التمويل باليوان يضع شركات روسيا في مأزق بسبب الفائدة الباهظة

شركات الطاقة والتعدين الكبرى أصبحت تعتمد على العملة الصينية لتلبية غالبية احتياجاتها من العملات الأجنبية

time reading iconدقائق القراءة - 14
أكوام من صفائح كاثود النيكل المصنوعة حديثاً في متجر التحليل الكهربائي التابع لشركة \"إم إم سي نوريلسك نيكل\"في مونشيجورسك، روسيا. - المصدر: بلومبرغ
أكوام من صفائح كاثود النيكل المصنوعة حديثاً في متجر التحليل الكهربائي التابع لشركة "إم إم سي نوريلسك نيكل"في مونشيجورسك، روسيا. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أصبح التمويل باستخدام اليوان الصيني أمراً مكلفاً ونادراً في روسيا، ما يُضيّق الخناق على أحد منافذ الحصول على رأس المال الأجنبي للشركات التي تواجه بالفعل أسعار فائدة محلية مرتفعة بشدة، وموجة من الديون المستحقة خلال السنة الجارية.

بعد سنتين من غزو أوكرانيا الذي عزل روسيا عن النظام المالي الغربي، أصبحت شركات الطاقة والتعدين الكبرى تعتمد على اليوان لتلبية غالبية احتياجاتها من العملات الأجنبية. ولكن حتى مع اقتراب عائدات السندات الحكومية الرئيسية في الصين من أدنى مستوياتها خلال عقدين، فإن السيولة غير الكافية من اليوان في روسيا، والطلب على العملة من الشركات المستوردة يسهمان في زيادة تكاليف الاقتراض.

تضع معضلة التمويل شركات على غرار "إم إم سي نوريلسك نيكل" (MMC Norilsk Nickel)، وهي أكبر شركة تعدين في روسيا، بين خياري التمويل بالروبل باهظ الثمن أو ارتفاع تكلفة الديون المحلية المقومة باليوان.

تكاليف باهظة

رفعت روسيا سعر الفائدة الرئيسي السنة الماضية بأكثر من الضعف، ما أضاف على كاهل الشركات المقترضة تكاليف خدمة ديون تصل إلى 1.2 تريليون روبل (13 مليار دولار)، بحسب شركة الاستشارات "ياكوف أند بارتنرز" (Yakov & Partners) التي يقع مقرها في موسكو.

قال سيرغي ماليشيف، المدير المالي لشركة "نورنيكل" (Nornickel)، في بيان أرسل للصحفيين الشهر الماضي: "نظراً للمعطيات الراهنة على أرض الواقع، فإن متوسط تكلفة الديون سيرتفع".

تتجه مدفوعات الفوائد على قروض "نورنيكل" للوصول إلى مليار دولار خلال 2024 بعد تسجيلها 800 مليون دولار في 2023، وذلك بالمقارنة مع 315 مليون دولار في 2021، وهو آخر عام كامل قبيل نشوب الحرب. نفس العبء الثقيل تقريباً يقع على كاهل أكبر شركة لإنتاج النفط "روسنفت"، ما دفعها لتسريع سداد الديون بعد ارتفاع تكاليف الفوائد بما يفوق 50% خلال الربع الأخير من العام السابق مقارنة بنفس الفترة من 2022.

ليست واسعة النطاق

بحسب تقرير نشره أمس البنك المركزي الروسي "لم تنتشر السندات المقومة باليوان على نطاق واسع حتى الآن" داخل السوق الروسية، وذلك بعد طرحها للمرة الأولى خلال 2022.

وأشار البنك المركزي إلى الكمية المحدودة من السيولة المتاحة باليوان لدى البنوك، والحاجة إلى تقديم عوائد أعلى باعتبارها ضمن عدة عوامل "تقلص الاهتمام المحتمل بمثل هذه الطروحات بين المستثمرين وجهات الإصدار".

شهد حجم سندات الشركات الروسية باليوان -والتي تباع جميعها في السوق المحلية- تقريباً حالة من الثبات خلال الفصول الثلاثة الأخيرة من السنة الماضية، ووصل إلى ما يعادل 800 مليار روبل، بحسب البنك المركزي الروسي. ومع أن القروض بالعملة الصينية تضاعفت 4 مرات تقريباً لتبلغ قيمتها 46 مليار دولار خلال 2023، إلا أن حصتها في محافظ ائتمان الشركات ظلت أقل من 10% فقط.

ارتفع متوسط العائد على الأوراق المالية المقومة باليوان بالنسبة لجهات الإصدار بحوالي نقطتين مئويتين خلال السنة الماضية واقترب من 6%، بحسب بنك روسيا المركزي.

كانت التكلفة قصيرة الأجل للاقتراض باليوان في بورصة موسكو متقلبة للغاية حتى أنها تقدمت إلى 15.7% في الأول من مارس الجاري قبل أن تهبط إلى 4.1% بعد 3 أيام، وفقاً لتقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس". يُرجح أن يكون إحجام البنوك الصينية الكبرى عن ربط سوق اليوان في موسكو بالأسواق الخارجية عاملاً مؤثراً أساسياً، بحسب خبير الاقتصاد في "بلومبرغ" ألكسندر إيساكوف.

"أصبحت سيولة اليوان في موسكو أكثر ندرة وتكاليفها أكثر تقلباً. ويشير شح اليوان في النظام المالي الروسي إلى ظهور مشكلات نتيجة زيادة إقراض اليوان للبنوك المحلية، وبعد سنتين من بدء الحرب، لا تزال هذه البنوك تجد صعوبة في جذب قاعدة ودائع كبيرة ومستقرة بما يكفي باليوان". ألكسندر إيساكوف خبير اقتصادي روسي

رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"

سندات اليوان

شكّل إصدار سندات مقومة باليوان خلال السنة المالية 2022-2023 "مصدراً رخيصاً للتمويل"، بحسب أليكسي تريتياكوف، أحد مؤسسي شركة "أريكابيتال" (Aricapital) في موسكو.

ذكر "تريتياكوف" أنه في مواجهة أزمة سيولة اليوان المتفاقمة، اضطرت البنوك الروسية إلى اللجوء لمبادلة العملات الصينية للبنك المركزي لتلبية احتياجاتها، ما "فاقم بطريقة كبيرة تكاليف التمويل باليوان". وتابع: "قد يعزز العجز المستمر ارتفاع عوائد السندات المقومة باليوان".

لم تقترض الشركات الروسية أيضاً من داخل الصين نفسها، بحسب البيانات التي جمعتها "بلومبرغ"، نظراً لأن ضوابط رأس المال هناك تجعل نقل الأموال إلى الخارج عملية معقدة.

لم تطرح هذه الشركات الأوراق المالية المقومة باليوان مثل سندات "الباندا" أو سندات "ديم سم" (dim sum) منذ عام 2018 بعد 11 عملية إصدار من هذا النوع خلال الأعوام الثمانية السابقة.

أثبتت العقبات أنها صعبة التجاوز للغاية، بحيث لا يمكن التغلب عليها حتى بالنسبة للحكومة، التي أمضت أعواماً في التخطيط لسنداتها المقومة باليوان. أشار وزير المالية أنطون سيلوانوف في مقابلة مع وكالة "نوفوستي" في فبراير الماضي إلى أن المناقشات مع الصين بشأن قروض باليوان لم تسفر عن نتائج حتى الآن.

البنوك الصينية

كثفت البنوك الصينية، ومن بينها بنك "إندستريال أند كوميرشال بنك أوف تشاينا" (Industrial and Commercial Bank of China) -الأكبر في العالم من حيث قيمة الأصول- استثمارها في روسيا عن طريق الفروع الخارجية. وشهدت الشركة الفرعية الروسية التابعة لبنك "إندستريال أند كوميرشال بنك أوف تشاينا" بمفردها تضاعف إجمالي الأصول المحلية 5 مرات منذ بداية 2022 وحتى الأول من أكتوبر من السنة الماضية، بحسب أحدث البيانات التي نشرها بنك روسيا المركزي.

يُنذر الضغط على السيولة المالية للشركات الروسية بخطر حرمان القطاعات الاقتصادية من رأس المال في غضون سنة عندما تتفاقم احتياجات إعادة التمويل بدرجة كبيرة. رغم الأرباح الفائقة، تشعر الشركات بالضغط بعد أن فرضت الحكومة ضرائب تصدير جديدة للمساعدة في تمويل الحرب، ما زاد من تقويض الاستفادة من ضعف سعر صرف الروبل الذي ساعد في تحقيق هوامش أرباح قياسية.

قال ديمتري كازاكوف، محلل "بي سي إس" (BCS) في موسكو: "تعني أسعار الفائدة المرتفعة أن الشركات ستكون أشد حذراً عند ضخ استثمارات تتطلب رأس مال كبير قائم على الديون".

تصنيفات

قصص قد تهمك