بلومبرغ
يتدافع أكبر صانعي حاويات الشحن في العالم لتلبية زيادة الطلب على الحاويات المعدنية التي تنقل حوالي 90% من البضائع في مختلف أنحاء العالم، وتشكِّل داعماً رئيسياً للاقتصاد.
وشعر صانعو الحاويات- معظمهم من الشركات الصينية- بالدهشة بعد ازدهار حركة التجارة في النصف الثاني من عام 2020، خاصة أن الوباء تسبب في تغيير طرق الشحن المعتادة للإمدادات الحالية، التي تقدر بنحو 25 مليون حاوية.
ومنذ ذلك الحين، بدأ المصنعون في زيادة الإنتاج، لكنهم مع ذلك لم يستطيعوا الحد من نقص الحاويات الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الشحن لمدة ستة أشهر.
وهذه المشكلة تشبه تلك التي تعاني منها صناعة السيارات. فقد خفض صانعو السيارات طلبيات الرقائق الإلكترونية في بداية العام الماضي، بعد توقع ركود المبيعات، في حين أثبت الطلب على المعدات الاستهلاكية مرونته بالرغم من الجائحة.
وقد يستمر نقص الحاويات وازدحام الموانئ المصاحب له حتى النصف الثاني من عام 2021، في ظل التوقعات التي تفيد أن انتعاش الاقتصادات الأمريكية والأوروبية من شأنه الحفاظ على الطلب المرتفع من السلع الصينية.
ويقول سيمون هيني، كبير مديري أبحاث الحاويات في شركة "دروري" العالمية للاستشارات في مجال الشحن: "يجب أن يكون هناك ما يكفي من الحاويات لمواكبة مستوى الطلب في الظروف العادية".
وأضاف: "المشكلة هي أن فترة استخدام الحاوية امتدت بسبب كل التأخيرات، ما يعني أن إعادة الوحدات إلى العميل التالي أصبحت تستغرق وقتاً أطول".
وضع دفاعي
ولم تكن صناعة الحاويات في وضع جيد في بداية عام 2020، حيث انخفضت مستويات الإنتاج والمبيعات في الصين في عام 2019، وفقاً لمقابلة مكتوبة مع شركة "تشاينا إنترناشونال مارين كونتينرز"، وهي أكبر مُصنّع للحاويات في العالم.
وفي نهاية مارس من العام الماضي، كان هناك فائض هائل من الحاويات. بما يعادل أكثر من 3 ملايين حاوية فارغة سعتها تبلغ 20 قدماً (1 قدم = 0.30 متر) في الموانئ الصينية، و1.2 مليون حاوية في مخازن مصنعّي الحاويات، حسبما قال لي مويوان، نائب رئيس رابطة صناعة الحاويات الصينية في مقابلة مع وسائل الإعلام الصينية في بداية عام 2021.
وكان هذا الفائض، بجانب توقعات انهيار التجارة في ظل تفشي الوباء على مستوى العالم، سبباً في تراجع الطلب على الشركات الصينية المصنّعة للحاويات، والتي تمثل أكثر من 90% من الإمدادات العالمية.
وفي هذا الصدد، قالت شركة "تشاينا إنترناشونال مارين كونتينرز"، مؤخراً في ردٍ على بعض الأسئلة عبر البريد الإلكتروني: "لم تكن هناك أي طلبيات جديدة تقريباً في الصناعة في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2020".
ومع ذلك، فقد انعكس الوضع في منتصف العام تقريباً، بعد توجه تركيز المستهلكين في الولايات المتحدة وأماكن أخرى في العالم إلى أجهزة الكمبيوتر والمعدات اللازمة للعمل في المنزل، أو إعادة تزيين وتجهيز المنازل. كما ارتفعت الواردات من الأقنعة الطبية والسلع الأخرى المتعلقة بالوباء والوقاية منه.
وبعد ذلك، أدى ارتفاع الصادرات القادمة من الصين إلى موجة من الطلب على الحاويات الجديدة، وفي بعض الحالات تضاعفت الأسعار لتصل إلى أكثر من 3 آلاف دولار لحاوية قياسها 20 قدماً. وبالتالي أعلنت شركة "تشاينا إنترناشونال مارين كونتينرز" أنها أضافت 5 آلاف عامل منذ سبتمبر الماضي، فضلاً عن تشغيل بعض خطوط الإنتاج خلال عطلة السنة القمرية الجديدة الشهر الماضي.
ارتفاع الإنتاج
وارتفع إنتاج الحاويات إلى 300 ألف وحدة قياسها يعادل 20 قدماً في سبتمبر، ثم إلى 440 ألف وحدة في يناير، وفقاً لما ذكره لي، من رابطة صناعة الحاويات الصينية.
لكن هذا لم يكن كافياً للتعويض عن عدم وجود ما يكفي من الحاويات المستعملة التي يتم إعادتها إلى الصين، بغرض إعادة تعبئتها وإعادة تصديرها.
وأفاد كين هوكستر، محلل صناعة النقل في "بنك أوف أمريكا" في نيويورك، أن شركات النقل عبر المحيطات، التي تمتلك أو تستأجر معظم الحاويات المستخدمة، تحاول بشدة إعادة الصناديق من الولايات المتحدة إلى آسيا.
وأشار في مقابلة الأسبوع الماضي، إلى أن الضائقة التي تمر بها أسواق النقل البحري في الوقت الراهن ستستمر على الأقل حتى منتصف العام أو بعد ذلك.
وتحاول صناعة الشحن تلبية الطلب المتزايد، لكن أوجه القصور ستمتد، نظراً لمواجهة الصناعة مزيجاً من المخزونات المنخفضة للغاية وازدحام الموانئ الأمريكية وزيادة الطلب الاستهلاكي والافتقار إلى توقف الطلب في الصين خلال السنة القمرية الجديدة، فضلاً عن حزمة التحفيز الاقتصادي الأمريكية البالغة 1.9 تريليون دولار.
الأزمة مستمرة لبعض الوقت
وحتى مع زيادة إنتاج الحاويات الجديدة، فإن الوضع لن يتحسن حتى يونيو عندما يخفف اللقاح من حدة تفشي الوباء وتبدأ الحاويات في العودة إلى الصين. هذا ما قاله ماي بوليانغ، الرئيس التنفيذي لشركة "تشاينا إنترناشونال مارين كونتينرز" في مقابلة مع التلفزيون الحكومي الصيني في بداية مارس.
وقال أوليفييه جيسكيير، المدير التنفيذي لشركة "تيكستينر غروب هولدينغز" (Textainer) "مع خروجنا تدريجياً من اقتصاد مُثقل بالوباء بحلول نهاية العام، سنشهد عودة للتجارة الطبيعية فيما يتعلق بالحاويات".
وأضاف رئيس شركة تأجير الحاويات في مكالمة حديثة حول الأرباح: "لكننا لن نشهد حدوث فائض في الحاويات في السوق"، مشيراً إلى أن القدرة الإنتاجية قد نفدت فعلياً في النصف الأول من هذا العام. وهذا يعني أن ارتفاع أسعار الشحن- أبرز العلامات على نقص الحاويات المعدنية- يمكن أن يستمر لبعض الوقت.