عندما توقفت حركة المرور عبر قناة السويس في 2021، بدت التكلفة غير العادية والاضطرابات في التجارة العالمية كبيرة. لكن على بعد 5000 ميل من قناتي السويس وبنما تقع ممرات ملاحية أكثر أهمية، وهي نقاط يمكن أن تشل التجارة العالمية في حالة حدوث أي كارثة.
يمر أكثر من ربع البضائع المنقولة عبر امتداد مائي يبلغ عرضه 25 ميلاً يفصل إندونيسيا من الجهة الجنوبية الغربية عن سنغافورة وماليزيا من الجهة الشمالية الشرقية، والمعروف باسم مضيق ملقا.
من حيث القيمة، فإن 27.9% من البضائع المرسلة حول العالم والتي تعبر هذا المسطح المائي تتجاوز بكثير 16.6% التي تتحرك على طول قناة السويس في مصر، وفقاً لبحث أجراه البروفيسور لينكولن براتسون في كلية نيكولاس للبيئة بجامعة ديوك.
في بحث نُشر الشهر الماضي في مجلة "كوميونيكيشن إن ترانسبورتيشن ريسيرتش" (Communications in Transportation Research)، تناول براتسون بالتفصيل أنماط التجارة وطرق الشحن وأقصر المسارات عبر المحيطات لتقييم التأثير المحتمل لإغلاق أي من نقاط العبور الثلاث عشرة التي حددها حول العالم. واستخدم بيانات عام 2019 لأن هذا هو العام الأخير الذي يمكن فيه اعتبار التجارة طبيعية قبل أن تعطل جائحة كورونا التجارة العالمية، وأجرى التحليل على التجارة بين البلدان غير المتجاورة لأن تلك التي تشترك في الحدود من المرجح أن تستخدم الطرق البرية.
خطر عسكري قرب مضيق "ملقا"
على بعد نحو 1000 ميل لجهة شمال شرق مضيق ملقا، تطالب سبع دول على الأقل بمساحات من بحر الصين الجنوبي، مما يجعل الصراع العسكري الخطر الأكثر وضوحاً. يقول براتسون إن نقاط العبور التي يُقدر أنها تحمل معظم التجارة من حيث القيمة الإجمالية والوزن الإجمالي هي مضيق ملقا وبحر الصين الجنوبي. ويحمل بحر الصين الجنوبي وحده تجارة تعادل 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو ما يجعله رابع أكبر اقتصاد في العالم.
مقدار التجارة التي تعبر بحر الصين الجنوبي تشكل بالتحديد محل جدل كبير. قدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن القيمة بنحو 3.4 تريليون دولار لعام 2016، أي أقل بنسبة 36% من التقييمات الأخرى لنفس الفترة الزمنية. ويقدّر براتسون حجمها بنحو 4.1 تريليون دولار لعام 2019، منها 3.9 تريليون دولار تمر عبر مضيق ملقا. هناك بعض التداخل، لأن البضائع تمر عبر ممرات بحرية متعددة في طريقها إلى وجهتها النهائية.
الرقم الدقيق لا يهم حقاً. ما يهم شركات الشحن والمصنعين والحكومات هو فهم مدى خطورة التأثير في حالة وقوع كارثة. يمكن الشعور بالتأثير المضاعف الناتج عن الإغلاق الكامل لأي ممر مائي على بعد آلاف الأميال.
ممرات تتفوق على السويس وبنما
يشير براتسون إلى أنه عندما أغلقت سفينة الشحن "إيفر غيفن" قناة السويس قبل ثلاث سنوات، أضافت نحو تسعة أيام إلى الرحلة بين تايوان وهولندا، مع ارتفاع تكلفة التجارة العالمية إلى ما يقرب من 10 مليارات دولار يومياً. سيعاني مضيق أومباي الذي يبلغ عرضه 20 ميلاً، على بعد 7000 ميل، بين جزيرة ألور الإندونيسية وتيمور، من انخفاض بنسبة 90% في حركة المرور بسبب إغلاق قناة السويس.
حتى مضيق جبل طارق الذي يفصل بين أوروبا وأفريقيا، على بعد 2000 ميل شمال غرب قناة السويس، سيخسر 28% من تدفقات الشحن، من حيث القيمة.
رغم ذلك، ربما يكون التأثير الأكبر هو إغلاق مضيق ملقا أو بحر الصين الجنوبي. في حالة توقف المرور البحري هنا، فإن مضيق لومبوك- ماكاسار القريب وغير المعروف، والذي يقع شمال بالي، سيشهد ارتفاعاً بمقدار 14 ضعفاً بحجم التدفق التجاري. لم نرَ بعد ما إذا كان هذا الامتداد من الماء لديه القدرة على حمل هذا الحجم بأمان.
يمر عبر مضيق ملقا أكثر من 20% من حيث القيمة من جميع الآلات الميكانيكية والمعدات الكهربائية والوقود المعدني مثل الفحم والغاز والنفط والمعادن النادرة. تنطبق أرقام مماثلة على بحر الصين الجنوبي، في حين أن بحر الصين الشرقي، الذي يربط تايوان باليابان وكوريا الجنوبية وشمال شرق الصين، يحتل مرتبة عالية أيضاً. كل من هذه الممرات الثلاثة على حدة يفوق بنما والسويس أهميةً، فيما تتمتع القناة الإنجليزية ومضيق جبل طارق بأهمية مماثلة.
تهديدات محتملة
لا تقتصر المخاطر على هذه الممرات المائية الآسيوية على الحرب، التي تؤثر حالياً على قناة السويس حيث يطلق المتمردون الحوثيون صواريخ على السفن التي تمر عبر البحر الأحمر المجاور، ويبطئون التجارة عبر مضيق البوسفور التركي الذي يأخذ حركة المرور من البحر الأسود حيث تعمل أوكرانيا على صد الغزو الروسي.
إن جفافاً، مشابهاً لذلك الذي يضر بتدفقات قناة بنما، لن يجفف بحر الصين الجنوبي أو مضيق ملقا. رغم ذلك، هناك العديد من الكوارث الأخرى التي يمكن أن تضرب النقل البحري. فكر في الزلازل وما ينجم عنها من موجات تسونامي، والأعاصير الشائعة في المنطقة، والانسكابات الكيميائية والحوادث النووية التي تجبر السفن على تغيير مسارها، أو حرائق الغابات التي ترسل أعمدة من الدخان الكثيف عبر المياه، مما يؤثر على الملاحة.
حتى من دون وقوع حوادث لمرة واحدة، فإن المنطقة هي بالفعل الأكثر خطورة في العالم. ربع السفن المفقودة في عام 2022 كانت في المنطقة الممتدة من جنوب الصين إلى إندونيسيا، وفقاً لتحليل مجموعة "أليانز". ومع ذلك، وعلى الرغم من كونه مأساوياً، فإن السفينة الغارقة أو التي تقطعت بها السبل لن تؤثر كثيراً على مسار التجارة العالمية.