بلومبرغ
في الشهر الماضي، فتح رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي أبواب معبد هندوسي أثار الجدل في الهند، بعدما كان موقعاً لمسجد عمره عدة قرون. وهذا الأسبوع، سيقوم بافتتاح معبد في أبوظبي.
تم بناء المعبد من الحجر الرملي الوردي في دولة الإمارات على قطعة أرض مساحتها 27 فداناً، مقدّمة من رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، كإيجار غير محدد المدة.
في عامٍ انتخابي، يقدم هذا الصرح المهيب إلى مودي فرصة لاحتلال عناوين الأخبار الرئيسية، وتصوير نفسه كزعيم عالمي يتمتع بالقدرة على جذب استثمارات أجنبية كبيرة، خصوصاً أنه من المتوقع الإعلان عن تعهدات استثمارية أو مذكرات تفاهم بين البلدين خلال هذه الزيارة.
كما سيلقي رئيس الوزراء الهندي كلمة في استاد أبوظبي اليوم، أمام أكثر من 40 ألف هندي مقيم في الإمارة.
مزيج فريد
تمثل العلاقة بين البلدين مزيجاً فريداً من الدين والسياسة والمال. فخلال الشهر الماضي، تجمع حشد من الناس يلوحون بالأعلام لاستقبال رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد حيث كان مودي باستقباله في مطار ولايته غوجارات.
وفي حين أن الإسلام هو دين الدولة في الإمارات، فإن علاقة حزب "بهاراتيا جاناتا" الذي يتزعمه مودي متوترة منذ فترة طويلة مع السكان المسلمين في الهند.
وأشار مسؤولون إماراتيون إلى أن هناك تقديراً متزايداً في أبوظبي للأهمية الجيوسياسية المتزايدة للهند، فضلاً عن مكانتها باعتبارها أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً في العالم. وقالوا إن ذلك سيجعل من المهم استراتيجياً بالنسبة لدولة الإمارات التغلب على أي خلافات في الرأي مع نيودلهي.
اقرأ أيضاً: هل يعزز توسع بريكس استثمارات النفط بين أعضائها؟
رئيس وزراء الهند اعتبر في تصريحات سابقة أن الشيخ محمد بن زايد بمثابة أخ له، في وقت نوّه براهمافيهارداس سوامي، وهو الكاهن الذي يرأس المعبد في مكالمة عبر تطبيق "زووم"، وهو يقف أمام الموقع متدثراً بأردية بلون الزعفران، بأن "العلاقة بين الهند والمنطقة في أقوى مراحلها".
اعتبارات تجارية
تعتبر الهند أحد أكبر عملاء نفط الشرق الأوسط، كما تشتري المزيد من الغاز الطبيعي المسال من المنطقة، ما يعني وجود علاقات واعتبارات تجارية كبيرة.
في الوقت نفسه، برزت صناديق الثروة السيادية في الإمارات ودول الخليج، كمستثمرين بارزين بالدولة الواقعة في جنوب آسيا.
ولطالما كانت "رويال غروب" المجموعة الاستثمارية التي يرأسها نائب حاكم أبوظبي ومستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد، مرتبطة بالهند. ويصف المسؤولون التنفيذيون في المجموعة الهند بأنها محرك النمو المحتمل في العقد المقبل.
وفي الأيام الأخيرة، أنشأت شركة الذكاء الاصطناعي الإماراتية "جي 42" كياناً جديداً يسمى "جي 42 إنديا إنتربرايز هولدينغ آر أس سي" (G42 India Enterprises Holding RSC Ltd) مسجلة في سوق أبوظبي العالمي، حسبما تظهر الإيداعات.
كما تدرس الإمارات استثمار ما يصل إلى 50 مليار دولار في الهند، ثاني أكبر شريك تجاري لها، حسبما صرح أشخاص مطلعون على الأمر لـ"بلومبرغ نيوز" العام الماضي.
وفي حين لا يتضح إذا كانت هذه الاستثمارات ستتحقق في نهاية المطاف، ولا تاريخ الإعلان عن أي اتفاقيات، فإن هذه التحركات ستوفر لمودي فرصة أخرى لاستعراض علاقاته الدولية.
اقرأ أيضاً: أدنوك الإماراتية تزود "غايل" الهندية بالغاز لمدة 10 سنوات
وقال راجيف ميسرا، وهو رجل أعمال هندي المولد، عُهد إليه على مر السنين باستثمار مليارات الدولارات من أموال صناديق في الشرق الأوسط، إن "هذه الأموال لا تأتي إلى الهند كمساعدة، بل رهاناً على أن أداء الهند سيكون جيداً خلال العقود القليلة المقبلة"، و"لاستغلال هذه الفرصة الذهبية، يجب على الهند وضع نظام يمكنه توجيه الأموال إلى الفرص المناسبة".
علاقات سياسية متقاربة
على الصعيد السياسي، أصبحت الدولتان أقرب إلى بعضهما في السنوات الأخيرة. وستكون زيارة مودي الأخيرة هي رحلته السابعة إلى الإمارات منذ توليه منصب رئيس الوزراء عام 2014. وكانت أنديرا غاندي آخر رئيس وزراء هندي زار الإمارات قبله في 1981.
في عام 2021، ساهمت الإمارات بالتوسط في اتفاق سلام بين الهند وباكستان. ومؤخراً، كانت الإمارات ضمن الدول المدعوة للانضمام إلى كتلة "بريكس" والتي تُعدُّ الهند جزءاً منها.
وترى سونيتا سينغ دلال، الشريكة في شركة المحاماة "حوراني وشركاه" ومقرها في دبي، والتي تركز على الثروات الخاصة والمكاتب العائلية، أن دخول الإمارات مؤخراً إلى بريكس "يعكس العلاقة القوية بين البلدين".
ويحظى مودي بشعبية متزايدة بين زعماء العالم، بما في ذلك الرئيس الأميركي جو بايدن.
ويتوقع توماس ماثيو، محلل العلاقات الدولية المقيم في نيودلهي، أن "تستفيد كل من الإمارات والهند اقتصادياً وجيوسياسياً من العلاقة الوثيقة التي بنيت خلال السنوات الأخيرة"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة والغرب يسعيان أيضاً إلى تعزيز هذه العلاقة، لأنها تساعد في احتواء الصين التي لديها طموحات في المنطقة".
تعزيز العلاقات
تتطلع دول شرق أوسطية أخرى أيضاً إلى تعزيز العلاقات مع الهند. وأعلنت السعودية عن نيتها استثمار 100 مليار دولار في البلاد عام 2019. وتم نقاش سبل تسريع تنفيذ تلك الخطط، خلال زيارة قام بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في سبتمبر.
تتمتع الإمارات والهند بعلاقات وثيقة، وينحدر ثلث سكان الدولة من الهند، كما أنهم من كبار مشتري العقارات في دبي.
وكانت شركة الهجرة "هينلي إند بارتنرز" (Henley & Partners) قدرت أن الإمارات مثلت الوجهة الأولى لهجرة الهنود ذوي الثروات العالية عام 2023.
ومن بين أثرياء الهند الذين ضخوا استثمارات كبيرة في الإمارات، المليارديران غوتام أداني وموكيش أمباني ، كما تمكنوا من جذب التمويل من الكيانات المدعومة من الدولة الخليجية.
اقرأ أيضاً: ثروة غوتام أداني تخترق حاجز 100 مليار دولار مجدداً
في ظل هذه الحيثية، فإن معاملة المسلمين في الهند هي قضية "يجب مناقشتها خلف الأبواب المغلقة"، كما قال عبد الخالق عبد الله، الأكاديمي الإماراتي. مضيفاً أنها "لا يجب أن تؤثر على العلاقات الاقتصادية الأوسع، والشراكات الأمنية، والمصلحة الوطنية الشاملة".
وبينما تظل العديد من التعهدات أو مذكرات التفاهم مع دول الشرق الأوسط وعوداً، وتم تنفيذ عدد محدود منها في الهند حتى الآن، فإن الخطط الكبيرة الأخرى لتعميق العلاقات كانت بطيئة أيضاً في الانطلاق على أرض الواقع. وكان الهدف من الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وهو مشروع يتصور بناء خطوط سكك حديدية جديدة عبر شبه الجزيرة العربية، زيادة تعزيز العلاقة بين البلدين.
وتهدف الخطة، التي دعمتها الولايات المتحدة في يناير من العام الماضي، إلى بناء طريق بطول 3000 ميل لخدمة أغراض متعددة، بما في ذلك مواجهة برنامج البنية التحتية الصيني "الحزام والطريق". ولكن في الوقت الراهن، أدت الحرب بين إسرائيل وحماس إلى إبطاء الجهود الرامية إلى وضع حجر الأساس للمشروع.