كيف تمكن رئيس البرازيل من إرضاء "وول ستريت" والفقراء معاً؟

تحسن ملحوظ في اقتصاد البلاد وتفاؤل شعبي بسياسات لولا تزامناً مع ثناء من مؤسسات التصنيف الائتماني

time reading iconدقائق القراءة - 10
رئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا - المصدر: بلومبرغ
رئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

نجح الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في الحفاظ على رضا الناخبين من ذوي الدخل المنخفض والمستثمرين في وول ستريت خلال فترة ولايته الأولى لمنصبه. وفي عامه الأول بعد العودة إلى السلطة، تمكن من تحقيق نفس الحيلة النادرة.

نما اقتصاد البرازيل البالغة قيمته تريليوني دولار بنحو 3% في 2023، وهو ثلاثة أضعاف ما توقعه المحللون في يناير عندما عاد لولا إلى منصبه، كما تباطأ التضخم، في وقت تظهر استطلاعات الرأي أن أنصار الرئيس، ومعظمهم من فقراء البرازيل، يشعرون بأنه يحقق نتائج جيدة. في الوقت نفسه، قفزت سوق الأسهم إلى مستوى قياسي جديد، وتحسن التصنيف الائتماني للبلاد.

السؤال الآن هو ما إذا كانت مجموعة الأفكار الاقتصادية التي جعلت الزعيم البرازيلي ناجحاً، والتي يمكن تعريفها بصفة عامة بـ"لولانوميكس"، يمكن أن تستمر حتى 2024، وهو العام الذي سيشكل اختباراً كبيراً لاستراتيجيته وسط تباطؤ النشاط الاقتصادي والقيود المالية المتوقعة والانتخابات النصفية الصعبة.

استفاد لولا قبل عقدين من طفرة السلع الأساسية التي دامت لعدة أعوام، وأسهمت في توفير النقد لبرامجه الرائدة في مكافحة الفقر، مع تنفيذ مشاريع بنية تحتية كبيرة ومنح قروض عامة رخيصة، وذلك كله من دون إثارة خوف المستثمرين القلقين من تضخم الميزانية أو التدخل الحكومي في البنك المركزي.

اقرأ أيضاً: البرازيليون ينفقون نصف دخلهم لسداد فوائد الديون

في بداية ولايته الحالية، فاق أداء اقتصاد البرازيل التوقعات بشكل كبير خلال 2023 بفضل ما يسمى "الحصاد الفائق"، حيث شهدت البلاد أكبر محصول من الذرة وفول الصويا والسكر على الإطلاق، والذي ربما يكون حدثاً غير متكرر. كما قدم تمديد الحوافز بعد الوباء دفعة مؤقتة أخرى للاقتصاد.

يقول جابرييل باروس، كبير الاقتصاديين بشركة "ريو أسيت" (Ryo Asset) في ريو دي جانيرو، إن "عوامل هذه المفاجأة الإيجابية غير مستدامة".

ماذا سيفعل لولا؟

تباطأ النمو الاقتصادي بالفعل، ويُتوقع أن ينخفض إلى النصف في 2024 مع تلاشي الدعم الناتج عن قطاع الزراعة، مما ينذر ببعض الخيارات غير المرغوب فيها. وتتعهد حكومة لولا بتوسيع نطاق برامجها الاجتماعية، بجانب تحقيق توازن في الميزانية (بعد دفع فوائد الديون). ويتفق الخبراء في الأوساط المالية على ضرورة تغير بعض الأوضاع.

قادت حكومات لولا حملة لانتشال نحو 20 مليون برازيلي من الفقر المدقع بين 2003 و2010، ما جعل الرئيس واحداً من أكثر زعماء العالم شعبية، قبل مواجهته لتُهم فساد قادته إلى السجن. لولا، البالغ من العمر الآن 77 عاماً، والذي يركز بشدة على إرثه بعد عودته الرائعة، يواجه الآن تحديات أشد سوءاً على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

لم يتفوق لولا على الرئيس السابق اليميني جايير بولسونارو سوى بفارق ضئيل في 2022. تسبب هذا في اقتحام أنصار حزب المعارضة للكونغرس، بعد أيام من تنصيب لولا، بحجة تزوير الانتخابات.

اقرأ أيضاً: من لولا إلى بولسونارو.. كل ما تريد معرفته عن سباق الانتخابات في البرازيل

رغم أن النمو الأفضل من المتوقع خلال العام الماضي كان حاسماً في ترسيخ قبضة لولا على السلطة، يتوقع فريقه الاقتصادي الآن تباطؤاً اقتصادياً. والفترة الأكثر صعوبة ستكون النصف الأول من 2024، إذ قد يضطر لزيادة الإنفاق العام لدعم اقتصاد البلاد الضعيف، وفقاً لأحد أعضاء فريقه الاقتصادي.

إذا نجح لولا في البقاء حتى أغسطس من دون المساس بثقة المستثمرين في التزام حكومته بالمسؤولية المالية، فإن اجتياز بقية العام سيكون أسهل، خاصة أن أسعار الفائدة المنخفضة ستدعم النمو مرة أخرى، بحسب المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته نظراً لكونه ضمن الفريق الاقتصادي.

كذلك، تقول أدريانا دوبيتا، الاقتصادية لدى "بلومبرغ إيكونوميكس": "إذا نجح لولا، فإن البرازيل ستستفيد من انخفاض أسعار الفائدة طويل الأمد، وارتفاع قيمة العملة، وزيادة الاستثمار في الإنتاج".

لا يزال الرئيس، وهو زعيم نقابي سابق، ملتزماً باستخدام سلطة الدولة لتحفيز الاقتصاد ومساعدة الفقراء. وفي العام الماضي، استأنف برنامج الإسكان المعروف باسم "مينا كاسا، مينا فيدا"، والذي يعني "بيتي، حياتي"، بتمويل يبلغ ملياري دولار تقريباً، والذي سيرتفع إلى حوالي 3 مليارات دولار في 2024.

الحكومة لن تتوقف

يقول وزير المدن جادر باربالو فيلهو، الذي يشرف على البرنامج، إنه تجاوز هدف توفير تمويل لـ375 ألف منزل في 2023. وأفاد بأن "الحكومة لن تتوقف"، مضيفاً بسرعة أنها ملتزمة أيضاً بالمسؤولية المالية.

ربما يصبح هذا التوازن أكثر صعوبة. ويتذكر مراقبو الميزانية المتشددين ما حدث قبل عقد، عندما كثفت ديلما روسيف، التي اختارها لولا لخلافته، الأعمال العامة، وقدمت قروضاً حكومية رخيصة لتجنب الانكماش. وفي النهاية، وقعت البرازيل في ركود عميق، وفقدت تصنيفها الائتماني الاستثماري، بينما ارتفع التضخم.

اقرأ أيضاً: البرازيل تخفض سعر الفائدة نصف نقطة مئوية وتتوقع المزيد

قبل توليه منصبه العام الماضي، حصل لولا على موافقة الكونغرس لإنفاق مؤقت بقيمة 34 مليار دولار، ومعظمها مخصص لتجديد برامج مساعدات الرئيس السابق بولسونارو التي كان من المقرر أن تنتهي. وفي بداية ولايته، قاد تدابير تركز على البرازيليين الأشد فقراً، حيث رفع الحد الأدنى للأجور ووسع فوائد برنامج "بولسا فاميليا" لنحو 21 مليون أسرة منخفضة الدخل ومنح الطلاب فرصة لإعادة التفاوض بشأن ديونهم الجامعية.

في الوقت نفسه، شرع فريقه الاقتصادي بقيادة وزير المالية فرناندو حداد في إعادة هيكلة شاملة للقواعد المالية التي حدت من مخاوف المستثمرين.

رحبت شركتا التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز غلوبال" و"فيتش" بالأجندة المالية لحداد، ورفعتا التصنيف الائتماني للبرازيل في 2023. وأشارت الشركتان إلى الإطار المالي الجديد وإصلاح قانون الضرائب في البلاد باعتباره إضافة إلى سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي نُفذت خلال الأعوام القليلة الماضية.

بيانات النشاط الاقتصادي القوية، بجانب انخفاض أسعار الفائدة وتحسن الإقبال على المخاطرة، دفعت الأسهم المحلية إلى مستويات قياسية في أواخر العام الماضي. ورغم تلاشي زخم الأسهم في 2024 وسط الرهانات المتغيرة على أسعار الفائدة الأميركية وعمليات البيع التي تقودها الصين، فإن عملة البرازيل، التي عانت تقلبات حادة خلال معظم العقد الماضي وسط التوترات السياسية المستمرة، شهدت انخفاضاً في التقلبات إلى أدنى مستوياتها منذ 10 أعوام.

هذا الهدوء، الناتج عن الاستقرار السياسي النسبي وأسعار الفائدة التي لا تزال مرتفعة، يمهد الطريق أمام الريال البرازيلي ليصبح أحد الوجهات الرئيسية للمستثمرين في الأسواق الناشئة.

تغيير القواعد

التزمت إدارة لولا بالقضاء على العجز الأولي في موازنة البرازيل خلال 2024، ثم تحقيق فوائض. ويحد إطار المالية العامة للبلاد من نمو الإنفاق ويخلق آليات لتقليصه تلقائياً إذا أظهرت الحكومة مؤشرات على فقدان السيطرة على موارد الميزانية.

يُعتبر كل هذا ضرورياً لأن الدين الوطني في البرازيل، البالغ نحو 75% من الناتج المحلي الإجمالي، أكبر من نظرائه في معظم الأسواق الناشئة، ويقترب من مستويات يقول الاقتصاديون إنها قد تشكل عائقاً أمام النمو.

اقرأ أيضاً: المكسيك تلحق بالبرازيل وتدخل دوامة الركود

يتوقع عدد قليل من المحللين أن تقضي البرازيل بالفعل على عجز الموازنة هذا العام. وما ينظرون إليه هو كيفية استجابة حكومة لولا في حال الفشل.

ربما تأتي اللحظة الحاسمة على الأرجح في مارس، عندما تؤدي مراجعات الموازنة إلى تخفيضات إلزامية في الإنفاق، إذا لم تكن الأرقام على المسار الصحيح.

يقول ألبرتو راموس، كبير الاقتصاديين في أميركا اللاتينية في "غولدمان ساكس غروب"، إن تعديل القواعد في تلك المرحلة سيفتح باب الشك حول التزام لولا بكبح الإنفاق. وأوضح أن "الأمر أشبه بتغيير القواعد ثم القول إنك سجلت هدفاً".

إضافة إلى إثارة قلق المستثمرين، فإن زيادة النفقات العامة تهدد بإعادة إشعال التضخم، في وقت يستمتع فيه البرازيليون ببعض الراحة من تفشي وباء كورونا.

قالت روزمير دوس سانتوس، وهي طاهية تبلغ من العمر 51 عاماً وتعمل لحسابها الخاص في ريو، إن "الأسعار مبالغ فيها". وأوضحت أن العملاء توقفوا عن طلب الطعام أو طلبات التوصيل نتيجة ارتفاع أسعار الطعام، وهذا جعلها تعيش على أجر شهري قدره 600 ريال برازيلي (122 دولاراً) من برنامج "بولسا فاميليا".

لكن تكلفة الأرز والسلع الأساسية الأخرى انخفضت، "ولم يعد الناس ينظمون الفعاليات مجدداً فحسب، بل إنني أكسب عملاء جدداً"، بحسب سانتوس.

تحت الضغط

ستزداد الضغوط لزيادة الإنفاق مع اقتراب الانتخابات البلدية في أكتوبر. ويشعر الكثير من المشرعين في حزب العمال الذي يتزعمه لولا بالغضب من القيود التي سعى حداد إلى فرضها.

يمكن أن تفوز برامج مثل "مينا كاسا، مينا فيدا" بالأصوات. وقالت ليا سانتانا، ذات الـ51 عاماً والتي تعمل كمدققة مبيعات لإحدى شركات الهواتف في ساو باولو، إن لديها شكوكاً سياسية، ودعمت لولا فقط للتخلص من بولسونارو. لكنها تأهلت للحصول على تمويل ضمن إطار البرنامج الإسكاني، واشترت بالتبعية منزلها الأول. والآن، تقول عن الرئيس: "إنه الشخص الذي يعتني بنا أكثر من أي شيء".

اقرأ أيضاً: محللون يتوقعون ارتفاع التضخم والفائدة في البرازيل خلال 2023

يشير الأفراد القلقون إزاء الوضع المالي إلى العواقب السلبية طويلة المدى، فبمجرد البدء، تميل البرامج إلى التوسع. ووجد باحثو مؤسسة "جيتوليو فارغاس" (Getulio Vargas Foundation) أن تكلفة برنامج "بولسا فاميليا" في البداية كانت حوالي 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبرازيل، لكنها تقترب الآن من 2%.

يقول توماس ترومان، الذي شغل منصب السكرتير الإعلامي لـ"روسيف"، إن "أفعال" لولا في بداية ولايته الجديدة تشير إلى "الأزرار التي سيضغط عليها" إذا تدهور الاقتصاد وكان عليه الاختيار بين التعهد بتقديم دعم اجتماعي وضبط الموازنة. وأوضح أنه "في ظل الضغط، سيوجه كل جهوده لصالح الفقراء الذين انتخبوه".

تصنيفات

قصص قد تهمك