بلومبرغ
يعتزم المغرب إتاحة مشتقات مالية للتداول قبل نهاية العام، في إطار سعي المملكة لتوسيع نطاق أسواق رأس المال لديها، بما قد يسهم بدعم تمويل الزيادة في الإنفاق على البنية التحتية والتحضيرات الخاصة باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم في 2030.
لفتت نزهة حيات، رئيسة الهيئة المغربية لسوق الرساميل، خلال مقابلة في الرباط، إلى أن الخطوة تشكل جزءاً من خطة الإصلاح العميق للوائح المالية في البلاد خلال أكثر من 3 عقود.
وبدأت إجراءات إصلاح سوق رأس المال منذ 2021، عندما أطلق الملك محمد السادس خطة تمتد 15 عاماً أُطلق عليها اسم "النموذج التنموي الجديد"، والتي تهدف إلى مضاعفة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ورفع تصنيف المغرب من اقتصاد ذي دخل متوسط أدنى إلى اقتصاد ناشئ. كما تزايدت الحاجة لتمويل مشروعات بطولة كأس العالم، مثل السكك الحديدية فائقة السرعة والملاعب، في الفترة الحالية.
توسيع نطاق السوق في المغرب
تمثل أسواق رأس المال ما يقارب 10% من إجمالي مصادر تمويل الاقتصاد، وتستخدم في الأغلب الأموال التي يقدمها المستثمرون المؤسسيون، وقالت حيات لـ"بلومبرغ": "هدفنا هو رفع تلك النسبة إلى 25%".
وقالت في 21 مايو: "يجب علينا حالياً أن نركز على توسيع النطاق بشكل كبير ليشمل المستثمرين الأفراد، ما سيمكّن السوق من أداء دورها كاملاً".
أضافت أن لتحقيق ذلك الهدف، يُتوقع صدور تشريع يسمح بالصناديق المتداولة بالبورصة، وصناديق الاستثمار المشترك المقومة بالعملات الأجنبية، وصناديق الاستثمار المشترك الملتزمة بأحكام الشريعة. كما سيسمح بصناديق الاستثمار المشترك المخصصة للمستثمرين المحترفين، وكذلك الاستفادة من القوانين وقواعد الاستثمار الأقل تقييداً.
كما أشارت إلى أن بورصة المغرب "تعتزم إطلاق سوق المشتقات المالية قبل نهاية العام الجاري".
الاستثمارات الخاصة في المغرب
لفتت كذلك إلى أن المملكة تحتاج لتمكين مستثمري القطاع الخاص من الإسهام بشكل أكبر في تمويل الاقتصاد، من خلال دعم مجموعة المستثمرين الأفراد الصغيرة في البلاد، وزيادة جاذبية السوق المالية المحلية لدى المستثمرين الأجانب.
أشارت حيات، خريجة كلية الأعمال "إيسيك" (ESSEC) في باريس والرئيسة السابقة لجمعية سماسرة البورصة في المغرب، إلى أن من بين أكثر من 20 مليون مالك حساب بنكي، يستثمر "عدد ضئيل" في أسواق الأسهم.
وسيُسمح لصناديق الاستثمار المشترك، التي تدير أصولاً يقارب حجمها الإجمالي نصف الودائع بالبنوك المغربية، أن تستثمر في المشتقات المالية. وتهدف التغييرات لجعل سوق صناديق الاستثمار المشترك، البالغ حجمها 60 مليار دولار في المغرب، "أكثر قدرة على المنافسة، والابتكار المالي، وبالتبعية ستتمكن من جذب عدد أكبر من المستثمرين، لا سيما الأفراد والأجانب"، وفق حيات.
تعتزم الهيئة المغربية لسوق الرساميل أيضاً التشجيع على الإدراج المزدوج، والسماح لأسواق رأس المال المحلية بجمع التمويل للمشروعات في الخارج. وستحصل الشركات المصرح لها بإصدار المشتقات المالية والمتعاملون الآخرون في السوق على الترخيص خلال شهر تقريباً.
رغم التوقعات التي تشير إلى استفادة المغرب من إطلاق سوق المشتقات المالية، إلا أن هناك بعض القلق بين المستثمرين والمصرفيين من ألا يكفي عمق السوق لتحقيق نمو سريع. فرغم أنها قد تبدأ بإدراج مؤشر للصناديق المتداولة في البورصة، يشمل الأسهم الأكثر سيولة ويتيح عمليات التحوط، لكنه قد يظل محدوداً بدرجة كبيرة، إلى أن يتضح وجود طلب وعمق كافٍ لمزيد من التطوير.
كأس العالم يدعم الاقتصاد المغربي
قالت حيات إن الإصلاح السابق للسوق في التسعينيات كان "يهدف إلى تمكين المواطنين من مشاركة المنافع الناتجة عن تخارج الدولة من الاستثمار في كيانات عديدة".
وتشمل الشركات الحكومية التي كانت مدرجة سابقاً في البورصة "سامير"، أكبر مصفاة لتكرير النفط في البلاد، و"بنك أفريقيا"، الذي تعود أصول نشأته إلى "البنك المغربي للتجارة الخارجية"، الذي تأسس في البداية باعتباره بنكاً للتجارة الخارجية.
رغم أن البورصة فقدت جاذبيتها لدى المستثمرين الأجانب منذ أن خفضت مقدمة المؤشرات "إم إس سي آي" تصنيفها من سوق ناشئة إلى واعدة في 2014، فإن المشاركة في استضافة واحدة من أكثر البطولات الرياضية شعبيةً في العالم دعمتها في الأشهر الماضية، حيث ارتفع المؤشر الرئيسي واسع النطاق بنحو 13% منذ أعلنت الجهة المنظمة لكرة القدم في العالم "فيفا" القرار في أكتوبر 2023.
مع ذلك، ما يزال الاستثمار في البورصة باهظ التكلفة اقتصادياً على أغلب العائلات المغربية، التي لا يمكنها الادخار. أما القادرون على ذلك، فيفضلون الاستثمار بالعقارات في الأغلب.
كما أن نقص التطوير في قطاع التكنولوجيا المالية المحلي يعيق نمو مجموعة المستثمرين الأفراد الصغيرة، فالإدراجات الجديدة أصبحت نادرة الحدوث منذ موجة الخصخصة في التسعينيات، حيث أُدرجت شركة واحدة فقط في 2023، وجمعت نحو 60 مليون دولار.
طموحات اقتصادية
تقارب القيمة السوقية لبورصة الدار البيضاء 70 مليار دولار، وفق موقعها الإلكتروني، ما يجعلها الأكبر في شمال أفريقيا، وثاني أكبر بورصة في القارة بعد جوهانسبيرغ.
بلغ الناتج المحلي الإجمالي السنوي للدولة نحو 144 مليار دولار في العام الماضي، وفق صندوق النقد الدولي، وستتراوح تكلفة تنفيذ الخطة ما بين 8% و10% من هذا المبلغ سنوياً.
قالت حيات إن البنوك "تدرك عدم قدرتها على توفير التمويل لكل المشروعات الطموحة المخطط لها"، وإن إصلاح سوق رأس المال سيستفيد من بعض تلك المبادرات.
تشمل أكبر مبادرة إنشاء محطات لتحلية مياه البحر، ومزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وخطوط أنابيب للغاز، وطرق سريعة، ومشروعات صناعية يمتد نطاقها من البطاريات الكهربائية إلى المطارات، وتعتزم الحكومة والشركات التابعة للدولة إنشاء مشروعات مشتركة مع القطاع الخاص في أغلب تلك المشاريع.
وأطلع رئيس وزراء المغرب، عزيز أخنوش، المشرعين في أبريل الماضي على أن الدولة سيجب عليها إنفاق 200 مليار درهم (20 مليار دولار) على تلك المشروعات التي توصف بأنها "استراتيجية" في إطار التحضير لبطولة كأس العالم 2030.