بلومبرغ
تبادل المسؤولون الصينيون والأمريكيون على مدى يومين من المحادثات في أنكوراج بألاسكا الخطابات الحادة والاتهامات، وإن كان كلا الجانبان يأملان في تنقية الأجواء. الآن يبدأ العمل الحقيقي.
وفي حين صور الأمريكيون المحادثات على أنها فرصة جيدة لتبادل وجهات النظر، إلا أنهم غادروا ألاسكا دون أي مسار واضح للمضي قدماً بشأن قضايا الرسوم الجمركية وحقوق الإنسان في شينجيانغ وهونغ كونغ وحتى الهجمات الإلكترونية والقائمة الطويلة للشركات الصينية المعرضة لخطر الشطب من البورصات الأمريكية.
يمثل هذا خيبة أمل للمسؤولين والشركات من كلا الجانبين الذين كانوا يأملون في الحصول على بعض المؤشرات القوية بأن أكبر اقتصادين في العالم مستعدان للتخفيف من حدة مواجهتهما، مثل التخطيط لقمة افتراضية حول تغير المناخ بين الرئيسين جو بايدن وشي جين بينغ. في النهاية، لم يخرجوا بذلك حتى.
وقال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بعد خروجه مع وزير الخارجية أنطوني بلينكين من الاجتماعات في فندق أنكوراج: "لقد كنا واضحين عند دخولنا، وسنعود إلى واشنطن لتقييم ما نحن فيه". ورفضوا تلقي أسئلة من الصحفيين.
وقال يانغ جيتشي، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي، للصحفيين الصينيين إن المحادثات كانت "صريحة وبناءة ومفيدة" لكنه أضاف أنه "لا تزال هناك بعض الخلافات المهمة بين الجانبين".
وقال يانغ "الصين ستعمل على حماية سيادتنا الوطنية وأمننا ومصالحنا". إذا كان هناك أي أمل، فهو أن ملاحظاته كانت أقل عدائية بكثير من حديثه اللاذع الذي دام 20 دقيقة في بداية المحادثات.
وقال وزير الخارجية بلينكين حول المحادثات بين الولايات المتحدة والصين: "ليس من المستغرب أننا حصلنا على رد دفاعي."
الإبقاء على التشدد
وسلط عدم إحراز أي تقدم ملحوظ الضوء على مدى سوء العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، في الوقت الذي تحول فيه الرئيس السابق دونالد ترمب من الثناء المتقطع على "شي" إلى نهج أكثر صدامية مع الدولة، ومدى ضآلة الرغبة - أو القدرة – البادية على كلا الجانبين لتحسين العلاقات.
وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينهوا) يوم السبت الماضي أن الجانبين سيشكلان مجموعة عمل مشتركة بشأن التغير المناخي، وسيجريان محادثات حول تسهيل أنشطة الدبلوماسيين في كل منهما إلى جانب القضايا المتعلقة بالصحفيين. وعلى النقيض من ذلك، لم تذكر الولايات المتحدة علناً الاتفاقات بعد المحادثات.
وضغط المشرعون على الجانبين في الولايات المتحدة على بايدن للحفاظ على لهجة ترمب المتشددة نحو الصين، وتمكن فريقه من فعل ذلك إلى حد كبير.
عمل غير منته
وفي الصين، سلكت الحكومة منعطفاً شديداً نحو مزيد من الاستبداد، ما أدى إلى تآكل الحريات الديمقراطية في هونغ كونغ وقمع المسلمين في شينجيانغ في حملة وصفتها الولايات المتحدة بأنها إبادة جماعية.
ويثير هذا التصنيف قلق الصينيين بشكل خاص. وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينهوا) أن الوفد الصيني، الذي وصفها بأنها "أكبر كذبة في القرن"، احتج على "افتراض الذنب من قبل أولئك المنحازين والمتعاطفين".
وقد تكون الاجتماعات في أنكوراج "مفيدة لمعرفة ما إذا كان هناك أي شيء آخر يريد الناس أن يقولوه خلف الأبواب المغلقة ولن يقولوه علناً"، على حد تعبير بوني غلاسر، كبيرة مستشاري آسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن. لكنها حذرت من أن العلاقات قد تزداد سوءاً.
وقالت غلاسر: "سيكون لدينا المزيد من مشاريع القوانين من الكونغرس، لن تكون أقل، وسيكون لدينا المزيد من الناس الذين يصرخون حول كيفية مواجهة الولايات المتحدة للصين".
وفي تلك الأثناء، فإن سياسة إدارة بايدن نحو الصين لم تكتمل بعد. لا يزال المسؤولون يراجعون مدى صعوبة التصدي للتحدي الذي تواجهه شركات التكنولوجيا الصينية مثل "هواوي". ومقدار ما يمكن عمله لتعطيل قدرة الصين على تطوير وتصدير أحدث جيل من الرقائق الدقيقة.
ولم يذكر المسؤولون ما سيفعلونه بشأن العديد من الشركات الصينية التي قد يتم شطبها من البورصات الأمريكية، أو ما إذا كانت الرسوم الجمركية على سلع صينية بمليارات الدولارات سترتفع. ولم تُظهر الصين أي علامة على التراجع عن نهجها الأكثر جرأة.
وكتب توم أورليك، كبير الاقتصاديين في "بلومبرغ إيكونوميكس"، في ملاحظة: "تبدو القراءة المتفائلة للأمر في أن أداء يانغ العام كان مخصصاً بالكامل للجمهور المحلي، وسيبقى من الممكن إحراز تقدم خلف الأبواب المغلقة. أما التفسير الأكثر وضوحاً فهو أن الصين واثقة جداً من صعودها لدرجة أنها لا ترى أي فائدة من العمل بشكل تعاوني إلا بشروطها الخاصة."
سوء تقدير
وسعت الولايات المتحدة إلى المحادثات ورتبت لعقدها في ألاسكا، حيث توقف بلينكين للتزود بالوقود بعد زيارات لحليفين رئيسيين للولايات المتحدة، هما اليابان وكوريا الجنوبية. وكان القصد من ذلك إرسال إشارة أن إدارة بايدن لن تتحدث مع الصين إلا بشروطها وبعد التحقق مع الشركاء الرئيسيين.
ولكن مهما كان موقف القوة الذي بدا أن الولايات المتحدة تتخذه يتلاشى في غضون دقائق، فقد ألقى يانغ خطابه المنفرد فيما كان من المفترض أن يكون خطاباً افتتاحياً روتينياً. رداً على عرض أقصر لشكاوى بلينكين، اتهم يانغ الولايات المتحدة بالنفاق، ووصف ديمقراطيتها بأنها معيبة وملوثة بالعنصرية، وقال إنها "بطلة" الهجمات الإلكترونية.
أما داخل الإدارة، فهناك جدل حول ما إذا كانت الجلسة الافتتاحية - وحتى قرار إجراء محادثات – عبارة عن سوء تقدير، فوفقاً لبعض المسؤولين، كانت العلاقات متوترة للغاية لدرجة أن بلينكين وسوليفان كان ينبغي أن يتوقعا ذلك، ويبذلا جهدهما لتجنب تقديم نقد لاذع.
لكن هناك آخرين جادلوا بأن الصين غالباً ما تقوم بتضخيم خطابها قبل تقديم التنازلات، وكان من المهم السماح بحدوث ذلك قبل الشروع في العمل. وقال شخصان مطلعان على الأمر إن فكرة الاجتماع نشأت مع كورت كامبل، منسق بايدن لشؤون آسيا، وأن الأصوات في وزارة الخارجية دفعت نحو عكس ذلك، قائلة إن هذا الاجتماع ليس له فائدة تذكر.
اجتماع دون طائل
وقال المشككون إن الأمل في إجراء محادثات حرة كان ساذجاً لأن المسؤولين الصينيين نادراً ما يخالفون نقاط الحوار المطروحة حتى في السر. ويبدو أن هذا هو الحال هنا، حيث قال أحد المسؤولين للصحفيين إنه رغم أن الاجتماع كان صريحاً، إلا أنهم لم يحصلوا على الحوار المتبادل الذي كانوا يأملونه.
ورغم أن المحادثات كانت خطوة أولى في نهج إدارة بايدن تجاه الصين، إلا أنها لم تظهر إلا مؤشرات قليلة جداً حول ما سيأتي. ويطالب بعض الجمهوريين بالفعل الولايات المتحدة بمقاطعة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 التي ستقام في الصين، وهو قرار من شأنه أن يثير حنق بكين.
رغم أن وزير الخارجية السابق جون كيري يبحث عن فرصة للتعاون في مجال المناخ، إلا أن برنامجه، واللهجة السائدة في أنكوراج لم تترك إلا فرصاً نادرة أو ثقة مفقودة من أجل عقد صفقة في أي وقت قريب.
وقال ديريك سكيسورس، محلل شؤون الصين في معهد "أمريكان إنتربرايز" المحافظ، أثناء عقد المحادثات: "إذا كان أي شخص في إدارة بايدن يعتقد أن اختباره مع الصينيين في هذا الاجتماع سيخلق مساحة محلية للتعاون، فجميعهم فقدوا عقولهم."