تخلفت شركة التعدين الصينية "يونغتشينغ" المملوكة للدولة، عن سداد ديونها، الأمر الذي أصاب مستثمري السندات في الأسواق الصينية بالقلق، خاصة أنَّها قد جمعت قبل أسابيع قليلة نحو 151 مليون دولار من طرح سنداتٍ قبل أن تعلن تعثرها عن سداد الالتزامات السابقة.
وفوجئ المستثمرون، يوم الجمعة الماضية، بإعلان الشركة القابضة، والعاملة في مجال الفحم والكهرباء، تخلفها عن سداد التزامات الديون، مع عقدها، اجتماعاً طارئاً للدائنين لمعالجة مخاطر الائتمان الضخمة المحتملة، فقد تسبَّبت سلسلة من حالات التخلف عن السداد من قبل الشركات المملوكة للدولة ذات التصنيف الأعلى في إحداث موجات من الصدمة والقلق والذعر في سوق سندات الشركات الصينية.
وظهر ضغط واضح على سندات شركة التطوير العقاري China Evergrande ، كما تمَّ وقف التداول في سندات Tsinghua Unigroup بعد تحذيرٍ بشأن ديون، وكذلك التخلف عن السداد في الشهر الماضي من شركة Huachen Automotive Group في BMW.
ويرى المستثمرون، أنَّ السندات الصادرة عن الشركات المملوكة للدولة أقل خطورة بسبب الدعم الحكومي، لكنَّ حالات التخلف الأخيرة في السداد تسببت في عمليات بيع الديون الصادرة عن الشركات الحكومية في المقاطعات الفقيرة، مما أثار مخاوف من أزمة ائتمان متصاعدة.
وتخلص المستثمرون القلقون من الديون المحلية، وباعوا أسهم البنوك المكشوفة لها يوم الجمعة، في حين قال محللون، إنَّ التداعيات غير المباشرة قد تخفِّف من حدَّة الاندفاع الهائل إلى الديون الصينية.
الثقة مرتبطة بالدعم الحكومي
ويظهر فقط أنَّ ثقة السوق في الدعم الحكومي متزعزعة، ولكن يحاول السوق قياس مقدار الدعم الذي لا يزال موجوداً ونوع الكيانات التي ستدعمها الحكومة الصينية.
وتعتمد البيئة الائتمانية على الدعم الحكومي، كما يصبح من الصعب للغاية إعادة بناء الثقة، بمجرد التخلي عنها، بسبب خطر أن يتخلى المستثمرون عن سندات الائتمان الخاصة بالسندات الحكومية الصينية، وسندات البنوك في حالة تدهور الوضع.
وامتد التوتر أيضاً إلى سوق الأسهم ، إذ انخفضت أسهم البنوك الصينية بسبب مخاوف من مواجهة زيادة القروض المعدومة.
كما حضر مسؤولون محليون من البنك المركزي الصيني، ومنظمون للبنوك ،والأصول الحكومية، وفق إشعار اطلعت عليه رويترز ، ووسائل الإعلام الحكومية.
ولم تؤدِ أخبار الاجتماع إلى تخفيف مخاوف المستثمرين، فقد أثارت مشاكل الائتمان لدى عدد كبير من المقترضين الحكوميين، بما في ذلك صانع الدوائر المتكاملة Tsinghua Unigroup Ltd ،وشركة Huachen Automotive Group لصناعة السيارات، دهشة الجهات التنظيمية، وتسبَّبت في عمليات بيع في سوق السندات بسبب الذعر .
وتراجعت أسعار سندات Huachen إلى حوالي 10 يوانات، وهو عُشر القيمة الاسمية، وانخفضت أسعار سندات Unigroup أيضاً، وأوقفت بورصة شنغهاي التداول مؤقتاً على بعض ديون الشركة، كما انخفضت أسهم وحدتها المدرجة بنسبة 10٪ يوم الجمعة.
وتمَّ إلغاء عدد من مبيعات السندات خلال الأيام القليلة الماضية، في حين رفعت البنوك مستوى سندات الشركات لاستخدامها ضماناً.
وفي محاولة واضحة لتهدئة قلق السوق، ضخ البنك المركزي الصيني 160 مليار يوان صافٍ في النظام المصرفي عبر عمليات السوق المفتوحة يوم الجمعة، لكنَّ المستثمرين ما زالوا متوترين من ذلك .
إجراءات وتدابير ضرورية
وتتأرجح معنويات السوق حالياً، بين سلبية وقلقة، لأنَّ الجميع ينتظر التطورات بشأن أزمة الائتمان؛ لذلك فإنَّ الوضع الراهن يحتاج إلى سلسة من الإجراءات والتدابير منها:
1-تحتاج الصين إلى تطوير أسواق رأسمالية مرنة قابلة لتوفير مكانٍ آمنٍ للاستثمارات طويلة الأجل، ومع تقدُّم سكانها في السن، وتمويل معاشات التقاعد، ستصبح أولوية وطنية، إذ تعتبر السندات الداخلية المقومة بالرنمينبي أو اليوان مهمة، بل أصبحت أكثر أهمية.
2-يحتاج صانعو السياسات أيضاً إلى إنشاء مصدر بديل لتمويل المقترضين، وتخفيف العبء عن القروض المصرفية، وتجنب التركيز غير الإيجابي للمخاطر داخل القطاع المصرفي.
هناك نوعان من الأسواق الرئيسية في الصين: سوق السندات بين البنوك الصينية (CIBM)، وسوق الصرف، ويتمُّ تداول حوالي 90 في المئة من السندات المحلية في سوق "CIBM" الذي يضمُّ أكبر أحجام تداول.
وتشمل السندات المتداولة هنا سندات الحكومة المركزية، وسندات البنك المركزي ، وسندات البنوك، والسندات المالية، وسندات المؤسسات الصادرة عن الشركات المرتبطة بالدولة ، وسندات الحكومة المحلية ، والأوراق متوسطة الأجل ، والأوراق التجارية.
ويشير سوق الصرف إلى السندات المتداولة في البورصات،التي تمثِّل نصيب الأسد من رصيد السندات في السوق المحلية، وتشمل هذه السندات الحكومية، وسندات الشركات، والسندات متوسطة الأجل ..
وساعد النمو السريع في إصدار سندات الشركات في السنوات الأخيرة على زيادة حجم المعاملات في البورصات.
قاعدة المستثمرين المحليين
3-يسيطر المستثمرون المحليون على هذا السوق، وتعدُّ البنوك الصينية أكبر حيازة للسندات المحلية. والسندات الحكومية الصينية من الأوراق الصادرة من بنوك صينية تجارية في البلاد، هي مملوكة للحكومة الصينية أيضاً، والمقرضون هم المستثمرون الخاضعون لسيطرة الحكومة الذين يمولون الاستثمارات الموجهة للحكومة.
4- أحد الأسباب الرئيسية لتطوير سوق السندات المحلية يكمن في نشر المخاطر بعيدًا عن القطاع المصرفي، ووضعها في أيدي مستثمرين آخرين، أو في صناديق استثمارية تخضع إلى رقابة صارمة مستقلة خارج قبضة المصارف لتفادي تضارب المصالح حتى إن كانت المصارف مملوكة للحكومة.
5- لا يزال يتعين القيام بالكثير من القوانين والأنظمة المالية، ويجب أن تكون القوانين الرقابية موازية لقوانين البنك المركزي ولوائحه ، وقد تحدُّ سوق السندات الصينية والقوانين الرقابية والأنظمة المالية من قبل المسؤولين من تدخل البنوك، وربما تحقق الهدف أيضاً.
6-أصبح مديرو الأصول يشاركون بشكل متزايد في السوق وصناديق الاستثمار، وهي من أكبر حائزي سندات الشركات.
ويحمل النمو المتوقَّع لصناديق التقاعد إمكانات كبيرة لمديري الصناديق، وسيدفع ذلك إلى نمو الطلب على السندات المحلية، إلى جانب توسيع قاعدة المستثمرين، إذ تُطوِّر الصناعة المالية المزيد من المنتجات للمدخرين، وهذا ما يرجح ضرورة أن تسنَّ الحكومة الصينية قوانين وأنظمة جديدة قادرة على مواكبة تطور السوق، ونمو سوق السندات المحلية لاجتذاب استثمارات أكبر حجماً وتنوعاً.