بلومبرغ
انتعشت السياحة الوافدة إلى مصر بقوة في عام 2023، إذ استقبلت أرض الفراعنة 14.9 مليون زائر دولي خلال هذا العام، وهو رقم قياسي منذ الانتفاضة المؤيدة للديمقراطية عام 2011. بالنسبة لدولة تواجه مشاكل اقتصادية، رسمت طفرة الزوار مساراً واعداً.
واجهت تلك الطفرة في أعداد السائحين الوافدين، تهديداً في 7 أكتوبر، عندما هاجمت حماس إسرائيل وأشعلت حرباً على طول الحدود الشمالية الشرقية لمصر على بعد ما يزيد قليلاً عن 200 ميل من القاهرة. بعد مرور نحو خمسة أشهر، خفضت مصر توقعاتها بشأن السياحة. مع ذلك، فهي لا تزال تسجل نمواً من حيث عدد الوافدين الدوليين.
يقول وزير السياحة والآثار المصري، أحمد عيسى، إن عدد السياح الوافدين ارتفع 6% في الأسابيع السبعة الأولى من عام 2024. وهذا المعدل أقل من النمو الذي تتوقعه الوزارة بنسبة 20% خلال العام الجاري، وهو يعني في النهاية تدفق 18 مليون زائر في السنة. أضاف عيسى: "لولا الحرب، لاستقبلنا أعداداً أكبر بكثير".
يمثل تواجد السائحين الأميركيين عاملاً أكثر أهمية. وتشمل تركيبة الزوار الحاليين الأشخاص ذوي الإنفاق المنخفض الذين يأتون في رحلات أقصر، بشكل رئيسي من أوروبا، مقابل الأميركيين الذين يميلون إلى البقاء لفترة أطول وإنفاق الأموال.
(وصلت إيرادات مصر من السياحة 13.6 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في يوليو 2023، بزيادة 27% على أساس سنوي).
حرب غزة تعيق خطة مصر لجذب 18 مليون سائح هذا العام
في حين انخفضت مصادر الإيرادات الرئيسية الأخرى، مثل عائدات قناة السويس، بسبب تأثير الحرب بين إسرائيل وحماس، فإن جذب المزيد من السائحين الأميركيين - الذين يقيمون في المتوسط 13 ليلة، ويزورون مناطق متعددة في رحلة واحدة، وفقاً لوزير السياحة والآثار المصري - يظل أمراً بالغ الأهمية للاقتصاد المصري بشكل عام.
تحسن الشعور بالأمان في مصر
في الواقع، من المرجح أن تخفض مصر قيمة العملة قريباً جداً في محاولة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، وحال حدوث ذلك، فقد يكون الأمر مفيداً بشدة للزوار الدوليين. تقول شركة الرحلات السياحية "أبركرومبي آند كينت" (Abercrombie & Kent)، ومقرها في الولايات المتحدة، والتي تقدم رحلات بحرية نيلية فاخرة لأجل 10 أيام بسعر يبدأ من 8995 دولاراً للشخص الواحد، ووكالة السفر الراقية "إيجيبت توريزم يو إس إيه" (Egypt Tourism USA)، والتي تنظم أيضاً رحلات إلى الأردن، إن الحجوزات لا تتم بالسرعة والقوة التي كانت عليها العام الماضي، حيث يتخذ الأميركيون نهجاً أكثر حذراً في السفر إلى الشرق الأوسط.
سجلت "جاكادا ترافيل" (Jacada Travel)، ومقرها في لندن، ارتفاعاً في استفسارات السائحين الأميركيين بنسبة 60% في يناير 2024 مقارنة بسبتمبر 2023، مع اهتمام خاص بالرحلات النيلية في وقت لاحق من هذا العام.
ترسم بيانات "غوغل" بشأن الطلب على المقاصد السياحية، والتي حللتها "بلومبرغ"، صورة مماثلة. انخفض حجم البحث الإجمالي عن الفنادق ورحلات الطيران من الولايات المتحدة إلى مصر خلال الفترة من 7 أكتوبر إلى 2 فبراير 2024، بنسبة 16% على أساس سنوي، ولم ينتعش بعد إلى مستويات ما قبل الحرب. يمثل ذلك انخفاضاً كبيراً في الاهتمام عمّا شهدته دول أخرى بالشرق الأوسط، إذ انخفضت عمليات البحث عن الإمارات العربية المتحدة والأردن، على سبيل المثال، بنسبة 1.3% و8% على التوالي.
نمو إيرادات مصر السياحية 8% إلى 13.2 مليار دولار في 2023
لكن البيانات الإضافية توضح أن هذه المخاوف قد تكون في غير محلها. وفقاً لتحليل المعنويات الذي أجرته شركة المعلومات السياحية "مابريان تكنولوجيز" (Mabrian Technologies) ومقرها في إسبانيا، فإن مصر حصلت، وفق مؤشر أمني، على 86 من أصل 100 في الأسابيع الأخيرة، وهو رقم يمثل كيف يصف الزوار الدوليون للبلاد تجاربهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
يمثل هذا تحسناً من 68.9 في منتصف ديسمبر 2023، رغم أنه لا يزال أقل من مستويات ما قبل الحرب البالغة 92.4 في سبتمبر 2023. وتعني الدرجة 100 عدم وجود شكاوى بشأن السلامة في التعليقات عبر الإنترنت التي يكتبها المسافرون حول المقصد السياحي.
في هذا الصدد، تتفوق مصر على منافسيها الإقليميين، إذ جاء تصور السلامة السياحية أقل في تركيا (84) والأردن (83.6) وقطر (81.6) خلال نفس الفترة من فبراير 2024، وفقاً لبيانات "مابريان تكنولوجيز". (لا توجد بيانات متاحة حالياً بشأن إسرائيل كون النشاط السياحي لم يستأنف عمله هناك بعد).
تحسين البنية التحتية
قد يكون الآن هو الوقت المناسب لزيارة مصر إذا كنت تسعى لتجنب الزحام وإبرام صفقات، حيث تُظهر بيانات "غوغل" أن أسعار الفنادق أقل بنسبة 18% إلى 25% من المعتاد. في عام 2019، شكلت السياحة ما لا يقل عن 9% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، ووفرت فرص عمل لـ2.4 مليون شخص. كما سيكون السائح الذي يزور مصر حالياً أيضاً من بين أول من يشاهد مجموعة كبيرة من التحسينات تشهدها أجزاء مختلفة من البلاد.
يقول عيسى: "أنفقت مصر 22% من ناتجها المحلي الإجمالي على مدى السنوات السبع الماضية على البنية التحتية"، مضيفاً أن البلاد تجري تحسينات لجذب 30 مليون زائر بحلول عام 2028. وتابع: "يمكن أن تتحمل جودة البنية التحتية في مصر اليوم أربع أو خمس مرات [عدد السياح الذين استقبلتهم عام 2023]".
تمثل زيادة عدد غرف الفنادق الفاخرة لتلائم الزوار الذين ينفقون الأموال الكثيرة، موضع اهتمام خاص. افتتح فندق "والدورف أستوريا القاهرة هليوبوليس" (أسعاره تبدأ من 232 دولاراً في الليلة) أبوابه في أغسطس. وأبرمت الإمارات العربية المتحدة مؤخراً صفقة بقيمة 35 مليار دولار مع مصر تتضمن تطوير منطقة رأس الحكمة الواقعة على شاطئ البحر المتوسط، والتي تبعد حوالي أربع ساعات بالسيارة شمال غرب القاهرة، وتحويلها إلى منتجع فاخر من شأنه أن يجذب استثمارات كبرى في قطاع الفنادق.
مصر تعول على "رأس الحكمة" للنهوض بالسياحة في الساحل الشمالي
في غضون شهرين، يمكن لزوار مصر أن يتوقعوا انتشاراً أوسع للحافلات الكهربائية التي تتوقف عند تسعة مواقع داخل مجمع أهرامات الجيزة، كما تم افتتاح العديد من المطاعم الجديدة في مجمع الجيزة خلال السنوات الثلاث الماضية. على بعد أميال قليلة، سيتم افتتاح المتحف المصري الكبير بالكامل، وهو المتحف الذي طال انتظاره، خلال العام الجاري.
خطة لجذب الزائرين
في منطقة شرق الأهرامات، تخضع خمسة مواقع أثرية للتجديد، بموجب خطة لجذب الزائرين الذين يقضون فترات قصيرة لزيارة عدة أماكن في القاهرة. كما تجري أيضاً أعمال الترميم في مسجد يرجع إلى فترة الحكم العثماني يعود تاريخه إلى 500 عام، وفي قصر محمد علي، الذي حكم مصر في أوائل القرن التاسع عشر.
هذا بالإضافة إلى برجين تم ترميمهما، من المقرر أن يفتتحا أبوابهما أمام الزائرين في قلعة القاهرة (قلعة صلاح الدين الأيوبي)، وهي معلم بارز من القرن الثاني عشر في أفق المدينة وكانت في السابق مقراً للحكومة، بالإضافة إلى متحف "إمحوتب" الجديد في الجيزة، الذي يضم أكثر من 300 قطعة أثرية تمثل سلالات مختلفة.
زيارة مصر تعني متابعة التحذيرات الحكومية بشأن السفر. بالنسبة للمواطنين الأميركيين، لم تتغير توجيهات وزارة الخارجية بالسفر إلى مصر منذ يوليو، عندما رفعت خطر الإرهاب والهجمات المحتملة على المواقع السياحية-بما في ذلك القاهرة- إلى الدرجة الثالثة، وبالتالي يتعين عليهم إعادة النظر في السفر. مع ذلك، لم تشمل مناطق الخطر الواردة في التوجيهات، الأماكن الرئيسية، مثل منتجع شرم الشيخ.
وزير السياحة: مصر تحتاج لمضاعفة غرفها الفندقية إلى 500 ألف خلال 5 سنوات
يعتبر النهج الأكثر أماناً للمسافرين الذين يعتزمون زيارة مصر هذا العام هو ترك التخطيط للخبراء، الذين يمكنهم تقديم المشورة للضيوف، أو إجراء تغييرات على مسارات الرحلة حال تغير الظروف فجأة. بالنسبة لأولئك الذين يخططون للقيام برحلة بحرية فاخرة في النيل خلال النصف الأخير من العام، سيكون التخطيط المبكر أمراً أساسياً.
تقول أليشا والتون، رئيسة تخطيط الرحلات إلى الشرق الأوسط لدى "جاكادا ترافيل":"تم بيع بعض الرحلات النيلية لشهر أكتوبر 2024 بالفعل.. لذا فإن التحرك بسرعة يضمن الاستمتاع بأفضل الأحوال الجوية وحجز الغرف".