بلومبرغ
كشف بنك الشعب الصيني عن خطط واسعة النطاق لتوجيه الأموال إلى القطاعات ذات الأهمية الوطنية لدعم الاقتصاد المتعثر خلال هذا العام، بعد إعلان مفاجئ بخصوص نسبة الاحتياطي الإلزامي.
فاجأ بنك الشعب الصيني المستثمرين يوم الأربعاء الماضي بالإعلان عن خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي بمعدل أكبر من التوقعات قبل موعد تطبيقها بأسابيع، ليقدم دفعة طال انتظارها للأسواق.
يرى المحللون الاقتصاديون أن البنك المركزي سيتبع ذلك الإجراء بتوجيه الائتمان إلى مجالات محددة، إلى جانب إجراء حفنة من التخفيضات الضئيلة لنسبة الاحتياطي الإلزامي وخفض أسعار الفائدة الأساسية بمعدلات طفيفة.
مؤشر على سوء أداء الأسواق
دانغ شوانغ، كبير المحللين الاقتصاديين للصين الكبرى وشمال آسيا ببنك "ستاندرد تشارترد"، قال إن "عدد مرات خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي سيقل من الآن فصاعداً، والتخفيض لن يُستخدم إلا بمثابة مؤشر في حالة سوء أداء الأسواق بشكل استثنائي. الأدوات الهيكلية سيكون لها دور أكثر أهمية".
قال المحللون الاقتصاديون لدى "غولدمان ساكس" مساء الأربعاء الماضي إنهم يتوقعون خفض بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة في الربعين الأول والثالث، وتخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي في الربعين الثاني والرابع من العام الجاري.
اقرأ أيضاً: الصين تدرس دعم سوق الأسهم بـ278 مليار دولار
جاء قرار محافظ بنك الشعب الصيني بان غونغشنغ بالإعلان شخصياً عن خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي بدلاً من انتظار نشره عبر الجهات الحكومية بعد خطوة مشابهة اتخذها رئيس الوزراء لي تشيانغ، ففي وقت سابق من الشهر الجاري اتخذ ثاني أعلى مسؤول رسمي في الصين خطوة مفاجئة بالإعلان عن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في 2023، قبل أن ينشره مكتب الإحصاءات.
إدارة جديدة لسوق الائتمان
تظهر الخطوتان قدر الأهمية التي يوليها أبرز شخصيات الحزب الشيوعي لتعزيز الثقة، ما يعكس حاجة حكومة الرئيس شي جين بينغ الملحة إلى التجاوب مع المطالبات بزيادة التحفيز القوي، فيما يواجه الاقتصاد تحديات تتمثل في أزمة عقارية، واستمرار الانكماش، وتدهور الثقة، وخسارة سوق الأسهم 6 تريليونات دولار.
أكد "بان" أن صناع السياسة النقدية سيكون أمامهم فرصة أكبر للعمل هذا العام، وكانت الإشارات إلى خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي المرتقب لأسعار الفائدة أحد العوامل التي استشهد بها. كما حدد محافظ البنك المركزي كيفية إيصال الدعم المالي إلى القطاعات المهمة.
وأضاف أن بنك الشعب الصيني سينشئ إدارة جديدة لسوق الائتمان، بغرض توفير التمويل لقطاعات من بينها التكنولوجيا والطاقة الخضراء، وسيخفض أيضاً أسعار الفائدة على التمويلات منخفضة التكلفة الموجهة للبنوك الذي يتجاوز حجمها تريليوني يوان (279 مليار دولار)، في خطوة تهدف إلى التشجيع على زيادة القروض المقدمة إلى قطاع الزراعة والشركات الصغيرة.
وعن ذلك قال "دينغ" إن "إنشاء إدارة جديدة تعد إشارة إلى أن الأدوات الهيكلية ستوجه الأموال إلى الاقتصاد الحقيقي والقطاعات المهمة التي يُعطى لنموها الأولوية".
تيسير نقدي ينطوي على مخاطر
تزايد اعتماد بنك الشعب الصيني على الأدوات التي توجه الائتمان إلى قطاعات محددة منذ 2020، عندما أثرت جائحة كورونا على النمو الاقتصادي. ويمثل ذلك تحولاً عن استراتيجية البنك السابقة للاتجاه إلى التأثير على تكاليف الاقتراض عبر تعديل أسعار الفائدة الأساسية، وإفساح مجال كبير أمام المستثمرين لتحديد وجهة استثماراتهم.
اقرأ أيضاً: بنوك الصين تثبت أسعار الفائدة وتوقعات بخفضها في الربيع
قال لاري هو، مدير اقتصاديات الصين في "ماكواري غروب" (Macquarie Group Ltd.)، إن هذا النوع من التيسير النقدي واسع النطاق الذي يجريه بنك الشعب الصيني قد ينطوي على مخاطر، فتلك السياسات تسمح بتدفق السيولة إلى قطاعات متعثرة، مثل العقارات وديون الحكومات المحلية.
تشير مواصلة "بان" التركيز على الأدوات الهيكلية إلى رغبة البنك المركزي في التأكد من توجيه السيولة إلى القطاعات التي يتوقع استفادة الاقتصاد منها، وفي المقابل، لن يكون دور المؤشرات السعرية كبيراً.
"هناك احتمال ضئيل ألا يقدم بنك الشعب الصيني مزيداً من التحفيز، فضلاً عن أحدث خفض لنسبة الاحتياطي الإلزامي بالبنوك. أوضح المحافظ بان غونغشنغ ذلك عندما حدد يوم الأربعاء أهداف البنك السعرية، والتحديات الاقتصادية، والمجال المتاح للتدخل أمام بنك الشعب. توقعنا بزيادة التيسير النقدي عن مثيله في نوفمبر. يُرجح أن تتخذ الجهود الإضافية صورة تخفيضات أكبر في نسبة الاحتياطي الإلزامي"، بحسب تشانغ شو ودافيد كو.
رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"
دور أكبر للأدوات الهيكلية
أشار "دينغ" وآخرون أن البنك قد يطرح مزيداً من أدوات إعادة الإقراض لضمان تدفق الائتمان إلى المسارات المتوافقة مع الأهداف الأكبر للحزب الحاكم. وحدد البنك المركزي الشركات الصغيرة والاقتصاد الرقمي ورعاية المسنين باعتبارها قطاعات مفضلة.
هناك احتمال أيضاً أن يزيد بنك الشعب الصيني تمويل برنامج الإقراض الإضافي المضمون، الذي يعد أداة محل جدل تتضمن ضخ الأموال منخفضة التكلفة في البنوك الداعمة للسياسات الحكومية بغرض دعم مشروعات الإسكان. ووصف بعض المحللين الاقتصاديين هذا البرنامج بأنه صورة من التسهيل الكمي على الطراز الصيني.
فيما قال "هو" إن "الأدوات الهيكلية في الصين تمثل جزءاً أكبر من نظيراتها في الاقتصادات المتقدمة. إنه إطار للسياسة النقدية بسمات صينية".