بريطانيا تتصدَّر مواجهة فجوة الأجور بين النساء والرجال

time reading iconدقائق القراءة - 11
تصوير: لوك مكريجر/بلومبرغ - المصدر: بلومبرغ
تصوير: لوك مكريجر/بلومبرغ - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تعدُّ المملكة المتحدة أكبر الدول التي تسلِّط الضوء على واحدة من القضايا الشائكة المتعلقة بفجوة الأجور بين النساء والرجال، إذ كانت بريطانيا قد ألزمت كل أرباب الأعمال، ممن يزيد عدد العمّال لديهم على 250 عاملًا، الإدلاء بالبيانات "الأولية" الخاصّة بالأجور من خلال الإفصاحات السنوية الإلزامية بفارق زمنيّ مدة عام واحد. وتظهر البيانات الفجوة بين ما يتقاضاه الرجال والنساء في المتوسط عبر شريحة القوى العاملة بأجرٍ بصورة عامة، وليس من خلال الفجوة بين ما يتقاضاه الرجال والنساء الذين يشغلون الوظائف نفسها. وقد أبرزت تلك التجربة مدى معاناة النساء من كونهن غير ممثلات بصورة كافية حتى الآن، خصوصاً في الوظائف ذات الرواتب المرتفعة، ومن هنا فإنّ عملية تضييق تلك الفوارق يمكن أن تستغرق سنوات. لقد توقفت تلك التجربة هذا العام، كإحدى الخسائر المرتبطة بظهور فيروس كورونا المستجَدّ، بالإضافة إلى أن التداعيات الاقتصادية للوباء ، تجعل قضية المساواة في سوق العمل بين النساء والرجال أمرًا حيويًّا بشكل خاصّ.

1. ماذا تُظهِر الأرقام؟

تقلّصت فجوة الأجور إلى مقدار النصف تقريباً لدى أصحاب الأعمال الخاصّة في المملكة المتحدة، وفق البيانات المقدَّمة إلى مكتب المساواة الحكومي، في حين ازداد الفارق سوءًا في الشركات الأخرى، وربما لم تعكس البيانات أيَّ تغيير يُذكَر خلال العامين الأولين. كما أظهر تحليل 10826 ملفًّا من قِبل "بلومبيرغ" أنّ الرقْم الإجماليّ لم يتغيّر كثيرًا في ظلّ وجود فجوة في الأجور بنسبة 14.23% بحسب آخر بيانات فعلية بتاريخ 5 أبريل 2018، بالمقارنة ب مع 14.21% في العام السابق، في حين سجّل الفارق في النقطة الوسطى 13.1% بالمقارنة مع 13.3%. وبالرغم من ذلك، فإنّ التفاوت في مدفوعات المكافآت اتسع ليبلغ 15.7%، مرتفعًا من 8.4%. كما رُفعت رواتب الرجال بشكل إجماليّ في نحو 88% من الشركات، وهيئات القطاع العام.

2. ما معنى التعليق؟

كانت مجموعة التقارير التالية مستحقة بحلول الخامس من أبريل، لكن السلطات تخلّت عن ذلك المطلب بسبب "حالة عدم اليقين والضغط غير المسبوقة" التي تواجه الشركات خلال فترة الإغلاق التي فرضتها المملكة المتحدة بسبب فيروس كورونا. وقد نشرت نحو 4500 شركة، نتائجها بالفعل أو اختارت تقديمها على أيّ حال، إذ يعدُّ أقلّ من نصف العدد المعتاد، وبالرغم من ذلك ستكون أيّة مقارنة ببيانات السنوات السابقة معيبة، لأن الشركات ذات الأرقام المحسنة سيكون لديها حافز أكبر للنشر طواعية. وقد دعا بعض منتقدي النظام إلى إلغائه تمامًا، زاعمين أنّ المنهجية قاسية ومرهِقة للغاية بالنسبة إلى الشركات الصغيرة.

3. كيف تُقاس الفجوة؟

يقدِّم أصحاب الأعمال تقييماً صريحاً وموحَّداً لما يتقاضاه الرجال والنساء في قوام قوّتهم العاملة في المتوسط، ولا تقيس الأرقام أجر الرجال والنساء في الوظيفة نفسها، كما لا تحاول تلك المنهجية الالتزام بحسب أيّ خصائص أخرى، إذ يجب على الشركات الإبلاغ عن الرواتب والمكافآت التي تلقّاها جميع الموظفين الذكور، وجميع الموظفات الإناث على أساس متوسط الأجر مقابل ساعات العمل، ونسبة حصول كل جنس على مكافأة، والنسبة التي حصل عليها الرجال والنساء في كل أجر ربعيّ أيضاً. ويُعَدّ نشر "خطة عمل" توضح كيف سيحاول أصحاب العمل سدّ أيّة فجوة أمراً محبَّذاً، لكنه ليس إلزاميًّا.

4. هل يعني ذلك أن الشركات تتجاهل الملاحظات؟

ليس بالضرورة، إذ تستند الأرقام التي أُبلِغ عنها في عام 2019 إلى الصورة الفعلية لوضع الأجور في 5 أبريل 2018، وبناء على ذلك لن تظهر أيّة تغييرات أُجريت خلال الأشهر الاثني عشر السابقة حتى موعد تقديم تقرير العام التالي. وسيستغرق الكثير من الخطط القائمة لمعالجة تفاوت الأجور بين الجنسين بعض الوقت، ومِن ثَمّ فقد يعني ذلك بناء قاعدة بيانات لكبار الموظفات، وتوظيف مزيد من النساء على جميع المستويات، على الرغم من أن عَلاقة تأسيس تلك القاعدة بالأجر ليست مباشرة دائمًا. وعلى سبيل المثال، تفاقمت فجوة الأجور بين الجنسين في بنك "إتش إس بي سي" بعد السنة الأولى من التقرير، إذ اتسعت إلى متوسط 61%، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنّ ثلث موظفيها الأعلى أجرًا كانوا من الإناث. ومع ذلك، تشير أحدث البيانات إلى تضاؤل التفاوت إلى 55%، على الرغم من تقلُّص نسبة النساء في شريحة الأجور العليا إلى أقلّ من واحدة من بين كل عَشْر.

5. إلى أي مدى تبتعد المملكة المتحدة عن تحقيق "الأجر المتساوي عن العمل المتساوي"؟

من الصعب تحديد ذلك، لأن عبارة "الأجر المتساوي عن العمل المتساوي" تشير إلى فكرة أن الرجال والنساء الذين يعملون العمل نفسه، في الشركة نفسها، يجب أن يحصلوا على الراتب نفسه. لكنَّ إفصاحات الشركات البريطانية لا توفر مثل هذه المقارنات، ويعتبر إعداد التقارير وفقًا لما يُعرف بالأساس المعدل، مع مراعاة عوامل التسمية الوظيفية، والأقدمية، والجغرافيا، والعوامل الأخرى، التي تؤثر على التعويضات، أكثر شيوعًا بين الشركات الأمريكية، إذ اختار بعضها الكشف عن فجوات الأجور تحت ضغط من نشطاء المساهمين. ومع ذلك فقد أفادت شركة "ماستركارد" في أوائل عام 2020 بوجود فجوة بنسبة 7.8% في تقييم صريح لممارسات الأجور، وقالت "سيتي غروب" إنّ الموظفات يتقاضين 27% أقل من الرجال في المتوسط، وهو تحسُّن عن معدل 29% قبل عام.

6. كيف كان ردّ الفعل في المملكة المتحدة؟

أسفرت نتائج الاستطلاع الأول الذي أجرته المملكة المتحدة في عام 2018 عن انتقادات واسعة النطاق، إذ جاءت النتائج وسط ضجة حول مدى عدالة الأجور التي تتقاضاها النساء في "بي بي سي"، هيئة الإذاعة البريطانية الممولة من القطاع العام. ويقول الباحثون" إنّ التقارير السنوية تبني وعيًا وفهمًا أكبر للقضية، ويمكن أن تساعد المعلومات النساء في التفاوض على أجور أعلى. ويوجد تركيز على نقص عدد النساء اللائي يشغلن المناصب العليا، وبالتالي مَن يُعوَّضن مادياً بصورة جيدة. وقد وُصِف التفاوت في الخدمات المالية بأنه "مذهل" و"صادم" من قِبل "نيكي مورغان"، عندما كانت عضوًا في مجلس العموم البريطاني، ورئيسة لجنة الخزانة التي تتمتع بنفوذ كبير داخل البرلمان. كما كانت "مورغان" من بين السياسيين الذين طالبوا بعض شركات المحاماة والمحاسبة بمراجعة أرقامهم، بعد أن صنّفت شركاءها الأعلى دخلًا، على اعتبارهم مالكين مستبعَدين من الحسابات، وبالتالي فقد صرحت تلك الشركات بأرقام أقلّ من الواقع، مما قلل من اختلاف الأجور بين الجنسين.

7. في أي مرحلة تنتهك فجوة الأجور القانون؟

لم نشهد تلك المرحلة بعدُ، إلا أنّ تلك البيانات قد تكون بمثابة وقود للدعاوى القضائية الحالية أو المستقبلية بموجب قانون المساواة لعام 2010 في المملكة المتحدة، إذ يمنح القانون النساء والرجال الحق في أجر متساوٍ عن العمل المتساوي، كما يضع القانون إطاراً لمقارنة الوظائف وفق الجهد أو المهارة أو اتخاذ القرار. وفي أوائل عام 2019، توصّلت آلاف النساء العاملات في مجلس مدينة "جلاسكو" في اسكتلندا إلى اتفاق ماليّ بشأن التمييز في الأجور، بعد كفاح دام أكثر من عقد من الزمان، وتنظيم ما يعتقد أنه أكبر إضراب في المملكة المتحدة على الإطلاق بسبب الأجور المتساوية.

8. ماذا دفع المملكة المتحدة إلى الكشف عن فجوة الأجور؟

جعل "ديفيد كاميرون"، الذي شغل منصب رئيس الوزراء خلال الفترة بين 2010 و2016، معالجة "فضيحة" الأجور بين الجنسين جزءًا من أجندة حزب المحافظين. وبحسب دراسة أجرتها "ماكينزي آند كو"، فإنّ القضاء على الفارق في الأجور يمكن أن يؤدي إلى إضافة 150 مليار جنيه إسترليني (195 مليار دولار) إلى الناتج المحلي الإجمالي السنوي بحلول عام 2025، من خلال تعزيز مشاركة الإناث في القوى العاملة، وتشجيع النساء على العمل ساعات أطول، ونقلهنّ إلى وظائف أكثر إنتاجية في مجالات كالعلوم والهندسة. كما أنّ المساواة بين الجنسين في الأجور أيضاً، مسألة عدالة. ووفق مكتب الإحصائيات الوطنية في المملكة المتحدة، الذي ينشر تحليله الخاص، فإنّ الفجوة ناتجة جزئياً عن زيادة عدد النساء العاملات بدوام جزئيّ، وتكتلهنّ في مهن ذات أجر أقلّ، والتوقف عن العمل بعض الوقت لإنجاب الأطفال. ويتسع التباين في الأجور مع تقدُّم السنّ، إذ تتوقف أجور النساء عن الارتفاع في سنّ أصغر من زملائهنّ الذكور.

9. هل تفعل دول أخرى ذلك؟

نعم، تطلب أستراليا من الشركات التي لديها أكثر من 100 موظفٍ الإدلاءَ سنويًّا ببيانات الأجور للعاملين لديها من النساء والرجال، وبجمع البيانات عن 40% من القوى العاملة، بلغت الفجوة 13.9%. كما طبقت ألمانيا، وهي واحدة من أسوأ حالات فجوات الأجور بين الجنسين في أوروبا، قوانينَ جديدة. ويعمل الاتحاد الأوروبي أيضاً على وضع القوانين التي سيُكشف عنها بحلول نهاية عام 2020 لمعالجة التفاوت في الأجور بين الجنسين، إذ تظهر الإحصاءات أن الفجوة داخل دول الاتحاد بلغت 16%. ومن جانبها تجمع الدول الأعضاء، النمسا والسويد والدنمارك وفنلندا، البيانات فعلياً. وابتعدت الولايات المتحدة عن المطالبة بتقديم إفصاحات موحّدة أو شفّافة للحكومة الفيدرالية بخصوص التفاوت في الأجور بين الجنسين بعد تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه في عام 2017 بصورة لافتة

10. إلى أين تتجه تلك الإجراءات؟

على الرغم من أن تعليق التقارير في عام 2020 يُتوقَّع أن يحدث مرة واحدة، فإنه سيصعب على المحللين استخلاص النتائج بعض الوقت. وكانت مجموعة من المشرّعين في المملكة المتحدة قد اقترحت، بعد الجولة الأولى من التقارير، طُرقًا أخرى لجعل الأرقام التي تعكس التفاوت في الأجور بين الجنسين أقلّ حدّة، بهدف تعزيز الإنفاذ والمطالبة بإجراءات تصحيحية. لكن الحكومة رفضت التوصيات للمحافظة على اتساق البيانات، كما رفضت زيادة عدد المنظمات المطلوبة لتقديم التقارير أيضاً. وتدرس المملكة المتحدة إمكانية الإبلاغ الإلزامي عن الأجور بحسب العرق لكشف فجوة الأجور للمواطنين من أصول مختلفة من "السود والآسيويين والأقليات العرقية". وكانت مشاورة عامّة قد انتهت في يناير2019، إذ نشرت مجموعة من الشركات بالفعل أرقامها طواعية، مثل "ديلويت" و"كاي بي إم جي" و" آي تي إن".

تصنيفات