تفاؤل "جيه بي مورغان" بآفاق اقتصاد أميركا اللاتينية لديه ما يبرره

الأساسيات الاقتصادية في المنطقة تبدو أفضل مما كانت عليه قبل عشرين عاماً ولكن على ساستها أن يكونوا أكثر طموحاً

time reading iconدقائق القراءة - 17
لقطة جوية لميناء بوينس آيرس، الأرجنتين - المصدر: بلومبرغ
لقطة جوية لميناء بوينس آيرس، الأرجنتين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

بعد مرور ثلاثة أشهر من عام 2024، بدأت أميركا اللاتينية بالفعل تُظهر قدرتها على تجاوز توقعات النمو.

يتباطأ أكبر اقتصادين في المنطقة، البرازيل والمكسيك، ولكن ليس بالقدر الذي كان يُخشى منه في البداية، ويبدو أن دول "الأنديز" تستعيد بعض الزخم الذي فقدته خلال الوباء. يستمر التضخم في التباطؤ ومن المتوقع أن تعطي أسعار الفائدة المنخفضة المرتقبة دفعة إضافية للنشاط. الأهم من ذلك أن أميركا اللاتينية دخلت مرحلة إيجابية من حيث الجغرافيا السياسية والتدفقات التجارية. ويغتنم الاقتصاديون في بنك "جيه بي مورغان تشيس آند كو" هذه الفرصة عبر تقرير إقليمي شامل مكون من 109 صفحات صدر الأسبوع الماضي:

"تجاوز النمو الاقتصادي في أميركا اللاتينية التوقعات خلال الجزء الأكبر من السنوات الماضية، ويبدو أن المنطقة في وضع جيد دورياً. ومع ذلك، فإن القصة تتجاوز الدورة الاقتصادية إلى الأمور الهيكلية. وينبغي الاستفادة من آفاق أميركا اللاتينية على المدى الطويل من خلال البحث المحتمل عن مصادر إمداد آمنة ورخيصة وموثوقة مستمدة من الانقسام الجيوسياسي الأخير.

فالمنطقة منتجة للسلع الأساسية والصناعية، وتتمتع بعلاقات جيدة مع أغلب المناطق ــ وديمقراطيات راسخة نسبياً ــ قادرة على تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية مع بقية العالم في الأعوام المقبلة. علاوة على بعض الإصلاحات الاقتصادية التي تمت الموافقة عليها في السنوات الماضية".

ظروف جيوسياسية مواتية

أوافق على الأمر بشدة. فالأساسيات التي تشهدها أميركا اللاتينية أفضل من أي وقت مضى منذ بداية دورة السلع الأساسية الفائقة قبل عشرين عاماً. علاوة على الأسباب التي ذكرها بنك "جيه بي مورغان"، أود أن أستشهد أيضاً بسكان المنطقة وهم من فئة الشباب نسبياً، الذين لجأوا إلى التكنولوجيا المتقدمة وتعلموا كيفية التنقل في بيئة بيروقراطية. بالإضافة إلى ذلك، هناك أرض متاحة بعيدة عن الصراعات العالمية في نهاية المطاف (شاهد رجل الأعمال التكنولوجي الذي اشترى مؤخراً قطعة ضخمة من البرية الجامحة، بما في ذلك جبل يبلغ ارتفاعه 5000 متر في الأرجنتين، كملاذ آمن في حالة نشوب حرب نووية).

مع ذلك، على الرغم من هذا الحماس والإمكانات التي لا جدال فيها، فإن التوقعات الاقتصادية المباشرة التي يتضمنها التقرير للمنطقة تقتصر على مستوى ضعيف للغاية، إذ سوف ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.6% فقط هذا العام و2.3% في عام 2025، وفقاً لحسابات "جيه بي مورغان"؛ وتتوافق التقديرات الأخرى إلى حد كبير، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي زيادات في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.9% و2.5% في عامي 2024 و2025 للمنطقة، بما في ذلك منطقة البحر الكاريبي.

لا يعد ذلك جيداً بما فيه الكفاية. إذا كانت هذه هي لحظة التألق بالنسبة لأميركا اللاتينية، فلسوف نتوقع معدلات نمو تتجاوز كثيراً معدلات النمو المتواضعة التي تتراوح ما بين 1.5% إلى 2.5%. وتحتاج المنطقة إلى التوسع بضعف هذه الوتيرة أو أكثر إذا كانت راغبة في معالجة أوجه القصور التي طال أمدها، من الفقر إلى انعدام الأمن وعدم المساواة.

مشاكل هيكلية

هناك أسباب خاصة وراء معدل النمو المنخفض نسبياً هذا العام، فمن المرجح أن تعاني الأرجنتين من انكماش عميق إلى أن (وما لم) ينجح العلاج بالصدمة الذي طرحه الرئيس خافيير مايلي في عكس اتجاه الركود الذي تعيشه البلاد؛ ويبدو أن البرازيل تعاني من الأعباء المالية التي من شأنها أن تعيق تقدم البلاد على الرغم من وضعها الجديد كقوة تصديرية عظمى؛ ولا يبدو أن المكسيك تستفيد استفادة كاملة من فرصة النقل القريب.

ثم هناك المشاكل الطويلة الأمد التي ليس من السهل حلها، فالمنطقة لا تستثمر بشكل جيد أو كافٍ في التعليم والابتكار والتكنولوجيا؛ وتقع بلدانها في أسفل تصنيفات الفساد. إن الجريمة والعنف وضعف سيادة القانون تعمل على تقويض إنشاء ذلك النوع من النظام القانوني المتين الذي تقوم عليه المجتمعات التي تحظى بثقة عالية. ويترافق كل هذا مع إنتاجية العمالة، التي تتخلف عن جميع المناطق باستثناء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بطبيعة الحال، هناك السياسة أيضاً، التي تتميز بالاستقطاب والتحولات الأيديولوجية المستمرة. وبغض النظر عن احتياجاتها ومعتقداتها السياسية، يتعين على حكومات أميركا اللاتينية أن تعمل بشكل مشترك على وضع استراتيجية جادة لتعزيز الاستثمار، وتشجيع المنافسة، ومعالجة التحديات المشتركة في المنطقة، من الجريمة المنظمة إلى الهجرة وتغير المناخ. ويتعين على صناع السياسات وقادة الأعمال أن يكونوا أكثر طموحاً وإبداعاً إذا أرادوا تحقيق أقصى استفادة من هذا الزخم وتحقيق الديناميكية التي تحتاجها المنطقة. وينبغي للجهود الرامية إلى تعزيز مناخ الأعمال في أي بلد أن تتجاوز الأيديولوجية.

التكامل الإقليمي

هناك فرص كثيرة، إذ تشهد البرازيل وغويانا ثورة نفطية؛ وتُعَد المكسيك الآن أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، ومن الممكن أن تعمل على تعميق تكاملها التصنيعي مع أكبر اقتصاد في العالم؛ ويتعين على الأرجنتين أن تعمل على تعزيز مكاسب إنتاجيتها الزراعية كما فعلت البرازيل على مدى العقدين الماضيين. تتمتع المنطقة بالمساحة والتنوع البيولوجي والرياح والشمس لتكون قوة للطاقة المتجددة؛ ويمكن أن تساعد السياحة في توليد دخل إضافي بمليارات الدولارات؛ كما يمكن للموسيقى والرياضة أن تعزز القوة الناعمة للمنطقة، وقد يساعد الذكاء الاصطناعي في تقليص الفجوة التكنولوجية مع الدول المتقدمة.

على نحو ملموس، يمكن القيام بالكثير لدعم الشرعية (ما يقرب من نصف الوظائف في الاقتصاد غير الرسمي، وفقاً للجنة الاقتصادية لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي التابعة للأمم المتحدة) والتعجيل بإدماج المرأة في أسواق العمل، وهو ما من شأنه أن يحفز النمو بطبيعة الحال. على الرغم من أن الأمر قد يبدو مبتذلاً، فإن أميركا اللاتينية لديها الكثير لتكسبه من التكامل الإقليمي، بدءاً من تعزيز أنماط التجارة إلى مشاريع البنية التحتية المشتركة وتحسين وسائل النقل وروابط الاتصال المحلية والدولية (لا تزال غير قادر على الطيران مباشرة من مدينة مكسيكو إلى ريو دي جانيرو أو من ساو باولو إلى مونتيري). إن تيسير الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة، وخاصة في الأماكن النائية، والحد من التشوهات التنظيمية، من شأنه أن يفعل المعجزات فيما يتعلق بالقدرة التنافسية أيضاً.

نموذج تنموي جديد

يتناول تقرير جديد صادر عن البنك الدولي قضية انخفاض النمو من منظور "مكاني" بحت، مع الإشارة إلى بعض هذه المقترحات المتعلقة بالسياسات وغيرها الكثير: "لتسريع النمو بطريقة مستدامة وشاملة، تحتاج المنطقة إلى دمج نموذجها التنموي القائم على الموارد مع نموذج يولي أهميةً لمهارات وعمالة سكانها القاطنين في المناطق الحضرية".

لا شك أن أياً من هذا لا يمكن تحقيقه بين ليلة وضحاها ليُحفز معدلات النمو هذا العام أو العام المقبل. ومع ذلك، فإن الضرورات العاجلة على المدى القصير تحتاج لمرة واحدة إلى إفساح المجال للتفكير الاستراتيجي على المدى الطويل. لقد حظيت أميركا اللاتينية بمعاملة جيدة، ولكن الازدهار لن يأتي من خلال ضربة حظ؛ ولتحقيق هذه الغاية، يتعين على زعماء المنطقة وشعوبها أن يعملوا بجد.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان
الآراء الأكثر قراءة