كيف كشف انسداد قناة السويس حجم التحديات التي تواجه صناعة الملاحة؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
صورة جوية تظهر سفينة الحاويات \"إيفر غيفن\" عالقة في قناة السويس في 25 مارس. - المصدر: بلومبرغ
صورة جوية تظهر سفينة الحاويات "إيفر غيفن" عالقة في قناة السويس في 25 مارس. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تدخَّل عالم الملاحة بنشاط كبير هذا الأسبوع لإزاحة واحدة من أكبر السفن في العالم بعد أن علقت في قناة السويس المصرية، مما كشف عن حجم التحديات الجديدة التي يجب أن تواجهها هذه الصناعة، إذ تلعب السفن العملاقة دوراً أكبر من أيِّ وقت مضى في التجارة العالمية.

وعلقت سفينة الحاويات "إيفر غيفن" في القناة في وقت مبكر من يوم الثلاثاء الماضي، وبعد حوالي 48 ساعة لا تزال القاطرات والحفَّارات تحاول جاهدةً من أجل تعويمها. ويمكن لسفينة "إيفر غيفن" حمل أكثر من 20100 صندوق من الصلب، مما يجعلها واحدة من أكبر سفن الحاويات، وفقاً لجايندو كريشنا، مدير المستشارين البحريين في شركة "دروري" (Drewry) الاستشارية. ويشير حجم السفينة إلى أنَّها قد تكون أطول من برج إيفل، وأكبر من ثلاثة ملاعب لكرة القدم.

شهد حجم السفن في جميع أنحاء العالم تضخماً لافتاً، في ظل بحث القائمين على تلك الصناعة عن وفورات من ناحية الحجم، لكن هذه السفن الضخمة أثارت العديد من المخاوف في الوقت ذاته. وقال "بارك مو هيون"، المحلل في شركة "هانا فاينانشال انفستمنت" التي تتخذ من سيول مقرَّاً لها، إنَّ شركات الشحن استخدمت السفن الضخمة لخفض التكاليف لكلِّ وحدة، لكن هذا يضغط على الموانئ لجعل مجاريها المائية أعمق، ولزيادة الإنفاق لشراء المزيد من الرافعات.

أمر متوقَّع

وقال كلايف ريد، مؤسس شركة "رييد مارين ماريتايم" المتخصصة باستشارات إدارة الحوادث، إنَّ هناك خطراً من جنوح سفن الحاويات الكبيرة في قناة السويس، إذا كانت تسير بسرعة عالية. وأضاف: "لست مندهشاً من حدوث ذلك، فبمجرد خروجها من الوسط تماماً، ستنجرف إلى جانب أو آخر، وبالتالي تغرق جانباً، وتسدُّ القناة."

وقالت هيئة قناة السويس، إنَّ انعدام الرؤية بسبب سوء الأحوال الجوية والعاصفة الرملية أدَّى إلى فقدان السفينة السيطرة، وبالتالي إلى انجرافها. وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني، أوضحت شركة "إيفرغرين مارين"، التي تتخذ من تايوان مقرَّاً لها، وتقوم بتأجير السفينة أنَّ "إيفرغرين علقت عن طريق الخطأ بعد انحرافها عن مسارها بسبب ما يعتقد أنَّها كانت رياح قوية ومفاجئة".

وذكرت وكالة "ستاندرد آند بورز" هذا الأسبوع أنَّ قناة السويس اضطرت إلى التعامل مع سفن حاويات أكبر من أيِّ وقت مضى، فقد بلغ متوسط حمولة كل سفينة 119 ألف طن في 12 شهراً حتى 28 فبراير 2020، مقارنةً بـ93500 طن في 2015.

إضافة سفن

على الصعيد العالمي، هناك حوالي 180 سفينة يمكن أن تحمل كل منها أكثر من 15000 حاوية، وفقاً لأوم كيونغ، وهو محلل في شركة" شينيونغ" (Shinyoung) للأوراق المالية في سيول. وزادت شهية العاملين في الصناعة على هذا النوع من السفن عندما استلمت شركة "ميرسك" (A.P. Moller-Maersk A/S) في عام 2006 سفينة "إيما ميرسك"، التي يمكن أن تحمل 15000 حاوية. ومنذ ذلك الحين، تتنافس شركات الشحن لبناء سفن أكبر.

ومن المتوقَّع تسليم ما لا يقل عن 47 سفينة حاويات فائقة الحجم مع حلول عام 2024، وفقاً لشركة الأبحاث "دروري". وتكلِّف السفينة التي يمكنها حمل 20 ألف حاوية حوالي 144 مليون دولار، في حين تُكلِّف تلك التي تحمل 23 ألف حاوية أكثر من 150 مليون دولار. وتنتظر شركات مثل " سي إم ايه - سي جي أم" (CMA CGM SA)، و"هيونداي للتجارة البحرية" (HMM Co) هذا العام استلام شحنات هذه السفن كل شهرين تقريباً.

وسلَّطت الصور التي تظهر سفينة "إيفر غيفن" تسد قناة السويس الضوء على صناعة شحن الحاويات التي كانت تجهد بكامل طاقتها خلال الأشهر الستة الماضية، وهي تحاول تسليم البضائع في الوقت الذي منع فيه المستهلكون من السفر بسبب الوباء، وأنفقوا بدلاً من ذلك المزيد على البضائع التي كانت تُطلب من المنزل.

التجارة العالمية

قد تكون إدارة السفن الكبيرة مثل "إيفر غيفن" صعبة خصوصاً عندما تهب رياح شديدة في أماكن مثل قناة السويس، بحسب تقدير أحد أعضاء الطاقم السابقين، الذي قال، إنَّ الحجم الهائل للسفينة يعني أنَّه يمكن دفعها في هبوب رياح، واستدارتها جانبياً بشكل سريع.

وعلِق أكثر من 180 سفينة في كلا الاتجاهين بسب انسداد حركة المرور في القناة، التي تعدُّ شرياناً تجارياً عالمياً. وتستخدم شركات التكرير في جميع أنحاء العالم هذا الطريق بكثافة، مما يثير مخاوف من أن تتأثَّر أسواق الطاقة العالمية بسبب انسداد القناة.

ويشكِّل تزايد أحجام السفن أيضاً مشكلة بالنسبة للموانئ الواقعة على الساحل الغربي للولايات المتحدة، إذ لا تستطيع لوس أنجلوس، ولونغ بيتش بكاليفورنيا التعامل بسهولة مع السفن التي تحتوي على أكثر من 15000 حاوية، وهذا يعني أنَّ السفن فائقة الحجم تتنقل بشكل أساسي بين آسيا وأوروبا، في ظل وجود أماكن مثل شنغهاي، وسنغافورة، وروتردام، لأنَّها بعضٌ من الموانئ المفضَّلة لديهم.

وحالياً، تُشغِّل شركة "هيونداي للتجارة البحرية " في كوريا الجنوبية 12 من أكبر سفن الحاويات في العالم، كل منها قادر على حمل ما يصل إلى 24000 حاوية تبلغ 20 قدماً. وتقوم شركات أخرى مثل " شركة البحر الأبيض المتوسط للملاحة"، و"كوسكو شيبنغ هولدينغز"، و"أورينت لخطوط الحاويات عبر البحار"بتشغيل السفن الضخمة التي يمكن أن تحمل كلٌّ منها أكثر من 20000 صندوق.

ويرى "أم كيونغ" أنَّه من غير المرجَّح بناء سفن أكبر لأنَّ ذلك سيتطلَّب تغييرات في التصميم، وستكون هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمارات في الموانئ. ويشرح: "لقد زاد حادث "إيفر غيفن" الحاجة إلى إعادة النظر في بعض خطط الطوارئ التي يجب أن تكون لدى هذه الموانئ لمنع تكرار مثل هذه الحادثة مرةً أخرى، فالكثير من السفن الكبيرة يمر عبر قناة السويس كل يوم، ولكن عندما يواجه المرء مشكلة مثل تلك القائمة الآن، يكون لذلك تأثير كبير للغاية".

ارتفاع الطلب

تعافت التجارة العالمية في البضائع إلى مستويات ما قبل الجائحة، لأنَّ فيروس كورونا أدَّى إلى زيادة الطلب على السلع المنزلية، فالموانئ مزدحمة من لوس أنجلوس إلى روتردام، فقد أثَّر الوباء على النقل البري والعمليات في الموانئ، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على سفن الحاويات.

وفي الوقت ذاته، كانت هناك اختناقات على الساحل الغربي للولايات المتحدة، مما جعلها لاحقاً تنتشر في جميع أنحاء العالم، وأدَّى أيضاً إلى قفزة في الأسعار. وتضاعفت المعدَّلات الفورية لنقل حاوية 40 قدماً إلى لوس أنجلوس من شنغهاي ثلاث مرات تقريباً مقارنةً بالعام الماضي، وفقاً لمؤشر الحاويات العالمي.

وتبقى السفن الكبيرة واحدة من أهم المحاور في عالم التجارة العالمية. ومع ذلك، وبحسب ما أشارت "ستاندرد آند بورز"هذا الأسبوع، فإنَّ عمليات الإيقاف عن العمل لاتزال بعيدة كل البعد عن التحدي الوحيد الذي يواجه سفن الشحن الرئيسية. وقالت الشركة، إنَّ أحد أحدث التحديات التي تواجه هذه الصناعة كان سلسلة من الخسائر في البحر خلال موسم العاصفة الشتوية في المحيط الهادئ، التي أدَّت على الأقل إلى فقدان خمس سفن كبيرة، وخسارة الحاويات التي كانت تحملها.

من جهته قال إيان رالبي، الرئيس التنفيذي لشركة "آي.آر. كونسيليوم"، وهي شركة استشارات قانونية وأمنية بحرية تعمل مع الحكومات، إنَّ "حادث السويس هو مثال على هشاشة التجارة البحرية، وسلاسل التوريد العالمية التي ينبغي معالجتها."

وخلص إيان رالبي إلى قوله: "عندما يكتمل بناؤها، تكون هذه القنوات دائماً أصغر من أن تتعامل مع أكبر السفن، وهذا يجبرنا على النظر إلى حال البنية التحتية اليوم، والدرجة التي نعتقد أنَّها يجب أن تكون عليها، وإلا فلن تكون عملية بناء الموانئ، وعملية بناء السفن على اتساق."

تصنيفات

قصص قد تهمك