردة لنا تدعم بشكل عام التقييم السابق لتوقعات التضخم على المدى المتوسط. وفي الوقت نفسه، لا تزال ضغوط الأسعار المحلية مرتفعة، وتضخم الخدمات كبير، ومن المرجح أن يظل التضخم الرئيسي أعلى من المستوى المستهدف للبنك المركزي حتى العام المقبل".
توقعات أسعار الفائدة الأوروبية
يتوقع معظم المحللين خفضين إضافيين بمقدار ربع نقطة مئوية هذا العام، في اجتماعي سبتمبر وديسمبر، رغم أن عدداً محدوداً منهم يتوقع خفضاً واحداً فقط. وتتبنى الأسواق وجهة نظر مماثلة، حيث يوجد إجماع فيها على إجراء خفض واحد إضافي على الأقل هذا العام، مع ترجيح أغلب المشاركين لتطبيق خفض ثاني.
قبل اجتماع اليوم أشار صُناع السياسة بوضوح إلى أن هذا الاجتماع يشكل في المقام الأول فرصة لتقييم الوضع. وأخبر كبير الاقتصاديين فيليب لين تليفزيون "بلومبرغ" أن النقاش سيركز على القضايا الاقتصادية، وأن البيانات المتاحة في الاجتماع لن تجيب عن كافة التساؤلات القائمة.
فيما صرحت كريستيان لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأورويي، عقب مؤتمر البنك المركزي الأوروبي السنوي في سينترا بالبرتغال: "نحتاج إلى كثير من البيانات، لكني لست متأكدة من أننا سنحصل على هذه البيانات في كل اجتماع للجنة السياسة النقدية بمجلس إدارة البنك".
أدوات المركزي الأوروبي لإبطاء التضخم
يعتمد البنك المركزي الأوروبي على تباطؤ نمو الأجور وتقلص هوامش الربح وزيادة الإنتاجية لكبح التضخم إلى النطاق المستهدف البالغ 2%، لكن هذا المزيج معقد وربما لا ينجح كما هو متوقع.
رأي خبراء "بلومبرغ إيكونوميكس":
يقول ديفيد باول، كبير الاقتصاديين في منطقة اليورو: "الزيادات الأخيرة في حزم رواتب كل موظف، والوتيرة الزمنية الرسمية التي يتبعها البنك المركزي الأوروبي للحصول على بيانات الأجور وتضخم الخدمات، جعلت البنك متردداً في خفض الفائدة للمرة الثانية هذا العام دون الحصول على مزيد من البيانات التي تؤكد أن ضغوط التضخم آخذة في التراجع. لكن تباطؤ التضخم من شأنه أن يدعم إجراء خفض آخر على الفائدة بحلول اجتماع سبتمبر".
لا تزال ضغوط الأسعار المحلية مستمرة، على وجه الخصوص، حيث يدعمها الطلب القوي على الخدمات وسوق العمل القوية.
وفي ألمانيا، أكبر اقتصاد في المنطقة، لا تزال النقابات تسعى لتحقيق مكاسب هائلة للتعويض عن التضخم المترتب على ذلك، ونجحت في تحقيق مساعيها حتى الآن.
ستظهر الأدلة على الإنجازات التي تم تحقيقها خلال الربع الثاني في الأسابيع التي تسبق اجتماع البنك المركزي الأوروبي في سبتمبر،
عندما يتلقى صُناع السياسات أيضاً توقعات جديدة حول النمو الاقتصادي والتضخم في منطقة اليورو المكونة من 20 دولة.
مخاطر وشكوك في اقتصاد أوروبا
تشير بعض المؤشرات الحديثة إلى أن تعافي المنطقة ربما فقد بعض الزخم. وعانى قطاع التصنيع من ضربة أخرى، كما تباطأ قطاع الخدمات، وتلاشت الثقة بسبب انعدام اليقين المتزايد.
حتى قبل محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، كان المحللون ينظرون إلى الانتخابات الأميركية في نوفمبر باعتبارها الخطر الأكبر على اقتصاد منطقة اليورو. ويبدو أن فرص عودة ترمب إلى البيت الأبيض تحسنت الآن، خاصة وسط الدعوات الموجهة للديمقراطيين والتي تطالب جو بايدن بإفساح المجال لمرشح أصغر سناً.
في الوقت نفسه، تلوح مخاطر أخرى في الأفق، حيث أثارت الانتخابات المبكرة في فرنسا -موطن لاغارد- في البداية مخاوف من تولي حكومة يقودها اليسار المتطرف أو اليمين المتطرف، لكنها أسفرت في النهاية عن برلمان يبدو غير قادر على معالجة التحديات المالية التي تواجه ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة.
بالرغم من أن الأسواق هدأت، أعادت هذه الأحداث أزمة الديون الأوروبية التي وقعت في العقد الماضي إلى الأذهان، وأثارت القلق في إيطاليا التي تخضع مواردها المالية العامة للمراقبة الشديدة.
يقول صُناع السياسات إن ردود فعل المستثمرين كانت مبررة أو منتظمة، وهذا يتعارض مع التكهنات بضرورة تفعيل آليتهم المصممة قبل عامين للحماية من تفاقم الديون. كما أعربوا عن استيائهم من وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر لتشكيكه في شرعية تلك الآلية. ومع ذلك، ربما تلوح في الأفق اضطرابات جديدة إذا فشلت الحكومات في كبح عجز الميزانية، أو تعثرت جهود زيادة الإنتاجية.