بلومبرغ
يبدو أن أعضاء لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا هم الأكثر انقساماً منذ إنهاء دورة رفع أسعار الفائدة العام الماضي، مما يُظهر التحدي الذي يواجهه المحافظ أندرو بيلي في توجيه زملائه نحو تخفيضات أسعار الفائدة المحتملة في الأسابيع المقبلة.
تولى بيلي منصبه قبل أيام من أول إغلاق بسبب تفشي الجائحة في المملكة المتحدة، وعانى من سلسلة من الأزمات التي تركت سعر الفائدة الأساسي عند أعلى مستوياته منذ 16 عاماً ودفعت ثقة الجمهور في البنك المركزي البريطاني إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.
يتعرض بيلي الآن لضغوط من حزب المحافظين الحاكم لخفض تكاليف الاقتراض، التي وصفها وزير الخزانة جيريمي هانت بـ"الشعور الجيد"، قبل الانتخابات العامة المقررة في وقت لاحق من العام الجاري.
بدا بيلي، ذو الـ65 عاماً وفي منتصف فترة ولايته البالغة ثمانية أعوام، منفتحاً بشكل متزايد على التيسير النقدي في الأسابيع الأخيرة. ومع ذلك، أعرب مسؤولون آخرون في البنك المركزي المستقل قانوناً، بمن فيهم كبير الاقتصاديين التابع لبيلي، عن إحجامهم عن التحرك حتى تظهر علامات أوضح على تراجع الضغوط التضخمية الأساسية. وهذا أدى إلى ترك المستثمرين والاقتصاديين في حالة تخمين بشأن توجهات بيلي عندما تعلن لجنة السياسة النقدية المكونة من تسعة أعضاء في بنك إنجلترا عن قرارها بشأن أسعار الفائدة الأسبوع القادم.
انقسامات أعضاء لجنة السياسة النقدية
قالت مودوب أدغبيمبو، الاقتصادية لدى "جيفريز": "نلاحظ ظهور انقسامات جديدة، حيث يغير أعضاء لجنة السياسة النقدية، الذين يميلون إلى أن يكونوا محور النقاش، وجهات نظرهم.. نعتبر تباين الآراء تأكيداً لتوقعاتنا بوجود دورة خفض تدريجية".
اعتباراً من يوم الأربعاء، كان المستثمرون يقيمون انتظار بنك إنجلترا حتى سبتمبر لإجراء أول خفض لسعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، حيث تتأثر التوقعات بشأن أسعار الفائدة في البلاد بشدة بالتغيرات في الأسواق الأميركية.
ومع ذلك، يستمر بعض الاقتصاديين في توقع بدء الخفض في يونيو. وبينما يُتوقع على نطاق واسع أن تترك لجنة السياسة النقدية أسعار الفائدة من دون تغيير عند 5.25% في اجتماعها المقرر الأسبوع المقبل، فإنها قد تقدم تلميحات حول ما إذا كان من الممكن إجراء أول خفض في يونيو.
اقرأ أيضاً: بنك إنجلترا يبقي أسعار الفائدة للمرة الثالثة على التوالي
وبالنسبة لرئيس الوزراء ريشي سوناك، لا يمكن أن يكون خفض أسعار الفائدة قريباً في وقت يحاول فيه التصدي لحزب العمال الصاعد بزعامة كير ستارمر. وتواجه الحكومة اختباراً في انتخابات السلطات المحلية اليوم الخميس، ويجب أن تطلب تفويضاً جديداً في موعد أقصاه يناير 2025. وجدير بالذكر أن سوناك ذكر احتمالية خفض أسعار الفائدة في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي كدليل على نجاح خطته الاقتصادية.
كبح التضخم
كذلك، يقول دان هانسون، المحلل لدى "بلومبرغ إيكونوميكس": "نعتقد أن مزيداً من أعضاء لجنة السياسة النقدية سيصوتون لصالح خفض الفائدة، مع توقع اقتراب انخفاض التضخم إلى نحو 2%".
وأضاف: "ربما تشير التوقعات الجديدة أيضاً إلى أن البنك المركزي يفكر في التخفيف بأكثر مما تتوقعه الأسواق هذا العام. حالتنا الأساسية هي أن الخفض الأول سيكون في يونيو".
في ظل إشارة البنك المركزي الأوروبي إلى انفتاحه على التخفيف النقدي، وإشارة بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أن أسعار الفائدة الأميركية ربما بحاجة لتظل عالية لفترة أطول، يقدم مسؤولو بنك إنجلترا رسائل متضاربة حول آرائهم. فمن جانبه، يعتقد بيلي أن مسار المملكة المتحدة يشبه بشكل أكبر أوروبا، مشيراً إلى وجود "أدلة قوية" على إحراز تقدم في كبح التضخم.
يتوقع مسؤولو البنك المركزي تراجع التضخم، الذي بلغ ذروته بأكثر من 11%، إلى هدف 2% هذا الربع، لكنهم سيقدمون توقعات جديدة الأسبوع المقبل توضح ما إذا كان سيظل عند هذا المستوى.
اقرأ أيضاً: التضخم في المملكة المتحدة يفوق التوقعات وسط صعود أسعار الطاقة
وهذا جعل الأسواق حساسة للغاية تجاه الكلمات الصادرة عن صُناع السياسة في بنك إنجلترا، في وقت أصبحت فيه الرسالة أكثر غموضاً. وتعكس حالة عدم اليقين جزئياً قراءات التضخم التي كانت أقوى من المتوقع في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وأيضاً التقديرات المختلفة حول مدى الضغط التصاعدي الذي سيفرضه النمو القوي للأجور على الأسعار.
كان المستثمرون يراهنون في بداية العام على ستة تخفيضات بمقدار ربع نقطة مئوية لكل منها هذا العام، لكنهم باتوا يتوقعون الآن خفضاً واحداً فقط. فقد أبدى بيلي استعداده لخفض الفائدة في فبراير، وأشار إلى أنه مرتاح نسبياً بشأن توقعات التضخم، لكن هناك دلائل على أن بقية لجنة السياسات النقدية غير مستعدة لذلك.
مسار "جبل تيبل"
حدد هيو بيل، كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، المسار الذي سيتبعه البنك المركزي بدءاً من أغسطس خلال زيارة إلى كيب تاون، حيث حذر من احتمالية إتباع أسعار الفائدة مسار "جبل تيبل"، وهذا يعني أنها ستظل أعلى لفترة أطول مما كان يأمله الكثيرون. ثم قال مؤخراً إن خفض الفائدة "قريب نوعاً ما"، لكن لا يزال هناك "طريق معقول ينبغي إتباعه" قبل الاقتناع بكبح ضغوط الأسعار الأساسية.
قالت إليزابيث مارتينز، الاقتصادية البريطانية في بنك "إتش إس بي سي"، إن "بيل لم يتبع الخطى الحذرة لمحافظ البنك المركزي، وهذا قد يشير إلى أن أعضاء لجنة السياسة النقدية الداخليين ليسوا متفقين بشكل جماعي".
تزداد الضغوط من جانب النواب المحافظين الذين يتوقون لبدء دورة خفض أسعار الفائدة قبل الانتخابات العامة، مما يخفف الضغط على الموارد المالية للناخبين. وأثار وزير الخزانة جيريمي هانت مراراً وتكراراً احتمالية خفض بنك إنجلترا لأسعار الفائدة، قائلاً إن التخفيضات ستمنح الناخبين "شعوراً جيداً".
وأدت رهانات السوق على تأجيل بنك إنجلترا للسياسة النقدية المتساهلة بالفعل إلى ارتفاع أسعار الرهن العقاري مجدداً، وتراجع أسعار المنازل، مما يهدد بإفساد رواية هانت وسوناك بأن الاقتصاد يتجه نحو التحسن بعد الركود المعتدل خلال العام الماضي.
مخاطر كبيرة
تواجه قرارات بيلي مخاطر كبيرة أيضاً. فإذا تأخر في اتخاذ خطوة بشأن أسعار الفائدة، فهذا يخاطر بتدخل أكبر من جانب وستمنستر، في وقت يحاول فيه بنك إنجلترا استعادة مصداقيته بعد التضخم الذي تجاوز 10% والانتقادات اللاذعة التي وجهها رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق بن برنانكي لتوقعات البنك المركزي البريطاني واتصالاته.
ومع ذلك، يهدد الخفض المبكر لأسعار الفائدة أيضاً بإعادة إشعال التضخم مجدداً، حيث تزيد سوق العمل المتشددة من نمو الأجور وتضخم قطاع الخدمات.
وإذا كان بنك إنجلترا يعتزم خفض الفائدة في يونيو، فربما تحتاج لجنة السياسة النقدية إلى تعديل توجيهاتها للمستثمرين الأسبوع المقبل، والتحول من التعهد بـ"البقاء قيد المراجعة بشأن المدة التي ينبغي الحفاظ فيها على سعر الفائدة" والاتجاه نحو تلميحات أكبر بشأن اقتراب التخفيضات.
اقرأ أيضاً: بنك إنجلترا: زيادات الأجور تصعب مهمة السيطرة على التضخم
ومع ذلك، لم تحدد تعليقات بيلي الأخيرة أحوال الأسواق بنفس الطريقة التي فعلها رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في الأشهر الأخيرة. وبدلاً من ذلك، ينصب التركيز الأكبر في المملكة المتحدة على الأعضاء الأفراد في لجنة السياسة النقدية.
ويضم معسكر المتشددين كاثرين مان وجوناثان هاسكل وميغان غرين، الذين لفتوا الانتباه إلى الضغوط التضخمية المستمرة وسوق العمل المتشددة. وبدا بيلي ونائب محافظ البنك المركزي ديف رامسدن أكثر تشاؤماً، مشيرين إلى أن انخفاض التضخم يترك المملكة المتحدة أقل تبايناً دولياً، وأقرب إلى ديناميكيات التضخم في منطقة اليورو.
هذا قد يترك بيل بصوت حاسم، وقد تكون آراء الاقتصاديين متباينة حول تفسير كلماته الأخيرة. يقول البعض إن رأي كبير الاقتصاديين يتفق مع بيلي ورامسدن، بينما يعتقد آخرون أن بيل يبدو أكثر ميلاً للمتشددين.
صرامة الإجراءات
قال مايكل سوندرز، كبير المستشارين في "أكسفورد إيكونوميكس" وأحد محددي أسعار الفائدة السابقين في بنك إنجلترا، إن "هيو يفضل عدم خفض الفائدة في مايو، لكنه يريد أن يعتقد الناس أنه إذا لم تخفض لجنة السياسة النقدية الفائدة قريباً فذلك لأنهم صارمون بشأن التضخم بدلاً من مجرد اتباع بنك الاحتياطي الفيدرالي".
أوضح مارتن ويل، أستاذ الاقتصاد في كينغز كوليدج لندن وعضو سابق آخر في لجنة السياسة النقدية، إن خطابات بيل ورامسدن تمثل "الفارق بين نصف الكوب الفارغ ونصف الكوب الممتلئ".
ويمكن أن تكون جولة التوقعات الجديدة من بنك إنجلترا هذا الشهر فرصة أخرى لإظهار الميل نحو خفض أسعار الفائدة.
وقال مارتن إن "بيلي ونائب المحافظ رامسدن يبدوان مستعدان لخفض الفائدة، واستناداً إلى لهجة محضر مارس، نشك في تأييد بعض الأعضاء الآخرين لهم.. إذا أرادت لجنة السياسة النقدية إتاحة المجال لخفض محتمل في يونيو، ونعتقد أن ذلك سيحدث، فستحتاج إلى الإشارة إلى ذلك في مايو".