بلومبرغ
من المرجح أن تخفض المملكة العربية السعودية الإنفاق على بعض أكبر مشاريعها التنموية بقيمة مليارات الدولارات، فضلاً عن تعليقها مشاريع أخرى، في وقت تسعى للتعامل مع كلفة التحول الاقتصادي الضخمة.
قال أشخاص مطلعون على الأمر طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم كون المعلومات خاصة، إن لجنة حكومية يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على وشك الانتهاء من مراجعة شاملة للمشاريع الضخمة، بما في ذلك مشروع "نيوم".
وأضاف الأشخاص أن مشروع "نيوم" الذي يتم تطويره على ساحل البحر الأحمر، يتوقع حصوله على ميزانية أقل بـ20% مما كان مستهدفاً للعام الحالي، وأشاروا إلى أن خططه لإطلاق شركة طيران جديدة للمنطقة معلقة.
تشمل المشاريع الأخرى التي تم تقليصها ساحل "القدية"، وهو مشروع سياحي وترفيهي في جدة على البحر الأحمر لم يكشف عنه، وبلغت ميزانيته المحتملة 50 مليار دولار في إحدى المراحل، وفقاً لما ذكره الأشخاص.
تحديد الأولويات
تمثل هذه التخفيضات تحولاً في أولويات السعودية، التي أعلنت في إطار خطتها رؤية 2030 عن مشاريع تصل كلفتها إلى نحو 1.25 تريليون دولار، بهدف تنويع الاقتصاد. وكان لابد من اتخاذ قرار بشأن الأولويات والوتيرة المناسبة لتحقيق ذلك، في ظل انخفاض أسعار النفط، وعدم تحقيق الاستثمار الأجنبي للأهداف المرجوة، واستمرار العجز في الميزانية لثلاث سنوات.
وقال جان ميشيل صليبا، الخبير الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "بنك أوف أميركا": "من شأن هذا النوع من الانفاق أن يخلق نشاطاً اقتصادياً محموماً، وهو أمر غير مرغوب فيه حقاً". و"هناك أيضاً خطر على ربحية المشاريع، إذا مضت المملكة بخططها بقوة دون قيود مالية".
في ديسمبر، أعلنت السعودية أن بعض المشاريع قد تتأجل أو تُسرَّع بعد أن قامت الحكومة بمراجعة قدرتها على تمويل التزاماتها دون التأثير على تصنيفها الائتماني. وأفاد بعض الأشخاص بأن العاصمة الرياض تستفيد بشكل خاص، حيث تُعطى الأولوية للمشاريع هناك على حساب مشاريع أخرى مثل "نيوم".
ورغم أن "رؤية 2030" قد لا تعكس النوايا الأولية للسعودية، فإن إعادة النظر في حجم بعض المشاريع يُعد علامة على النضوج، وفقاً لفاروق سوسة، الاقتصادي في مجموعة "غولدمان ساكس" لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأضاف سوسة: "ما يفعلونه في ما يتعلق بتعديل هذه المشاريع يمنحنا الكثير من الاطمئنان. إنهم يقولون في الأساس إنهم لن ينفقوا بلا حدود أو يراهنوا على أي شيء بعينه. إذا كان الأمر ممكناً، فسيفعلونه، وإذا لم يكن كذلك، فسيغضون النظر عنه. إنهم عقلانيون تماماً".
مرونة الخطط
كشف الأمير محمد بن سلمان عن خطته للتحول الاقتصادي قبل ثماني سنوات. وأعلنت المملكة منذ ذلك الحين عن مشاريع ضخمة، لدرجة أن "نايت فرانك" المختصة بالاستشارات في المجال العقاري، تتوقع أن تصبح المملكة أكبر سوق للبناء في العالم.
وقال أشخاص مطلعون على الأمر إن "نيوم"، المشروع الأشهر الذي أعلن عنه الأمير محمد بن سلمان، يواجه الآن أول تخفيضات كبيرة في الإنفاق المستهدف. وأفادت "بلومبرغ" بأن "ذا لاين"، المشروع المميز في "نيوم" والمكون من زوج من الأبراج المكسوة بالمرايا والمتوقع أن يمتد لـ105 أميال، قد شهد بالفعل تقليصاً في بعض الخطط. وأضاف الأشخاص أنه من المتوقع تقليص حجم مشاريع أخرى مع إصدار اللجنة الحكومية قراراتها.
وقال مطلعون على الأمر إن خطط المملكة لمشاريعها لا تزال مرنة، وأن معظمها قيد المراجعة، وجميع القرارات النهائية تتخذ من قبل ولي العهد، ما يعني أن أي تغييرات ممكنة في أي وقت. رفض مسؤولو "القدية" التعليق، ولم يعلق المسؤولون في "نيوم" والحكومة السعودية.
مشاريع الرياض مستمرة
إن أي تغيير في حجم أو وتيرة المشاريع السعودية الكبيرة سيكون له تداعيات على الشركات المحلية والدولية على حد سواء. وقال شخص مطلع على عمل إحدى الشركات الصينية في مشروع داخل "نيوم"، إنه تم تقليصه بشكل كبير. وعلى الرغم من ذلك ترى الشركة طلباً جديداً في الرياض.
ورغم تقليص بعض الإنفاق، ستواصل السعودية إنفاقها الكبير على البناء، حيث خصصت نفقات رأسمالية تزيد عن 50 مليار دولار لعام 2024 لدعم المشاريع الضخمة.
بالإضافة إلى ذلك، تم دعم العديد من المشاريع الكبرى من قبل صندوق الاستثمارات العامة. ويهدف صندوق الثروة السيادية الذي تبلغ أصوله ما يقرب من تريليون دولار، إلى استثمار ما يصل إلى 70 مليار دولار سنوياً اعتباراً من عام 2025، على الرغم من أن جزءاً من هذه الأموال ستخصص للاستثمار في الخارج. وامتنع "صندوق الاستثمارات العامة"عن التعليق.
لا تزال السعودية تعلن عن مشاريع جديدة بانتظام، وهناك تقدم في بعض الخطط التي كانت قيد التنفيذ منذ فترة طويلة. أصبحت المشاريع في الرياض أولوية، مع استعداد المملكة لاستضافة معرض "إكسبو الرياض 2030" في العاصمة، وربما كأس العالم لكرة القدم 2034، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
وقال الأشخاص إن خطط تطوير مطار الرياض ليصبح واحداً من أكبر المطارات في العالم، بالإضافة إلى مشروع "المربع"، ومدينة "القدية" الترفيهية في العاصمة، كلها مستمرة. كما يمضي المشروع التراثي في شمال غربي الرياض المعروف باسم الدرعية قدماً أيضاً، إذ تم منح عقد بقيمة ملياري دولار هذا الأسبوع.
تحديات التمويل
تلبية لاحتياجات التمويل، جمعت المملكة مؤخراً أكثر من 12 مليار دولار من خلال بيع أسهم في شركة النفط العملاقة "أرامكو"، وكانت واحدة من أكثر مصدري الديون السيادية الدولية نشاطاً بين الأسواق الناشئة هذا العام.
وفي الوقت نفسه، أصبح صندوق الاستثمارات العامة مصدراً نشطاً للديون، ويشجع أيضاً الشركات التابعة له على اقتراض المزيد. كما جمعت "أرامكو"، التي تعد أرباحها مصدراً مهماً للنقد للحكومة و"صندوق الاستثمارات العامة"، نحو 6 مليارات دولار في أول عملية بيع لسندات منذ ثلاث سنوات، جرت هذا الأسبوع.
تحقيق التوازن بين الإنفاق والزيادات الكبيرة في الاستثمار الأجنبي المباشر، يمثل جزءاً من التحدي الذي تواجهه المملكة حالياً. لا تزال التدفقات الفصلية أقل من وتيرتها منذ عام 2022، عندما استثمرت مجموعة بقيادة "بلاك روك" 15.5 مليار دولار في خطوط أنابيب الغاز الطبيعي في السعودية.
بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة نحو 4.5 مليار دولار في الربع الأول من هذا العام، مما يشير إلى حاجة لتدفق أكبر للأموال لبلوغ الهدف لهذه السنة المقدر بـ29 مليار دولار.
وقالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في "بنك أبوظبي التجاري": "يرجع جزء كبير من هذا الأمر إلى حجم الإنفاق والاستثمار الإجمالي المطلوب"، فقد "كانت المشاريع تتنافس في ما بينها للحصول على الموارد والكفاءات، وسط ارتفاع الأسعار".