بلومبرغ
تتدفق الاستثمارات العالمية على سوق السندات السيادية الهندية التي يبلغ حجمها تريليون دولار، قبيل انضمام البلاد إلى مؤشرات السندات العالمية، بعد إعلان "جيه بي مورغان" في العام الماضي عزمه ضم السندات الحكومية الهندية إلى المؤشر الرئيسي للأسواق الناشئة التابع له اعتباراً من يونيو المقبل، ما يعد إنجازاً مهماً لثالث أكبر اقتصاد في آسيا.
قدم ذلك للمستثمرين الأجانب سبباً مقنعاً للاستثمار في السندات الحكومية الهندية المقومة بالروبية، والتي تقدم بعض أعلى العائدات في الأسواق الناشئة. كما تشير الخطوة إلى أن "جيه بي مورغان" سيتمكن من الترويج لتنوع أكبر بعد استبعاد روسيا من المؤشر، وفي ظل المخاوف من استمرار التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين.
أما بالنسبة للهند، فيعد الانضمام إشارة على زيادة الربط بين أسواقها المالية المحلية والعالمية، واحتمال خفض تكاليف الاقتراض.
1) ما خلفيات الموضوع؟
بدأت الهند تحرير اقتصادها في 1991، إلا أنها فعلت كل ذلك عبر الاقتراض المحلي عبر السندات المقومة بالروبية فقط، حيث سعت إلى تجنب الاعتماد على الدولار الذي سبب أزمة في العملات الآسيوية، وانهيارات أخرى.
إلا أن الهند شرعت في أواخر 2019 في العمل على الوصول إلى مؤشرات السندات، في محاولة لخفض تكاليف الاقتراض عبر توليد طلب إضافي، والترويج لانضباطها المالي. وفيما عصفت جائحة كورونا بالاقتصاد، ووصل اقتراض الحكومة إلى مستويات قياسية لتمويل حزمة تحفيز مالي بمليارات الدولارات، أفسحت الهند المجال للمستثمرين الأجانب للاستثمار في سوق سنداتها السيادية.
اقرأ أيضاً: السندات الهندية تستعد لعصر جديد مع تدفقات بـ100 مليار دولار
رغم ذلك، كان المستثمرون الأجانب يبيعون أصول الأسواق الناشئة لجمع الدولارات. وفي الآونة الأخيرة، مثلت حيازات المستثمرين الأجانب أقل من 2% من السندات السيادية الهندية في نهاية العام الماضي، مقارنة بالحد الأقصى لحيازاتهم عند 6%، ما يعد من أقل المستويات في أي سوق ناشئة كبيرة.
عزفت نيودلهي عن إجراء تغييرات ضريبية للأجانب، في خطوة كان من شأنها تسهيل تداول السندات الهندية على المنصات الدولية، مثل شركة المقاصة والتسوية الأوروبية "يوروكلير" (Euroclear). كما ظهرت حينها اعتراضات سياسية محلية على منح المستثمرين الأجانب إعفاءات ضريبية. رغم ذلك، تغلّب احتياج المستثمرين إلى مزيد من الفرص في السندات السيادية بالأسواق الناشئة على تلك المخاوف.
2) ما الخطوة التالية؟
عندما أعلن "جيه بي مورغان" عن ضم الهند في سبتمبر الماضي، أشار إلى أن 23 سنداً تبلغ قيمتها الاسمية مجتمعة نحو 330 مليار دولار مؤهلة لمؤشر سندات الأسواق الناشئة. ستُجرى عملية الضم تدريجياً على مدى 10 شهور، بنحو 1% تقريباً من الوزن شهرياً، وبوزن أقصى لا يتجاوز 10%.
بعد "جيه بي مورغان"، أشارت شركة "بلومبرغ إنديكس سرفيسز" في وقت سابق من العام الجاري إلى اعتزامها أيضاً ضم مسار الوصول الكامل (Fully Accessible Route) أو سندات "FAR" إلى مؤشر للعملات المحلية للأسواق الناشئة بدءاً من يناير 2025.
كما أن الهند مُدرجة بقائمة الدول المرتقب ضمها إلى مؤشر "فوتسي راسل" (FTSE Russel) لسندات الأسواق الناشئة منذ مارس 2021. شركة "بلومبرغ إل بي" هي الشركة الأم لـ"بلومبرغ إنديكس سرفيسز" التي تدير المؤشرات التي تتنافس مع مثيلاتها الصادرة عن مزودين آخرين للبيانات.
3) ما سبب توسعة نطاق مؤشر السندات؟
استبعاد روسيا من مؤشرات "جيه بي مورغان" للأسواق الناشئة بعد غزو أوكرانيا في 2022، ربما عزز من دوافع الشركة لسد الفجوة من خلال السندات الهندية. كما أن استمرار التوترات الجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة دفع المستثمرين إلى البحث عن فرص جديدة في سندات الأسواق الناشئة المقومة بالعملات المحلية.
رغم الدور الصغير الذي يؤديه المستثمرون الأجانب في سوق السندات الهندية، تتزايد الاستثمارات في السنوات الماضية، وأثبتت أصول البلاد قدرتها على الصمود في وجه الاضطرابات المالية التي ضربت دولاً نامية أخرى.
4) ما المنافع المحتملة؟
سيتمكن المستثمرون من تنويع محافظهم الاستثمارية وتخصيص استثمارات للسوق مرتفعة العائد في خامس أكبر اقتصاد في العالم. وبالنسبة للهند، تعد الخطوة فرصة للوصول إلى مجموعة أكبر من السيولة لتلبية الاحتياجات المتزايدة، حيث يُرجح أن تشهد سوق السندات في الهند استثمارات إضافية قد تصل إلى نحو 30 مليار دولار بعد الانضمام إلى المؤشر، وفق "ستاندرد تشارترد".
اقرأ أيضاً: "جيه بي مورغان" يتوقع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى أسهم الهند بعد الانتخابات
تحتاج الهند إلى تلك الأموال لتمويل عجز الحساب الجاري، الذي يواجه خطر الزيادة في كل مرة تتصاعد فيها حدة التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، إذ قد يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى تفاقم عجز الميزان التجاري في الدولة التي تعد مستورداً صافياً للطاقة.
كذلك، فإن التدقيق الأكبر من قبل المستثمرين الأجانب، رغم أن أغلبهم سيلتزم بقرار المؤشر، قد ينعش جهود رئيس الوزراء ناريندرا مودي الرامية إلى خفض عجز الموازنة الذي تفاقم إبان الجائحة. فعلى سبيل المثال، حملت الموازنة قبل الانتخابات في مطلع العام الجاري مفاجأة سارة لتجار السندات، حيث قلصت الحكومة حجم اقتراضها السنوي بنحو تريليون روبية (15.6 مليار دولار).
5) ماذا عن المخاوف؟
لا تزال الحكومة والبنك المركزي متخوفين من أن تزيد الاستثمارات الأجنبية من تقلب الأسواق المحلية. ففيما مضى، ساور المسؤولين القلقُ من عواقب دخول وخروج "الأموال الساخنة" من المستثمرين الأجانب.
كما يجب أن تعطي قرارات السياسة النقدية التي يتخذها "بنك الاحتياطي الهندي" (Reserve Bank of India) أهمية أكبر لكيفية تجاوب المستثمرين الأجانب في السندات معها. وفي الوقت ذاته، يشير مديرو الأصول إلى مسألة "يوروكلير"، وكفاءة المعاملات، والوضوح في مسألة الضرائب، على أنها عقبات مستمرة. يمثل تسهيل ضخ المستثمرين الأجانب للاستثمارات في السندات المحلية عنصراً جوهرياً في تمكين الهند من تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الانضمام إلى المؤشر.
6) ما الأثر على الأسواق؟
عندما تتذبذب أسواق السندات العالمية، أبقت أنباء المؤشر على عائدات السندات الهندية مستقرة نسبياً، حيث ارتفع المعدل الأساسي لعائد السندات لأجل 10 سنوات بنحو 10 نقاط أساس منذ العام الماضي، فيما ارتفعت عائدات السندات الأميركية للأجل ذاته بأكثر من 100 نقطة أساس خلال الفترة نفسها.
في الأجل الطويل، ومع زيادة الاستثمارات الأجنبية، قد تشهد البلاد خفضاً جوهرياً في أسعار الفائدة، كما قد يوفر بعض الدعم للروبية التي تتداول قرب مستوى منخفض قياسي.