الشرق
"لقد نلنا من ابن الـ*****!" هكذا قال وزير الخزانة الأميركي جيمس بيكر لصديق من نيويورك في أحد أيام عام 1987. لم يكن "ابن الـ*****" محتالاً فاراً من العدالة أو إرهابياً يمثل تهديداً للأمن القومي الأميركي، بل كان بول فولكر، رئيس البنك المركزي في ذلك الوقت، والذي كان قد أبلغ الإدارة وقتها بعدم نيته البقاء في منصبه، بحسب ما أورده الصحفي الأميركي بوب ودوارد في كتابه "مايسترو".
جاء فولكر إلى منصبه أثناء إدارة الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر في ظل ارتفاع قياسي لمعدل التضخم (الغلاء)، فما كان منه إلا أن رفع أسعار الفائدة إلى مستوى غير مسبوق، مما أدى إلى تراجع شعبية كارتر وساهم بشكل كبير في فشله في الفوز بولاية رئاسية ثانية حيث خسر أمام رونالد ريغان.
أصبح آلان غرينسبان رئيساً للاحتياطي الفيدرالي بعد رحيل فولكر. في عام 1992، حمّل جورج بوش الأب، خليفة ريغان، غرينسبان مسؤولية خسارته الانتخابات أمام بيل كلينتون بسبب عدم خفض أسعار الفائدة بسرعة أكبر. كانت خسارة بوش مفاجئة لأنه دخل المعركة متوجاً بانتصار بلاده وحلفائها في حرب تحرير الكويت؛ غير أن كلينتون خاض حملته رافعاً شعار "إنه الاقتصاد أيها الغبي!".
اليوم يجد الرئيس جو بايدن نفسه أمام موقف مشابه نسبياً لكارتر وبوش الأب. منذ تولى بايدن منصبه، خلق الاقتصاد الأميركي نحو 15 مليون وظيفة، وفقاً لبيانات صادرة عن البيت الأبيض في أبريل، وانخفض معدل البطالة إلى أدنى مستوى له منذ نصف قرن. غير أن استطلاعات الرأي تشير إلى تفوق الرئيس السابق دونالد ترمب، قبل انتخابات العام الحالي.
وفي حين أن سياسية بايدن تجاه القضية الفلسطينية تلعب دوراً هاماً في تراجع شعبيته بين شباب الحزب الديمقراطي، فإن إبقاء رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول معدلات الفائدة عند أعلى مستوى لها منذ حقبة فولكر لكبح جماح التضخم، قد يلحق ضرراً بالغاً بفرص بايدن للفوز بولاية ثانية. حيث أشار استطلاع لـ"غالوب" في شهر أبريل أن ثقة الأميركيين في قدرة بايدن على إدارة الاقتصاد هي الأدنى لأي رئيس أميركي منذ 2001. نفس الاستطلاع خلص إلى أن الأغلبية لا تكن حباً جماً لرئيس الاحتياطي الفيدرالي هو الآخر.
لماذا؟ لأن معدلات الفائدة المرتفعة عادة ما تحد من النشاط الاقتصادي بسبب تأثيرها على الإقراض والإنفاق الاستهلاكي والاستثماري على حد سواء. ورغم أن معدل التضخم قد اقترب بالفعل من مستوى 2% الذي يستهدفه البنك المركزي الأميركي، فإن عدداً من المسؤولين، ومن بينهم باول، قد أكدوا احتمال إبقاء أسعار الفائدة عند مستوى مرتفع لفترة أطول.
مأزق باول هنا هو أن معدل التضخم في الولايات المتحدة لم يتباطأ بالسرعة التي توقعها البنك المركزي. أحد أسباب ذلك هو صلابة سوق العمل ومتانة الاقتصاد. لا يمكن قول نفس الشيء عن أوروبا والمملكة المتحدة. ولذلك يتوقع المحللون أن يخفض البنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا أسعار الفائدة قبل الفيدرالي هذا العام.
أثر يتعدى كرسي الرئاسة
والحقيقة أن للتضخم وقرار الاحتياطي الفيدرالي برفع أو خفض أسعار الفائدة أثراً كبيراً ليس فقط على الاقتصاد الأميركي ومقدرات مرشحي الرئاسة؛ بل على مئات الملايين من البشر بسبب دور الدولار في الاقتصاد العالمي. خفض معدل الفائدة في أميركا يعني عادة خفضها في دول الخليج العربي وعلى قروض الاقتصادات الناشئة، ومن بينها العديد من دول الشرق الأوسط. قد يؤدي هذا بدوره إلى معدلات فائدة أقل على قروض الرهن العقاري، ما يعني قدرتك على شراء بيت جديد أو الانتقال إلى بيت أفضل. هذا شرح مبسط بالطبع.
هل يعني هذا أن على باول تجاهل بيانات التضخم؟ هذه قصة أخرى، لكن الواضح أن الرجل لن يهرع لإنقاذ بايدن، حتى وإن كان الثمن عودة ترمب (المعروف بكرهه لباول) إلى الرئاسة، كما لم يساعد فولكر كارتر أو يهب غرينسبان لنجدة بوش.
علاء شاهين صالحة صحفي وكاتب لبناني يشغل منصب مدير أكاديمية SRMG للتدريب، وشغل منصب مدير تحرير الاقتصاد الأوروبي في بلومبرغ.
ttps://x.com/AlaaShahine