خسارة رئيس واحد في غضون عام أمر مؤسف. أما خسارة اثنين فهي إشارة مقلقة للمستثمرين الأجانب.
خرجت فيتنام، محبوبة الاقتصاد في جنوب شرق آسيا، إلى دائرة الضوء مرة أخرى بسبب سلسلة من الزلازل السياسية. وكان أحدث تلك الزلازل استقالة الرئيس فو فان ثونغ في 20 مارس، مما يجعله آخر مسؤول كبير يغادر منصبه حتى الآن، وسط تحقيقات موسعة مع بعض كبار المسؤولين في البلاد.
قد يؤدي هذا الغموض السياسي الجديد إلى انتشار القلق بين أولئك الذين توافدوا على فيتنام في أعقاب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث جذبهم إليها سوق العمل المليئة بالمواهب وبتكلفة في متناول اليد، مع عدم وجود متابعة سياسية من الحكومة الأميركية.
استفادت فيتنام بشكل كبير من هذا الخلاف، فقد ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 32% في عام 2023، حيث اجتذبت البلاد أموالاً بلغت قيمتها 36.61 مليار دولار تقريباً.
قامت الشركات التي تسعى إلى تنويع مخاطرها بعيداً عن الصين بإنشاء مصانع وضخ استثمارات في فيتنام. وقد بدأ هذا العام بقوة أيضاً، مع تدفق قياسي للأموال الأجنبية بأكثر من 4.29 مليار دولار في شهري يناير وفبراير، بزيادة قدرها 39% مقارنة بالعام السابق. وأصبحت فيتنام نموذجاً لما يجب أن تفعله أي دولة عندما تحاول أن تجد طريقة للخروج من الركود الصيني، وقد نجحت إلى حد كبير حتى الآن. ولكنها في حاجة إلى ضمان تقديم صورة لدولة مستقرة وقوية للعالم لمواصلة نجاحها الحالي.
أقصر فترة رئاسية في فيتنام
ثونغ هو الزعيم الثاني الذي يغادر منصبه خلال ما يزيد قليلاً عن عام واحد، وقد سجل باستقالته أقصر فترة رئاسية في تاريخ فيتنام. ولم تتضح تماماً ماهية الأخطاء التي يزعمون أنه ارتكبها، بخلاف البيان الرسمي الذي عرض أخطاءه بعبارات غامضة إلى حد ما، فقد "انتهك اللوائح في أمور لا يمكن لأعضاء الحزب أن يفعلوها"، و"تحمل المسؤولية كقائد وفقاً لقواعد الحزب وقوانين الدولة".
تشير التكهنات إلى أن هذا كله جزء من حملة الحزب الشيوعي على الفساد داخل صفوفه. وعلى الرغم من أن المنصب شرفي إلى حد كبير، إلا أنه لا يزل ثاني أقوى المناصب داخل التسلسل الهرمي السياسي للحزب، لذلك فإن هذه الاستقالة مهمة.
اقرأ أيضاً: بدء محاكمة الفيتنامية ماي لان بتهمة اختلاس 12 مليار دولار
من المرجح أن تثير هذه الأنباء قلقاً في واشنطن، التي طورت علاقاتها مع هانوي مؤخراً. فالرحلة التي قام بها الرئيس الأميركي جو بايدن في سبتمبر الماضي أُشيد بها بوصفها "مرحلة جديدة" في العلاقات. كما أن فيتنام جزء أساسي من استراتيجية البيت الأبيض في منطقة المحيطين الهندي والهادئ للمساعدة في الحفاظ على حضور للولايات المتحدة في المنطقة وإضعاف نفوذ الصين. وأي إشارة بعدم الاستقرار داخل الحكومة الفيتنامية يمكن أن تغير التوقعات بالنسبة للولايات المتحدة أيضاً.
وبسبب الطريقة الغامضة التي يعمل بها الحزب، من المحتمل أننا لن نعرف أبداً ما حدث. لكن هذه الحملة ضد الكسب غير المشروع بين مسؤولي الحزب كانت سمة من سمات النظام الشيوعي، وهو يشبه ما تقوم به الصين في السنوات الأخيرة. ففي وقت سابق من هذا الشهر، ألقت الشرطة القبض على ثلاثة من كبار مسؤولي الحزب في المقاطعات بتهمة تلقي رشاوى. وكل هذا في محاولة لضمان بقاء الأيديولوجية نقية.
فراغ في القيادة يثير القلق
غير أن نتيجة ذلك هي فراغ في القيادة مثير للقلق، في وقت يواجه فيه أحد أسرع الاقتصادات نمواً في العالم هبوطاً مفاجئاً في الصادرات، ومخاوف بشأن التضخم. لن يُعقد المؤتمر الوطني القادم قبل عام 2026، مما يعني أن الدولة التي كانت ذات يوم تتميز بوضوح الصورة وإمكانية التنبؤ بأحوالها، تواجه الآن بضع سنوات من الفوضى، ما لم يوضع لها مسار سلس لانتقال السلطة. وقد يؤدي الاقتتال السياسي الداخلي والقبلية داخل الحزب إلى جعل هذا الأمر مثاراً للجدال. وستتولى نائبة الرئيس فو ثي آنه شوان منصب الرئيس بالنيابة إلى أن يختار البرلمان رئيساً جديداً.
اقرأ أيضاً: ماذا وراء حرب فيتنام الأخيرة على الفساد؟
أسفرت الحملة الطموحة لمكافحة الفساد عن نتائج إيجابية وأخرى سلبية في آنٍ معاً، وفقاً لتقرير صادر عن "معهد إسياس يوسف إسحق" (ISEAS Yusof Ishak Institute)، ومقره سنغافورة. فقد نجحت هذه الحملة في الحد من الكسب غير المشروع إلى حد ما، ولكنها أدت كذلك إلى اضطرابات في البيروقراطية، في حين أن الثقة بين الشركات الخاصة والمستثمرين الأجانب قد تضررت.
يجب على الحكومة أن تضمن وجود إطار قانوني شفاف لمواصلة جهودها للتخلص من الفساد في القطاعين العام والخاص على حد سواء، لتجنب أي تلميح بأن هذه الإجراءات وسيلة لإزالة الفصائل أو الأعداء السياسيين من صفوف الحزب. وإلا فإن البريق الذي اكتسبته الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا من كونها الوجهة الإضافية للاستثمار مع الصين (أو الصين+1) قد لا يلمع لفترة طويلة.